بعد معركة الساحل في 29/2/1884م وهزيمة بيكر المدوية تم تجميع قوات انجليزية هدفها فك الحصار المضروب علي سواكن وفتح الطريق الي مدينة بربر .كانت القوات الانجليزية في سواكن بقيادة (السير جيرالد جراهام) وتم تشكيل القوة المكلفة من اعتي وأفضل وحدات الجيش الانجليزي وقتها وكانت هذي القوات شاركت في معارك عديدة في ارجاء المعمورة وهي قوات (نخبة منتصرة) دائما لذلك عم الفرح بان امر الامير عثمان دقنه سيحسم علي وجه السرعة لتفوق القوات الانجليزية الناري وانضباطها العسكري وسمعتها التي تسبقها اينما توجهت تلكم القوات الملكية.
بعد معركة الساحل التي خسر فيها الانجليز واستعواض الفاقد من الرجال والسلاح واشتداد الحصار المضروب حول سواكن وشرق السودان فتقصلت المساحة الامنية حتي بلغت اسوار المدينة نفسها. ارسل الجنرال غراهام عدة خطابات لعثمان دقنة والامراء والاعيان بفك حصارهم الا ان عثمان دقنه رحمه الله مارس (تكتيك الصمت) الذي ازعج الجيش الانجليزي وجاء رد واحد يتيم للجنرال غراهام يطلب من غراهام ان يخرج هو وجيشة لملاقاة اسود الشرق في الميدان.
في يوم الثلاثاء 14 /3 /1884م خرجت القوات الانجليزية تريد معسكر الامير عثمان دقنه في عرينه في قرية تاماي وتريد ان تثأر لكرامتها في معاركها السابقة التي فقدت فيها اعداد كبيرة من رجالها وسلاحها وتريد القوات استعادة سمعتها وخبرتها التي فقدتها في معارك شرق السودان.
عسكرت قوات (الجنرال جراهام) قرب قرية التاماي فقام عثمان دقنه باتباع سياسة (عدوك سهروا ولا نوموا) فكان يمطر معسكر الانجليز بوابل نيران ثقيله في الليل من كل الاتجاهات وتختفي الاشباح في الظلام وهذا نفس التكتيك الذي اتبع في وقت سابق مع قوات (الجنرال هكس) الذي لم ينعم بليلة يغمض له جفن فبقيت القوات الانجليزية ترد علي الحمم باطلاق اعيرة (ظلاميه وهوائية) في اتجاه العدو والشجر والقمر ولم تسكت الزخات النارية الا لتسمع في اتجاه اخر من المعسكر . كان لهذي (الحركة) فعل السحر فقد ارهبت الانجليز و(ساهرت) بهم وعلموا انهم يحاربوا اشباح.
في الصباح امر الجنرال غراهام تشكيل مربعين ليتقدما الاول بقيادة (جون ديفز) والثاني بقيادة الضابط (ريدفرز) . كانت الاوامر تقضي بان يقاتل كل مربع منفرد لتجنب الخسائر وليكون خط اطلاق النار طويلا مما يمكن من تطويق وحصار قريه التاماي والتي تقع علي وداي تحيط به الاشجار والصخور وعزيمة رجال عثمان دقنه.
تقدم المربعان بسرعة وصدر الامر بالارتكاز واطلاق النيران وكانت القرية تحت مرمي بنادق الانجليز ومدافعهم فامطروا الوداي والشجيرات والصخور ذخائر (تحرر القدس) والشمس التي بدات ترسل اشعتها في شكل حمم ولكن لم ترد عليهم طلقة واحدة من قوات (الامير عثمان دقنة). بعد فترة من التطهير تم الامر بوقف اطلاق النار وبدات الحيرة والاسئله تطل براسها هل هرب (اسد الشرق) ورجاله . لكن الجنرال غراهام الذي ساوره الشك قرر ان يقطع شكوكة بهجوم سريع يستغل تطهير الارض فامر بعجله صائحا هجوم هجوم هجوم.
لكن صدي الذخائر وصياح الجنود وما يجوش في العقول جعل الامر الصادر من القائد لا يسمع.
تقدمت قوات( البلاك وتش) في المربع الاول تطلق نيرانها مسرعة مما اوجد تغرة ثمينة من بين القوات التي خلفهم. هذي الثغره قبل ان تغلق خرجت قوات الامير عثمان دقنة من تحت الارض من شقوقها وصخورها لتندفع وتملأ الثغرة فصاح الضباط وقائدهم لكن هيهات فقد خرجت الاسود ولم تدر قوات المربع الثاني أتطلق النيران علي العدو ام الصديق.
