العمود الحر
عبدالعزيز المازري
العليقي يخطط بذكاء… فهل يُراجع حساباته؟ رؤية لا تخطئ… لكنها تحتاج تعديل الزاوية!
*من الإنصاف قبل أي حديث أن نضع النقاط فوق الحروف، فلا يتناطح عنزان – في أن تسجيلات الهلال في عهد العليقي شهدت نقلة نوعية على مستوى التنظيم، وحُسن الاختيار، والسرية المحترفة في التفاوض. هذه لجنة تعرف ما تريد، وتتحرك وفق رؤية واضحة لا ضجيج فيها ولا استعراض، ويكفي أنها جعلت من ملف الانتدابات حديث الساحة رغم أنها لم تفتح فمها بكلمة واحدة، مما يدل على قدرة حقيقية في إدارة الملف بتكتيك واحترافية عالية.*
*ولعل أبرز ملامح هذه الرؤية تمثلت في استقطاب لاعبين محترفين أصبحوا اليوم مطلوبين في أندية منافسة، وهي نقطة تحسب للعليقي لا عليه، وتدل على قراءة دقيقة لحاجة الفريق والسوق الكروي، بل وتجلّى فكر اللجنة الفنية أيضًا في الاتجاه نحو تسجيل لاعبين شباب بمفهوم الاستثمار الفني، وهو ما يُعد تفكيرًا استراتيجيًا نادرًا في بيئتنا الكروية التي ما زالت أسيرة الحلول اللحظية والمعالجات الإسعافية.*
*وهذا في جوهره ليس عيبًا بل وجه من وجوه التجديد المحمود، لكن وبالقدر ذاته من الصدق، نقول إن الفريق لا يحتاج فقط لمواهب شابة واعدة، بل بحاجة إلى عناصر تُضفي الثقل والخبرة وتمنح التشكيلة شخصيتها داخل الملعب وتكون مرجعية في المواقف الكبيرة، فالتوازن بين شباب المستقبل وخبرة الحاضر هو مفتاح النجاح الحقيقي، لا الكثرة العددية ولا التهويل في الأسماء.*
*ولعل ما يعزّز هذا النقد الواقعي أن الجماهير الهلالية نفسها، والتي لطالما كانت تتابع أخبار التسجيلات بفرح وترقّب، أصبحت اليوم تتلقى كل خبر عن محترف جديد ببرود ظاهر، لأن ذاكرة الجمهور تحفظ ما لديها من كمٍّ كبير من المحترفين، وتُدرك أن التكديس لا يعني النجاح، ولذلك بات غياب الحماس الجماهيري تجاه أي تعاقد أجنبي مؤخرًا، دليلاً على أن التوازن قد اختل، وأن عودة العقل إلى غرفة التسجيلات باتت ضرورة عاجلة لا ترفًا فنيًا.*
*وهنا يظهر جوهر النقد، فالعليقي، رغم نجاحه الواضح في ضبط إيقاع التسجيلات، لا بد أن يُراجع معادلته في ما يخص الكم الكبير من اللاعبين الأجانب، لأن الهلال، وإن كان يُقدّر كل جهد يُبذل في سبيل تطوير الفريق، إلا أنه ليس بحاجة إلى تضخيم عددي بقدر ما هو في حاجة إلى تركيبة متجانسة، تجمع بين الخبرة، والمستوى العالي، والانتماء للكيان، وهذه معادلة أدق من أن تُقاس بعدد الجنسيات أو بتكديس العقود.*
*وما نخشاه فعليًا هو أن نعيد ذات الخطأ الموسمي المتكرر، بأن نغرق الفريق بعدد كبير من المحترفين الأجانب على حساب اللاعب الوطني، وعلى حساب أبناء الهلال الذين ينتظرون الفرصة موسماً بعد آخر، ليجدوا أنفسهم خارج الحسابات، وكأن النادي يُدار في كوكب آخر.*
*ولنا في تجارب الماضي شواهد لا تُنسى، فالأرباب صلاح إدريس وُفّق في جلب الثلاثي النيجيري يوسف محمد وقودوين وكلتشي، إلى جانب داريو كان وديمبا، الذين شكلوا معًا منعطفًا كبيرًا في تاريخ الهلال، وعبدالمجيد منصور أجاد هو الآخر في التعاقد مع يوهانس، والبرير بدوره وُفّق في بعض الصفقات أبرزها أوتوبنج، رغم محدودية موارده، وحتى الكاردينال، رغم العثرات، إلا أنه نجح في التعاقد مع مدربين كبار ولاعبين أصحاب بصمة واضحة، وترك له سجل يُذكر في بعض محطات التنافس الأفريقي.*
*هؤلاء أجادوا رغم شُح الإمكانيات، فكيف لا نُطالب نحن اليوم بمشروع متكامل، والهلال يملك من الموارد ما يمكّنه من التعاقد مع أكثر من اثني عشر لاعبًا في موسم واحد؟
