أزمة انتقالات النافذة الأولى
بين مشروعية التعاقد وإنهاؤه بالإرادة المنفردة
عند إطلاع المرء على لائحة الفيفا بشأن أوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم وتحديدا القسم الخاص بالإستقرار التعاقدي ، يدرك من الوهلة الأولى أن عديد القضايا التي يتطرق اليها هذا القسم من اللائحة ، تعكس المبادئ الأساسية لقانوني العمل والعقود .
إحترام العقد :
يستدعى الحكم الأول من الفصل الرابع المبدأ المركزي للإستقرار التعاقدي وهو : (يجب الوفاء بالإتفاقات ) ، وكأين من العقود الأخرى المبرمة لفترة محددة سلفا ، ينقضي العقد بين اللاعب المحترف والنادي بإنتهاء مدته ويمكن انهاؤه قبل ذلك بإتفاق الطرفين ، وقد نصت على ذلك صراحة المادة (13) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم ، كما تجيز المادة (14) من ذات اللائحة لكل من اللاعب والنادي أن ينهي العقد بالإرادة المنفردة ، متى إستند في ذلك إلى سبب مشروع وبدون أية تبعات (سداد تعويض أو توقيع جزاءات رياضية) .
بمناسبة الجدل الذي تمور به الساحة الرياضية حاليا بشأن اللاعبين رمضان عجب ومحمد الرشيد وعلي أبوعشرين ، فسوف أعرض إلى ذلك كالتالي :-
مشروعية تعاقد الهلال مع الثلاثي
طبقا للمادة (18) الفقرة (3) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم ، فإن اللاعب يكون حرا في التعاقد مع ناد آخر إذا انتهى عقده مع ناديه أو إذا كان العقد سينتهي بعد ستة أشهر ، فإن اللاعب يصبح حراً لإبرام عقد مع ناد آخر وذلك دون حاجة إلى حصول اللاعب أو هذا النادي على إذن مسبق مع ناديه ، وقد نصت على ذلك أيضا المادة (25) الفقرة (8) من لائحة أوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم بالاتحاد السوداني لكرة القدم 2018 . وبالرغم من التفاوت بين اللائحتين فيما يخص القيد الزمني (ثلاثة أشهر) للائحة الاتحاد السوداني و (ستة أشهر) للائحة الفيفا ، إلا أنه يتوجب الإرتكان إلى حكم المادة المنصوص عليها بلائحة الفيفا بإعتبارها ملزمة على المستوى الوطني ، ويجب إدراجها في لوائح الاتحادات الوطنية بدون تعديل وهذا ما قضت به المادة (1) بعنوان (نطاق التطبيق) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم (نسخة يونيو 2020) .
يستفاد مما أسلفنا ذكره أن تعاقد نادي الهلال مع اللاعبين (عجب والرشيد وأبوعشرين) يتفق وأحكام اللائحتين الوطنية والدولية لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم .
إنهاء عقد الاحتراف بالإرادة المنفردة من طرف اللاعب بدون سبب مشروع
حالة الثنائي عجب والرشيد وفقا للائحة الفيفا وفقه محكمة كاس
إذا أنهى اللاعب (عجب / الرشيد ) العقد من طرف واحد بدون مبرر مشروع ، فإنه يلتزم في هذه الحالة بتعويض النادي (الهلال) عن الضرر الذي يلحق به جراء هذا الانهاء وفقا لحكم المادة (17) الفقرة (1) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم .
ينص التعليق (FIFA Commentary) على لائحة أوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم بشأن تفسير المادة (18) من اللائحة على أنه إذا وقّع اللاعب (عجب / الرشيد) على عقد ثاني (مع المريخ) فإن اللاعب يكون قد أنهى فعليا بإرادته المنفردة العقد الأول (مع الهلال) ، كما ذهبت محكمة التحكيم الرياضي الى مدى أبعد حيث جاء في حيثيات قرارها بشأن الدعوى التحكيمية (1909/A/ CAS 2009) مايلي : توقيع اللاعب عقدين لنفس الفترة يشكل في حد ذاته خرقا للائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم ويستلزم بالتالي تطبيق الفصل الرابع من اللائحة (التبعات المترتبة على إنهاء العقد بدون سبب مشروع والتي تتمثل في التعويض والجزاءات الرياضية) .
