إن كانت الديمقراطية جسدا فقد رحلت
يشق علي نعي الإمام الحبيب الصادق المهدي وتهرب مني الكلمات فماذا أقول وماهي تلك المفردات التي يمكن أن توفي وتعبر وتبوح عن هذا الفقد الجلل بعد ان فاضت روح حكيم الأمة إلى بارئها سائلين المولى عز وجل له الرحمة والغفران و لأسرته الصغيرة خالص التعازي ولأسره الكبيرة الصبر والسلوان وحسن العزاء، فبرحيل السيد الإمام فقدنا أبرز منارة من منارات الديمقراطية الحقة فإن كانت الديمقراطية جسدا فقد ارتحلت برحيله وهو الذي كرس حياته لخدمة هذا السودان وعانى في سبيل هذا ما عانى طوال تاريخ حياته السياسية التي زخرت بكل ما للسياسة السودانية من متقلبات وجنوح نحو شموليات و أنظمة مستبدة كانت دوما تقف ساخرة امام مبدأ الديمقراطية وتنخرط دوماً نحو الحكم العسكري ونحمد له انه ظل عصيا عن تلك الممارسة التي تبيح إقتناص الكراسي غصبا عن إرادة هذا الشعب الآبي الذي ظل الإمام طوال تاريخه الممتد يحترم إرادته وينادي بنفاذها فهو كان حقاً أحد إيقونات العمل السياسي والفكري بل كان أحد حلماء السياسة السودانية وحكمائها إن لم يكن هو حكيم الأمة الأوحد لما ظل يتعرض له من تنمر وهو برغم هذا كان يبدي حلما لو تعلمون عظيم بل ظل يبذل كل طاقاته الفكرية وتجاربه العظيمة مسخراً إياها لخدمة هذه الأمة وهذا البلد الذي ينكب دوما في عظماؤه وهو واحد من أولئك العظماء الذي سطروا تاريخاً مجيدا كان عنوانه الصدق وحفظ العهود والثبات على المواقف في ظل وجود أرضية سياسية هشة ومتحركة دوما بأ مزجة خربة أطاحت بالحياة السودانية نحو قاع المعاناة، رحيل الإمام سيحدث فراغا كبيراً لا يمكن ملؤه فهو المبادر دوما والمتقد الذهن والباذل للفكر الذي وأن أختلف حوله الناس إلا انه يظل طرحا موضوعياً يتماشى مع طبيعة هذا السودان و إنسانه الذي ظل يبادل كثيرين فيه الإمام الإحترام وان إختلفوا معه في الرأي فهو برأي يظل حالة خاصة في هذا الجانب لما له من سعة صدر حمالة لكل تلك الإختلافات والخلاف في الرأي دون شطط كما كثيرون ظل وسيظل متميزاً عنهم بما تركه من آثر عظيم وبما خطه من سفر أعتقد انه سيظل مرجعا وملتجأ.
بفقد الإمام ستفتقد الحياة السياسية السودانية قمرا منيراً ظل ينير تلك الأقبية والطرقات المظلمة في خارطتنا السياسية والتي حتماً ستعجز عن إنجاب الصادق الصدوق الذي ظل يمثل حالة ثورية لها خصوصيتها وان كان يرى البعض غير هذا فهو يستند إلى تاريخ يبقى محفوظاً ويكفى انه ظل رافضا اي مشاركة في ظل النظام البائد بفضل ثورة ديسمبر أبريل المجيدة والتي كان له دوراً فيها قد ينكره البعض، لكن يبقى دوره فيها حاضرا ودوره قبلها حاضرا فما سقوط الإنقاذ إلا نتيجة تراكمات ثورية في ميادين مختلفة إختتمها شعبنا العظيم بخروجه في ديسمبر أبريل ومن ثم السقوط الكبير لنظام الظلم والإستبداد الذي ظل معاديا للإمام ورسخ لحرق شخصيته التي ظلت عصية عليهم وان خالط البعض سؤ التقدير والفهم و إنساقوا وراء الترهات التي ظل يخطها أولئك بغرض الإطاحة برمزية خالدة نشدت الديمقراطية ونادت بتطبيقها قولا وفعلاً، وعندما أرادوا كسر شوكته بأن يقر لهم بفشل الحكم الديمقراطي من محبسه عقب إنقلابهم المشؤوم في 89 قالها لهم “الديمقراطية راجحة وعائدة” وقد كان ان عادت رغم أنف المتسلطين.
الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة بذل جهوده للعامة وكان واضحا في طرحه لا يوارب ولا يتلون وكان دوماً يتصدى للمهمات الأصعب، فبرغم ما ظل يعانيه طوال تاريخه وما تكثف مؤخراً من هجوم عليه حول أراء ظل يطلقها عقب نجاح ثورة ديسمبر إلا ان جل ما قاله تكشف بعد حين برغم رفضه والسخرية من ما قيل، من قبل كثر متشنجين لم يضيفوا للحياة العامة والسياسية غير ذلك التنمر الغوغائي الذي أفقد كثيرون وقارهم، لكنه ظل محتفظا بذلك الوقار وظل ثابتا في مبادئه كيف لا وهو الإيقونة المتفردة والتي ان تمثلت الديمقراطية يوما في جسد فإنها تتمثل في جسد الإمام الصادق المهدي ذلك الوسطي في الطرح والذي لا يميل للعداء بل يقارع الحجة بالحجة مستنداً إلى إرث وتجارب عظيمة ترسخت لديه مع مرور الأيام التي ظل يكشف لنا خلالها ان مواقفه ليست للشراء فهو حتى لم يمارس ذلك الخداع الذي إعتاد عليه السياسيون في التعامل مع شعوبهم.
الإمام رحيله يمثل فقد جلل للأمة السودانية قاطبة فما أصعب موت العقول المتقدة وما أقسى فقد أصحاب الفكر والرأي المتزن وما أشنع من رحيل أولئك الصادقون ممن بذلوا حياتهم للإصلاح في ظل ركام متضخم من الخراب في كل شئ ومع هذا جابه الإمام كل هذا وكان ينادي بالإصلاح ويكفي انه أول من ناد بعمل إصلاحات على الحاضنة السياسية للثورة “قوى الحرية والتغيير” وبرغم ما وجده الطرح من هجوم إلا ان الأيام أثبتت أهمية ما قاله وقتها حكيم الأمة فيبقى دوما قدر الحكماء ذلك النبوغ وتلك النبوة الدنيوية والتي يكتسبونها بكثير علم ومعرفة وقد كان السيد الصادق بحراً زاخراً من العلوم والمعارف ولن ولم يضيره إن رمى فيه بعض غلمان بحجر.
نسأل الله العلي القدير الرحمة والمغفرة للحبيب الإمام الصادق المهدي وان يسكنه أعالي الفراديس مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وان يجعل كتابه بيمينه وان يلهم أسرته الصبر والسلوان وان يلهم جميع الأحباب ومعارفه في مختلف الأوساط الصبر وحسن العزاء.
زاكي الدين الصادق