صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

فَلسَفَة الخسَارَة

135

صَــابِنَّهَا
محمد عبد الماجد

فَلسَفَة الخسَارَة

في ليلةٍ، عادت فيها برشلونة أمام ريال مدريد بخماسية، وفي ليالٍ تحتفل فيها البلاد بعودة الروح للجسد أو عودة مدني، كنا نتمنى أن يعود الهلال أمام يانغا أفريكانز، بعد أن تأخر بهدف، لنكتب من فرح إلى فرح، حيث يلتقي الهلال دائماً مع الوطن، لكن للأسف الشديد، خسر الأزرق بعد أن تأخّر الهلال منذ الدقيقة السابعة من عُمر المباراة، وظل الهلال يخسر في نفس الوقت بنفس الطريقة، حيث تغيب الرقابة في منطقة الوسط، ويغيب الضغط، وتُترك المساحات، ليلدغ الهلال مائة مرة من نفس الجحر.
لكن كل الخسائر تبقى صغيرة عندما يكسب الوطن، ويفرح هذا الشعب في كل الربوع بعد أن ظل يُعاني من حرب جاءت فقط لمسح هويته وكرامته ووحدته وسلامه الاجتماعي.
هذه الحرب التي جاءت من أجل أن تهلك وحدتنا، أراها قد أكدتها، فقد كان الفرح بعودة مدني في شندي وعطبرة والفاشر والجنينة وكسلا والقضارف ودنقلا أكبر من فرحة أهل مدني في مدني، إنّها فرصة أخرى لنؤكد وحدتنا وتماسكنا، وهذا هو ما يجب أن نقاتل من أجله.
يقول شكسبير: (لا تدعني في مجال العواطف السامية اعترف بالعوائق)، دعونا ننتصر على عوائقنا وأحزاننا بالمزيد من الحُـب والفَـرح.
يقول محمد المكي إبراهيم (تذوّقنا حلاوة أن نعيش الرعب والحمى ونصعد للجليد). سنصعد الجليد ونقهر المستحيل.
المُغتربون والمُهاجرون عن الوطن يحلمون دائماً بالعودة إلى الوطن، هذا كل أمنياتهم وكل حلمهم.. نحن الآن نحلم بأن يعود الوطن.. وبإذن الله سيعود الوطن ويعود الجميع إليه.
أمام (مدني) لا نملك لها إلا الحُـب وليس لك غير (الحُـب)، وما عندك غير (الحُـب)، إنّها مدينة خُلقت لكي تكون حبيبة للجميع.
إنّنا نرد دَين مدني علينا وعلى كل السودان بصكوك الحُـب، لذلك نقول ليس عندنا لها غير الحُـب.
أتذكّر محمد مسكين بصوت كأنه يخرج من (كمان) وليس حنجرة يغني من قلب الجزيرة ومن أرض المحنة (أيام بالإشارة كنت ترد سلامك)، من منا الذي لم يرتوِ من هذه الأغنية حتى الثمالة.
نحكي، نطلع ونمرق وندخل، نقيف ونقعد، ونشيل لينا حبة طعمية مرة، وقطعة جبنة مرة، ونضحك لي هنا ـ نعيش حياتنا كما نحب وليس كما يحبون، ها نحن في هذه الظروف نعيشها بالطول والعرض.
أدخل بيكم على الصالون:
أتعجّب من صديق مريخابي يدعو للصبر على، يوسف فداسي وجرس كافي وقباني، ويتحزّم ويتحمّس ونَفَسه يقوم ويطلع وينزل بالواحد ويذهب أبعد من ذلك، وهو يدعو للصبر على السماني الصاوي وأمير كمال ورمضان عجب أيضاً، ويتعذّر على خروج المريخ من التمهيدي بظروف الحرب وحال البلاد، ويقول إنتو عاوزنهم يعملوا شنو؟ يتقطّعوا ليكم في هذه الظروف الصعبة.. وعندما يخسر المريخ من متذيل الدوري الموريتاني، يحدِّثنا هذا الصديق عن حال الكرة وعن منطق اللعبة التي لا تعترف أحياناً بالأفضل والأقوى، ويجزم أن الخسارة طبيعية، وعندما يخسر الهلال في مرحلة المجموعات بعد أن كان هو أول فريق في المجموعات يتأهّـل لربع النهائي، وهو مازال يتصدّر مجموعته رغم الخسارة، يلاقيني صديقي المريخابي نفسه، ساخراً وشامتاً، وهو يمــد لسانه ضاحكاً بعد أن يكون قد نسي ظروف الحرب وحال البلاد الصعبة، وكأنّ الهلال فريقٌ من الدوري الإسباني، صديقي يسخر من الهلال حتى استشف من ذلك أنّ الهلال فريق عظيم جداً، عليه أن يتغلّب على الخصوم، وعلى الحرب، وعلى حال البلاد غير المستقرة، وعلى صديقي المريخابي هذا. على الهلال أن لا يخسر نهائياً، علماً بأنه في نفس الوقت الذي خسر فيه الهلال بهدف من يانغا، خسر ريال مدريد في السوبر الإسباني بالخمسة من برشلونة في جدة وهو بقيادة الفرنسي مبابي والبرازيلي جونيور ويقوده فنياً انشلوتي.
الهلال فريقٌ عظيمٌ جداً، عليه وهو يلعب خارج بلاده في ظل هذه الظروف وبعد أن حسم تأهله أن يلعب ويلعب ويفوز من أجل فريق المولودية الجزائري الذي يلعب في ملعبه وتنعم بلاده بالاستقرار الذي نفقده.
على الهلال أن يلعب لصالح نفسه، وأن يلعب كذلك لصالح المولودية دون أن نضع اعتباراً ليانغ أفريكانز ودوافعه القوية وطموحاته المشروعة في الفوز على الهلال والتأهل معه لدور ربع النهائي.
مع ذلك أقول اتضح لنا في الهلال أنه عندما تغيب الدوافع يغيب الهلال.
أسوأ شئ بالنسبة لي هو أن يخسر الهلال، حيث يطير النوم من عيني ويتغيّـر طعم الماء في خشمي، أغيِّـر شارع البيت واقفل تلفوني وأنوم القوا، يحدث لي كل ذلك، لكني أبقى سعيداً بهذا الأمر وأروِّض نفسي وغيري للتعامل مع الخسارة كأمر لا بُـدّ منه، ليس في الرياضة فقط، بل في الحياة بصورة عامة، تأتي الخسارة لنعرف حلاوة النصر، ولولا الهزيمة لما شعر الفائز بحلاوة الانتصار.
إذا غابت الخسارة، غابت حلاوة الانتصارات.
وفي فلسفتي الخاصّة، التي وصلت إليها من تجارب الحياة ومدارسها، أنه إذا كان هنالك فريقٌ يفوز ولا يخسر، فذلك يعني بصورة قاطعة أن هنالك خللاً في المنظومة.
خلل في الفريق.
ما جدوى ان تلعب أمام أندية لا تعرف أمامك غير الخسارة ولا تعرف أمامها غير الانتصار.
نعم الفريق الذي لا يخسر عليه أن يراجع حساباته، أعرف أنّه لا يوجد فريقٌ لا يخسر، ولكن أقصد من باب المجاز أنّ الفريق الذي يُحقِّق انتصارات متتالية وتغيب الخسارة عنه طويلاً، عليه أن يراجع حساباته، فذلك دليل قاطعٌ أنّ هنالك خللاً في الفريق، أو أنّ هنالك خللاً سوف يأتي.. الانتصارات خادعة.
أخطر من الخسارة أن يكون هناك تشبعٌ من الانتصارات، وفي الهلال هنالك حالة تشبع رغم أننا في بداية الطريق.
فوائد الخسارة عندما تكون في هذا الوقت الذي خسر فيه الهلال تبقى أعظم من فوائد الانتصار، هذا ليس حديثاً من أجل تجميل الخسارة، وإنّمـا هو حديثٌ تُؤكِّده الحسبة التجارية في المحصلة النهائية.
إنّنا نُكرِّر هذا القول بعد كل خسارة، وهو أمرٌ لا نمله سوف نظل نُكرِّره بعد أي خسارة.
