مذاق الحروف
عماد الدين عمر الحسن
الحرب بين الحكمة والقوة ..
في صلح الحديبية – اشترط كفار قريش علي النبي صلي الله عليه وسلم العودة الي مكة علي ان يعود في العام المقبل لاداء العمرة ، كما وضعوا شروطا يبدو في ظاهرها الاجحاف الشديد والظلم للمسلمين – مثل ان يعيد المسلمون كل من يأتي اليهم من مكة ليسلم الي ذويه – بينما لا يعيد الكفار من يرجع اليهم من المدينة مرتدا ، كما غيّر الكفار صيغة الاتفاق فطلبوا ان تفتتح الوثيقة ب ( بسمك اللهم ) بعد ان كانت بسم الله الرحمن الرحيم ، كذلك طلبوا أن يتم تعديل الفقرة الاولي من : هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله والسهيل ابن عمرو لتكتب محمد ابن عبدالله ، فاعترض بعض الصحابة بشدة علي هذه البنود والتعديلات ، غير ان النبي صلي الله عليه وسلم ارتضي هذه التنازلات ووافق عليها مجتمعة .
لم يكن علي وجه الارض في ذلك الوقت من هو علي الحق اكثر من رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولكنه ارتضي ان يتنازل عن تلك الحقوق بمحض ارادته لما راه من مصلحة في ذلك ، ولما يمتلك من الحكمة ، حيث لم تكن قوة المسلمين في ذلك الوقت تسمح بالقتال ، وعددهم لم يتجاوز الالفين ، فكان نتيجة حكمته عليه الصلاة والسلام ان دخل المسلمون الي مكة فاتحين بعد اقل من عامين في عشرة ألف مقاتل .
الشاهد مما سبق ان الحكمة أهم من القوة في الحروب ، وليس عيبا ولا منقصة ان تميل الي السلم اذا لم يكن وضعك يسمح بالقتال ، بل لايعيب أن تجنح الي السلم وانت قادر علي القتال اذا كانت المصلحة العامة تدعو لذلك ، فالقوة والحكمة عنصران متلازمان في الحرب وفي كثير من الموقف الاخري .
من لايمتلك القوة يمكن ان يراهن علي الحكمة والعكس كذلك يصح ، ولكن العجب كله فيمن لايمتلك اي منهما ويصر رغم ذلك علي القتال .
نقول ، لو كان داعموا الحرب يعقلون – لما عرّضوا البلاد لكل هذا الدمار ،لو كانوا يفقهون الدين لما عرّضوا انسانها لكل هذا الشتات ، لو كانت اعمالهم كلها لله كما أشبعونا كذباً طوال السنين الماضية التي تجاوزت الثلاثون لارتضوا بالحوار فهو لايعيب .
كلام في الصميم ولكن لا حياة لمن تنادي .
جزاكم الله خيرا . . .