وإذا لم يحدد الطرفان في هذا العقد مقدار التعويض المستحق في تلك الحالة ، فإن هذا التعويض يتم تقديره وفقا لقانون البلد المعني وخصوصية النشاط الرياضي وأي معايير موضوعية أخرى ، وتتضمن هذه المعايير على وجه التحديد ، المكافآت والمزايا الأخرى المستحقة للاعب بموجب عقده الحالي و/أو العقد الجديد وكذلك المدة المتبقية من عقده الحالي بحد أقصى خمس سنوات والرسوم والمصروفات التي دفعها أو تكبدها النادي السابق (الهلال) خلال فترة العقد وما إذا كان الإنهاء قد تم خلال الفترة المحمية .
يقصد بالفترة المحمية فترة ثلاثة مواسم كاملة أو ثلاث سنوات أيهما تأتي أولاً تبدأ بعد سريان العقد اذا تم توقيعه قبل بلوغ اللاعب المحترف 28 عاما ، وفترة موسمين كاملين ، أو سنتين ، أيهما تأتي أولاً تبدأ بعد سريان العقد إذا تم توقيعه بعد بلوغ اللاعب المحترف 28 عاما (الفقرة 7 من قسم التعريفات بلائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم ) .
إذا تقرر أن يدفع اللاعب المحترف (عجب / الرشيد) تعويضا فتقع مسؤولية سداده على كل من اللاعب وناديه الجديد (المريخ) معاً ، ويجوز تحديد مبلغ التعويض في العقد أو أن يتم الإتفاق عليه بين الطرفين وهذا ما نصت عليه المادة (17) الفقرة (2) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم .
تقضي المادة (17) الفقرة (3) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وانتقالاتهم بالأتي :-
(بالإضافة الى الإلتزام بدفع التعويض ، يتم أيضا توقيع جزاءات رياضية على اللاعب إذا كان قد أخل بالعقد خلال الفترة المحمية ، وذلك بإيقاف اللاعب عن المشاركة في المباريات الرسمية لمدة (4) أشهر عن اللعب في المباريات الرسمية ، ويجوز في حالة الظروف المشددة أن يكون الإيقاف لمدة (6) أشهر ، وتسري هذه الجزاءات الرياضية فور إخطار اللاعب بالقرار . تظل الجزاءات الرياضية معلّقة في الفترة مابين آخر مباراة رسمية بالموسم وأول مباراة بالموسم التالي وتشمل كلا الحالتين البطولات الوطنية والدولية للأندية ، ومع ذلك ، لاينطبق تعليق الجزاءات الرياضية هذا إذا كان اللاعب عضواً بالمنتخب الوطني ويكون مؤهلاً لتمثيل المنتخب الوطني في منافسة نهائية لدورة دولية في الفترة مابين آخر مباراة وأول مباراة بالموسم التالي . أما إذا تم الاخلال بالعقد بإرادة منفردة بدون سبب مشروع بعد الفترة المحمية ، فلا يترتب على ذلك جزاءات رياضية ، ولكن يجوز مع ذلك فرض تدابير إنضباطية خارج الفترة المحمية لعدم تقديم إشعار بإنهاء العقد خلال (15) يوما من آخر مباراة رسمية في الموسم (يشمل بطولة الكأس) للنادي المسجل به اللاعب ، وتبدأ الفترة المحمية مرة أخرى عند تجديد العقد وذلك عندما يتم تمديد فترة مدة العقد السابق.
وطبقا للمادة (17) الفقرة (4) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم ، أنه بالإضافة إلى الإلتزام بدفع تعويض ، توقع جزاءات رياضية على أي ناد أخل بالعقد أو حرّض على ذلك خلال الفترة المحمية ويفترض أن أي ناد (المريخ) قام بتسجيل لاعب محترف (عجب / الرشيد) أنهى عقده بدون سبب مشروع قد حرّض ذلك اللاعب المحترف على إرتكاب المخالفة مالم يتم إثبات العكس ، ويمنع النادي (المريخ) من تسجيل أي لاعبين جدد سواء محلياً او دولياً لفترتي إنتقال كاملتين متتاليتين .