أقل فوائد الخسارة في هذا الوقت أنها تُنبِّهني إلى مواضع الخلل في الهلال والأخطاء التي لا نراها عندما يتحقّق الانتصار.
الهلال لم يكتمل بعد.
هنالك بعض الإشكاليات التي يُعاني منها الهلال عندما ننتصر لا نقف عندها، هذه الإشكاليات بالتأكيد ليس هي في المدرب وإن كان هو ضمن المنظومة كلها، يتحمّل وزرها مع الجميع بما في ذلك الإعلام والجمهور، إلى جانب اللاعبين.
فقط أشير إلى أنّ البعض كان يطالب بأن يبدأ جان كلود وكوليبالي، وأن لا يشارك صلاح عادل من بداية المباراة، حَـدثَ ذلك في المباراة فاعترض نفس الناس على إشراك كوليبالي وجان كلود من بداية المباراة، وعدم إشراك صلاح عادل أساسياً.
أمام مولودية استقبل الهلال هدفاً في الدقيقة السابعة، ولكن الهلال في الشوط الثاني استطاع أن يعدل النتيجة، لأنه كان لديه أوراق رابحة في كنبة الاحتياطي، أو لأنه كان يملك جان كلود في كنبة الاحتياطي.
أمام يانغا استقبل الهلال هدفاً في نفس الوقت الذي استقبل فيه هدف مولودية، ولكنه عجز عن تعديل النتيجة، لأنه لم يكن يمتلك عناصر جاهزة بصورة مثالية لتعديل النتيجة.
لا أعني بذلك التقليل من روفا وياسر مزمل وسيرجي بوكو، هذه العناصر ممتازة وبدايتها للمباراة أعتقد أنفع للهلال، علماً أنّ ياسر مزمل وبوكو إذا كانا في كامل الجاهزية قادران على تعديل النتيجة.
أمّا روفا، فإنّ الوقت الذي شارك فيه والخانة التي يلعب فيها لا يمكناه من أن يعطي أكثر مما أعطى، فهو قدم المطلوب وإن كنت أرى مُشاركة روفا أساسياً، ومشاركة إيمي بديلاً له أو جواراً له، يُمكن أن يعطي نتيجة أفضل. علماً أنّ كل هذه الحسبة قد تختل، لأنّ أداء اللاعب ومردوده مرتبط بأشياءٍ لا يمكن السيطرة عليها، من بينها ظروف المباراة ونفسية اللاعب نفسه ومزاجيته.
عليكم الله هسع (الفلسفة) دي ممكن تلقوها في حتة تانية!
هنالك أشياءٌ خارج السيطرة، عندما يحضر التوفيق، كل هذه الأشياء تكون في يومها وتكون تحت السيطرة.
في بعض المباريات عندما تألق الحارس فوفانا، ردوا انتصار الهلال إليه وقاموا بتجريد فلوران من هذا الفضل، وعندما أخطأ فوفانا وكان سبباً في الخسارة وفي ولوج أهداف سهلة في شباكه، كانوا يصمتون عن ذلك ويحسبوا الخسارة على فلوران.
لا أحمِّل فوفانا وحده مسؤولية الهدف الذي كان صورة مُكرّرة من هدف مازيمبي في الهلال، لأنّ لاعبي الوسط يتحمّلون جُزءاً من المسؤولية بسبب غياب الضغط.
المنطقة التي تكون أمام منطقة جزاء الهلال خارج السيطرة، وهي منطقة حرة ولا أقول سايبة، ولا تحدث في تلك المنطقة رقابة ولا يحدث ضغطٌ على كل من يُصوِّب على مرمى الهلال، حيث تُترك لهم الحرية كاملةً ليتحرّكوا ويفعلوا ما يشاءون.
لا بُـدّ من مراجعة تلك المنطقة في مباريات الهلال وفرض رقابة مُحكمة عليها.
عندما ينتصر الهلال، فذلك بسبب جودة اللاعبين ولا دورٌ للمدرب، وعندما يخسر الهلال تقع المسؤولية كلها على المدرب، أين اللاعبون من ذلك؟
المدرب يتحمّل جُزءاً من الخسارة، عندما تقع خسارة، شريطة أن نمنحه حقّـه كاملاً عندما ينتصر الفريق.