كل الظروف الآن مهيأة لبناء فريق حقيقي، لكن المطلوب هو الوضوح في الرؤية، والتوازن في التكوين، والوعي بأن اللاعب الوطني ليس بديلاً وقتياً، بل هو ركيزة أساسية لا غنى عنها إن كنا نبحث عن هوية تُشبه الهلال وتعبّر عن مزاج جماهيره وروحه في الملعب.*
*ومن تابع الدوري التأهيلي أو منافسات الأقاليم، سيدرك جيدًا أن في السودان كنوزًا كروية تنتظر فقط عدسة الكشاف وفرصة الثقة، فلماذا لا نمنح هؤلاء فرصة الظهور؟ ولماذا لا نعيد تشكيل الهوية الزرقاء من داخل البيت الهلالي لا من قارات العالم المختلفة؟*
*أما فيما يخص المدرب، فلسنا من أنصار التسرع في إعلان الاسم ولا من الذين يتصيدون الإدارة في تأخير الكشف عنه، بل نحن من أنصار حُسن الاختيار أولاً، وأن يأتي المدرب بالمواصفات الفنية والقيادية التي يحتاجها الهلال، لا أن يكون مجرد اسم للاستهلاك الإعلامي أو استنساخ لمرحلة سابقة.*
*ومن الدلائل القاطعة على نجاح العليقي ولجنته، ما نشاهده هذه الأيام في الوسائط والميديا من أخبار وتسريبات واجتهادات حول لاعبين محتملين، وتحركات في الدوري الإيطالي والفرنسي، وزيارات لوكلاء لاعبين من غرب أفريقيا، مما يعكس أن الهلال بات نقطة جذب حقيقية في السوق، وتحوّل إلى نادٍ ترصده الأنظار من كل اتجاه، وهذا لا يحدث مصادفة، بل بعمل منظم يقوده فكر إداري واعٍ لا يتحدث كثيرًا لكنه يعمل كثيرًا.*
*لكن وسط كل هذا، يبقى المطلوب من مجلس إدارة الهلال أن يتحلّى بالشفافية، فالجمهور لا يطلب تفاصيل العقود ولا أسرار التفاوض، بل بيان صغير يكشف حقيقة موقف النادي من ملف الأجانب، ويُوضّح مصير المدرب الحالي فلوران بعد انتهاء عقده، ويوضح التوجه العام للتسجيلات القادمة، فالمعلومة الدقيقة تقتل الشائعة وتبني الثقة.*
*الهلال اليوم بحاجة إلى مشروع متوازن يدمج بين تسجيل لاعبين محترفين بوزن فني حقيقي وتجربة واضحة في المنافسات الكبرى، وبين عناصر وطنية تمتلك القدرة على التطور والعطاء المستدام، مع دمج أبناء النادي والعناصر ذات الجاهزية من أبناء السودان الذين تألقوا في المنافسات الداخلية، والذين يعرفون طبيعة الدوري وقوة الشعار أكثر من أي محترف عابر.*
*وفي ظل التزام اللجنة الفنية بسرية التفاوض، وحسن إدارتها للملف الفني، فإن ما ينقص هذا العمل الكبير فقط هو البُعد الإعلامي الشفاف الذي يجعل الجمهور جزءًا من الصورة، لا مجرد متفرج يسأل: “من القادم؟”*
*نحن اليوم نتابع الترجي، الأهلي، الوداد، والهلال السعودي في كأس العالم للأندية بأمريكا، وصدقوني، الهلال السوداني ليس أقل منهم فنيًا ولا جماهيريًا ولا تاريخيًا، فقط نحتاج إلى وضوح في الخطط، وصدق في النقد، وتجرّد من الهتاف المجاني، وشفافية تُحوّل الجمهور من منطقة الانتظار إلى منطقة الإيمان بالمشروع.*
*والبطولات ليست عصيّة، فبيراميدز المصري رفع دوري الأبطال – لا الكونفدرالية – بعد سنوات من التأسيس والعمل الهادئ، والهلال أحق منه لو أحسنّا البناء، وامتلكنا شجاعة المراجعة، ووضعنا العاطفة جانبًا.*
**كلمات حرة:**
* يا مجلس الهلال… البيان لا يُفقد المصداقية، بل يصنعها.
* ما عاوزين كل موسم نقرأ “اقترب الهلال من لاعب نيجيري”… بعدين نلقاهو ساكن في لاغوس وما عندو باس!
* الهلال ما ناقصه أقدام… ناقصه تصويب اغلاط وجلطات !
* لجنة العليقي ماشّة صاح… لكن لو فتّشت شوية في الفرق المحلية، تلقى فيها تِرس من ذهب.
* الشفافية مش معناها مؤتمر صحفي… معناها تقول لينا: “فلوران مشى، وجانا فلان!”
* التكديس في السوق بنفع التجار… ما بنفع الهلال!
*اخر كلمة حرة*
* **الهلال لو داير يقطع التذكرة للمنصات القارية، لازم يلمّ أولاده أول… قبل ما يلمّ جوازات الأجانب!**