احكام محكمة كاس : التعويض وفقا للمادة (17) من لائحة الفيفا
تمثل الاحكام التالية علامات فارقة في فقه دعاوي التحكيم الاستئنافية لمحكمة التحكيم الرياضي (كاس) بشأن تطبيق المادة (17) الفقرة (2) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم في حال تعاقد اللاعب مع ناد آخر بعد إنهاء عقده بإرادة منفردة بدون مبرر ، فإن هذا النادي يكون مسئولا مع اللاعب بالتضامن فيما بينهما عن سداد التعويض للنادي الذي تركه اللاعب .
قضية اللاعب البرازيلي ماتوزالم ، حيث ألزمت محكمة كاس بموجب قرارها الصادر بتاريخ 30 مايو 2009 اللاعب بالتضامن مع نادي ريال ساراغوسا الأسباني بسداد مبلغ وقدره 11,858,934 يورو كتعويض لنادي شاختار دونتسك الاوكراني .
قضية اللاعب المصري عصام الحضري ، حيث اقرت هيئة المحكمة في الأول من يونيو 2010 قيام اللاعب بالتضامن مع نادي سيون السويسري بسداد 796,500 دولار كتعويض للنادي الأهلي المصري بدلا من 900,000 دولار وفقا لقرار غرفة فض المنازعات بالفيفا الصادر بتاريخ 16 ابريل 2009 .
قضية حارس المرمى مورجان سانكتس والذي قضى القرار التحكيمي الصادر بتاريخ 28 فبراير 2011 بإلزام اللاعب بالتضامن مع نادي إشبيلية الأسباني بسداد 2,250,000 يورو كتعويض لنادي أودينيزي الإيطالي بدلا عن 3,547,154 يورو كما قضت بذلك غرفة فض المنازعات بالفيفا وفقا لقرارها الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 2009 .
دروس مستفادة ومقترحات :
أهيب بالاتحاد السوداني لكرة القدم أن يعمل على تحديث لائحته لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم بحيث يتم إصدار نسخة جديدة لكل موسم رياضي لكيما تواكب التعديلات التي تطرأ على لائحة الفيفا ، فعلى سبيل المثال فقد أصدر الفيفا خلال الفترة (2018-2020) أربع نسخ من اللائحة الدولية لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم وصدرت الأخيرة في يونيو من العام الجاري 2020 وتضمنت في المادة الأولى منها أحكاما ملزمة يتوجب إدراجها في لوائح الإتحادات الوطنية بدون تعديل ، بينما لايزال الاتحاد السوداني يعمل بنسخة صادرة عام 2018 قصرت عن إستيعاب هذه التعديلات .
يجب أن تعتمد لائحة الاتحاد السوداني لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم من قبل الفيفا كما تقضي بذلك المادة (1) بعنوان (نطاق التطبيق) الفقرة (2) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم .
إنشاء رابطة للاعبي كرة القدم تدافع عنهم وتعمل على رعاية مصالحهم كما هو الحال في الكثير من الدول ، وقد أجازت المادة (10-1- هـ) من النظام الأساسي للاتحاد السوداني 2017 تكوين هذه الرابطة وتمتعها بعضوية الاتحاد .
إنشاء غرفة فض المنازعات الوطنية كهيئة تحكيمية مستقلة وذلك إستناداً الى المادة (22) الفقرة (ب) من لائحة الفيفا لأوضاع اللاعبين وإنتقالاتهم ، وتعميم الفيفا رقم 1010 بتاريخ 20 ديسمبر 2005 الذي حدد معايير إستقلالية الغرف الوطنية لفض المنازعات ، بجانب اللائحة المعيارية لغرفة فض المنازعات الوطنية ، والمرسلة الى الاتحادات الأعضاء بموجب التعميم رقم 1129 بتاريخ 29 ديسمبر 2007 ، وقد نصت اللائحة المعيارية على تمثيل الأندية واللاعبين في الغرفة الوطنية لفض المنازعات بعدد يتراوح مابين (3-10) ممثلين لكل فئة في الغرفة .
والله من وراء القصد موفقا ومعينا
حسن الكوباني