أعود إلى فوائد الخسارة وأقول، إنّ من أعظم ما فيها أنها تكسر غرورنا.. غرورنا كإعلام، وغرورنا كجمهور، وغرورنا كلاعبين، وغرورنا كجهاز فني، وغرورنا كمجلس إدارة، نحتاج للخسارة من أجل ذلك، لهذا هي أمرٌ لا بُـدّ منه.
كذلك من فوائد الخسارة، أنها تكشف قُدرتنا على استيعابها وعلى التعامل معها، في مباريات كرة القدم إذا كنت لا تحسن التعامل مع الخسارة فلن تعرف طريق البطولة.
على الجميع أن يراجع حساباته بما في ذلك نحن كإعلام، الانتصار والأرقام القياسية لا تعني أننا وصلنا إلى ما نصبو إليه، وأننا بدون أخطاء.
الخسارة تكشف العيوب، وتفضح مواقع الخلل.
الخسارة أيضاً رفعت من الهلال الضغوط، وأوقفت حالات الغزل الذي كان يحظو به الهلال، وصوّرت الهلال بأنه الفريق الذي لا يُقهر، أو الفريق الذي لا يقبل الخسارة، فقد أصبح الهلال يدخل مبارياته الأفريقية كما كان يحدث في الدوري الموريتاني مُكبّلاً بهاجس أن لا يخسر المباراة، لذلك بعض مباريات الهلال غاب عنها حلاوة الأداء.
سلبيات الخسارة كثيرةٌ وهي معروفة للجميع، لكن فقط علينا أن نأخذ الإيجابيات.
بعد مباراة مازيمبي سوف يكون أمام الهلال أكثر من شهرين قبل انطلاق مباريات ربع النهائي في دوري أبطال أفريقيا، في هذه الفترة لا بُـدّ من معالجة الأخطاء بعد إضافة أسماء جديدة للهلال في هذه التسجيلات.
كذلك لا بُـدّ للهلال من أن يخوض مباريات إعدادية قوية إلى جانب مباريات الدوري الموريتاني، أتمنى أن يلعب الهلال إعدادياً أمام نهضة بركان المغربي الذي يتصدّر الدوري المغربي بفارق 9 نقاط من الوصيف، ويمكن للهلال أن يلعب أمام الرجاء والوداد.
أما إذا تمكّن الهلال من أن يخوض مباراة إعدادية أمام الاتحاد جدة أو النصر أو الأهلي جدة أو أمامهم كلهم، فسوف يستفيد كثيراً من هذه المباريات.
ويمكن أن يلعب الهلال أمام الزمالك والمصري بعد بتأهُّـلهما من مجموعات بطولة الاتحاد الأفريقية.
هذه الأندية تعرف كيف تستفيد من أخطاء المنافسين، والهلال في حاجة إلى أن يعرف أخطاءه.
المباريات الإعدادية أمام الأندية العربية أمرٌ في غاية الأهمية، لأنّ منافسي الهلال في البطولة الأفريقية أغلبهم أندية عربية، الأهلي المصري، الترجي التونسي، الجيش المغربي وبيراميدز المصري، وحتى إن لم يواجه أحدهم في ربع النهائي، فإنّ الهلال مرشحٌ في حال التقدم إن شاء الله لمواجهتهم في الأدوار النهائية المُقبلة.
….
متاريس
تاني الواحد عاوز يقول شنو؟
عاوز أقول في أخطاء دفاعية، أتمنى عودة إرنق لدفاع الهلال لأنه الأفضل في الضغط والالتحامات وفي السرعة والقوة.
في انتظار تسجيلات تجعل الأمل والأحلام واقعاً.
خسارة جاءت في وقتها تماماً.
ان تحسم أمورك مبكراً سوف تمتلك براحاً في أن تخسر وتخطيء.
تأخّرنا في الإرسال بسبب الاعطاب التي جعلت خدمة الإنترنت «مقطوعة».. كنا خارج الشبكة.

ترس أخير: قلت لي شنو؟

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد