هلال وظلال
عبد المنعم هلال
رحمة السماء أم رحمة الأرض ..؟
كل يوم يمر على السودان يتزايد معه الألم ويترسخ في النفوس الإحساس بالعجز واليأس.
الحرب التي اندلعت لم تأتي سوى بالمزيد من الدمار والخراب حاصدة أرواح الأبرياء ومبددة أحلام جيل كامل.
لقد أصبحت مشاهد القتل والدمار والجوع والنزوح واللجوء صوراً يومية مألوفة في حياة السودانيين لم يسلم أحد من هذا الوضع المأساوي الأطفال الذين حرموا من التعليم والنساء اللواتي فقدن الأمن والشيوخ الذين باتوا يفتقدون ما يسد رمقهم حتى (التكايا) التي كانت ملاذاً للفقراء والمحتاجين توقفت بعدما كانت تساهم في إطعام من ضاقت عليهم سبل العيش.
المشهد اليوم في السودان هو مشهد تصعيد متواصل لا حل في الأفق بل اشتعال لنيران الصراع يوماً بعد يوم وكلما ظن الناس أن الحرب ستضع أوزارها تأتي رياح التصعيد بما لا يشتهون فتزيد من معاناتهم وتعمق جراحهم لا يتوقف هذا التصعيد عند الجانب العسكري فقط بل يمتد ليشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فالفقر والجوع باتا أقسى من الرصاص والأوضاع الإنسانية تنذر بكارثة قد تستمر تبعاتها لعقود قادمة.
أصبح السودانيون اليوم بين مطرقة الحرب وسندان الجوع يقفون على أعتاب مستقبل مجهول وقد تلاشت آمالهم في إيجاد حل قريب ورغم الجهود الدولية ونداءات الإغاثة يظل الصراع محتدماً ويظل المواطن السوداني هو الخاسر الأكبر.
وسط هذا المشهد القاتم يبدو أن السودانيين فقدوا رحمة من في الأرض ولم يتبقى لهم سوى رحمة السماء إنهم ينتظرون بصبر أن تفتح أبواب الرحمة الإلهية وأن يتدخل الله فيما عجزت عنه أيدي البشر ففي ظل هذه المعاناة المتواصلة لا خيار أمامهم سوى التضرع إلى الله أن يزيل هذه الغمة ولكن هل يمكننا كأبناء لهذا الوطن أن نقف مكتوفي الأيدي منتظرين رحمة السماء فقط ..؟ ألا يمكننا أن نعيد بعضاً من إنسانيتنا ونمد يد العون لبعضنا البعض في هذا الوقت العصيب ..؟ إن السودان الذي نعرفه كان دوماً وطن التكافل والتراحم وطن يتكاتف فيه الجميع في أوقات الشدة، وحين تقسو الظروف.
نحن نعيش اليوم اختباراً صعباً اختباراً لقيمنا لروحنا السودانية التي عُرفت عبر الزمن بالكرم والإيثار. الحرب قد تكون أحرقت الكثير ولكن لا يجب أن تحرق قلوبنا لا يجب أن تطفئ روح الأخوة والتعاضد بيننا نعم ننتظر رحمة الله ولكن يجب أن نكون نحن أيضاً رحماء فيما بيننا.
علينا أن نتذكر دائماً أن الشعوب التي تمر بأزمات كالتي نعيشها تستطيع النهوض من جديد عندما تتكاتف وتعمل معاً من أجل بناء مستقبل أفضل.
إن نهاية الحرب قادمة لا محالة ولكن إلى حين ذلك يجب علينا أن نكون سنداً لبعضنا البعض أن نعيد بناء جسور الثقة والرحمة وأن نحافظ على ما تبقى من إنسانيتنا في مواجهة هذا الجحيم.
والله المستعان.