قوات دقنةالسريعة التي اندفعت في الثغرة ضربت قوات ( البلاك ووتش) في الميمنه وقوات ( اليوركشير) وقوات (الانكستر) في الميسرة وتشتت المربع وتم الهجوم على المؤخرة التي تحميها قوات البحرية الملكية وأصبح كل (عسكري انقليزي) يقاتل لوحده وعمت الفوضى وتزامنن ذاك مع هجومين من الاجناب اليمني واليسري وكأن القصف الذي حرق الوداي كان قصفت عشوائيا و( تحلل ) المربع الاول في كيمياء الشرق وسحر ولم يستطع المربع الثاني الا ان يتفرج مذهول في معركة خاطفة ولم يطلق سلاحه اثنان ثمينة نجدت فيها المهمة وقفت كرامة انجلترا وسمعة الجنرال غراهام أصبحت تحت (أرجل ادروب السودان)
اضطر الجنرال غراهام الجري بأقصى سرعة كما (تعلم) في كلية سانت هيرست الحربية (المرعبة) احتمى في المربع الثاني.
فور دخوله امر بإطلاق النار على العدو والصديق وهو قرار (جبان) يتخوف من تكرار التجربة. وبهذا حصد الانجليز رفقاء السلاح. لكن المدهش ان قوات الامير (عثمان دقنه) فور فتح بنادق ومدافع المربع الثاني النار (تبخرت) وانسحبت سريعا لتترك الأخيرة الانجليزية عن تنال من الدماء الزرقاء الانجليزية وينتهي الشرف العسكري وكل نظريات الحرب و ( الزمالة ومفهوم الدفعة) العسكري.
طريقة إدارة الأمير عثمان دقنة المعركة أذهلت الانجليز في تنفيذ الهجوم الانسحاب بعد اختراق وكسر المربع الانجليزي وهي مجموعة الإشارات وبقاء الرجال متقابلين مما سهل تمرير التعليمات في الهجوم والتغطية الناريه التي بدات تمطر المربع الثاني بنيران كثيفة جعلت نيران المربع الثاني حسب تعليمات الجنرال غراهام باشا تصب على العدو والصديق الا ان تحولات مفاجئة وهي دخول نيران احتياطية اربكت حسابات الانجليز وغطا انسحاب قوات عثمان دقنه نحو (حواف) الأودية والصخور.
على الفور كانت توجيهات الجنرال غراهام الانسحاب للخلف وضم ماتبقي من قوات المربع ا(المكسور) المربع (السليم) مع المحافظة على مستوى تغطية ناريه ورفع من يمكن رفعه من الجثث والجرحى .
خسائر الامير عثمان دقنه كانت متواضعة امام خسائرالانجليز اذ قدرها صاحب كتاب (سعادة المستهديء بسيرة الامام المهدي) بحوالي 2000وخسائر الانجليز قدرها نفس المصدر بحوالي 8000قتيل وهالك. وقد ذهب اساذ الاجيال البروفسير عبد المحمود ابوشامه مقدرا الخسائر بنفس الاعداد تقريبا.
الجنرال غراهام حاول ان يحمل جيشة وزر الهزيمة وقال في تقريرة (ان هناك لخبطة خطيرة في الضبط والربط) وصدر امر بعودة الجنرال غراهام فورا لبريطانيا واصبحت (سيرة) كسر المربع الانجليزي في افواه العامة و(مانشيتات) الصحف الاوربية واصبح اسم (الامير عثمان دقنة) مثيرا للرعب واطلق علية لقب الثعلب وجنرال الدروايش واخير وليس اخرا اطلق علية مثل سائر وهو (مسمار مربع في خرم مستدير).
تلقف شاعر الامبراطورية الاستعمارية الذي ولد في الهند درة التاج البريطاني(كبلينج) وكتب (درته) الشهيرة (الفزي وزي) والتي خلد فيها المقاتل السوداني الذي خبر الارض و(عرف) كيف يستخدمها ليمرغ ذو الدماء السكسونية الزرقاء في الارض.
بعد هذه المعركة والخسائر الفادحه كانت هذه القصيدة التاريخية كتبها قبل أكثر من مائة عام الروائي والشاعر الإنجليزي والحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1907 روديارد كيبلنج (1865- 1936) .
وكيبلنج هو شاعر الإمبراطورية البريطانية الذي تغنى بانتصاراتها وهي في أوج مجدها الفيكتوري . غير أنه في هذه القصيدة يعبر عن إقدام وبسالة الجنود السودانيين ، أبطال معارك الشرق بقيادة الأمير عثمان دقنة وقد بهرته شجاعتهم التي ليس لها مثيل وإجادتهم لفنون الحرب ونجاحهم في كسر صفوف الكتيبة البريطانية . وبرغم ما في القصيدة من تعالي إمبريالي إلا أنها تظل ” شهادة حق وصدق ” – والفضل ما شهدت به الأعداء – . وهي توثيق لصفحة من سجل الوطنية والجندية السودانية في الذود عن تراب الوطن .
كذلك تشهد القصيدة على نماذج رائعة من الوطنية والتضحية والفداء يحق لأجيالنا المعاصرة أن تفخر بها، وتستمد منها العزيمة على بناء مستقبل زاهر للوطن .
• فزي وزي تعبير استخدمه الأوروبيون للإشارة إلى السودانيين من قبيلة “البجا ” في شرق السودان . وربما يكون المعنى الحرفي له هو: ذوو الشعر المتجعد الكثيف
**********
اليكم القصيدة الشهيرةللشاعر الإنجليزي روديارد كبلنج
ترجمة: عبد المنعم خليفة خوجلي :
لقد خبرنا الحرب مع رجال عديدين عبر بحار ممتدة
كان بعضهم شجعانا بواسل وكان بعضهم غير ذلك
منهم البايثان والزولو والبورميون
غير أن البجا كانوا أكثرهم روعة
لم نجد منفذا لاختراق صفوفهم أبدا
بينما ظلوا يرمون خيلنا ويمزقون حراسنا في سواكن
وكأنهم يلاعبون جندنا لعبة القطط الموسيقية
********
إنني أهدي إليكم أيها ” البجاويون ” هذه الكلمات المخلصة
تقديرا لكم في وطنكم السودان
إنكم وان كنتم (متخلفين)
غير أنكم ترتقون أعلى مرتبة يكون عليها المحاربون
إننا نصدر لكم هذه البراءة شهادة حق وصدق
وان رغبتم في أن تكون ممهورة بالتوقيع
فنحن يشرفنا اللقاء بكم في الزمن الذي يروق لكم
********
قد عرفنا مفارقات ساحات الوغى في حربنا مع الكيبر
وتصدينا لسهام البوير الطائشة عبر المسافات
وارتعشنا عند ملاقاة البورميين
ولمسنا المهارة المتميزة التي يحارب بها الزولو
غير أن كل هذا لم يكن سوى جعجعة ليست بذات أثر
أمام إقدام وجسارة البجا
********
لقد أشادت الصحف بتماسكنا
غير أن الحقيقة تظل دوماً باقية وناصعة
وهي أنه في حرب الرجال للرجال
قام البجا بدحرنا تماماً
********
لكم أيها البجاويون ولأزواجكم وأبنائكم
نعترف بأن التوجيهات كانت أن نقهركم
ولقد تحقق ذلك بفضل بنادق المارتيني
التي ظلت فوهاتها تقذف بالشرر نحو صدوركم
في معركة غير متكافئة وغير عادلة
لكنكم رغم ذلك تمكنتم من اقتحام الصفوف
********
لم تحملوا أوراق هوية
ولم تزين صدوركم الأوسمة والنياشين
وهذا يلقي علينا واجب أن نقوم نحن بالشهادة على البسالة
وعلى براعة الحرب بالمهند ذي المقبضين
وأنتم تصولون وتجولون وسط الأحراش
حاملين رماحكم ودروعكم وأكفانكم
********
حقاً أن يوماً في المعركة مع البجا
تظل سعادته باقية لعام
********
أيها البجاويون
هذه القصيدة مهداة لكم ولمن رحل من أصدقائكم
وإن لم نكن نحن أيضاً قد فقدنا رفاقاً
لعاوناكم على التأسي
غير أن الحرب كر وفر
سجال بين الأخذ والعطاء
********
كانت معركة متوازنة
فقدكم كان هو الأكبر
غير أنكم نجحتم في بعثرة صفوفنا
********
هم هبوا نحو اللهيب المستعر والدخان المتصاعد
وقبل ارتداد الطرف حلوا أمام وجوهنا
تنفذ منهم رائحة التراب والزنجبيل
وبدت أجساد قتلاهم
مثل الزهور البرية
وبدت كالبط وكالحملان ومثل عرائس المولد
********
لكم أيها البجاويون في وطنكم السودان
لكم أيها (المتخلفون) الذين تبوءوا أرقى مراتب المحاربين
لكم أيها البجاويون يا أصحاب الهامات الشامخة
لكم أيها الفقراء السود يا ذوي العزائم العالية
يا من نجحتم في كسر صفوف كتيبة بريطانية
أهدي هذه القصيدة .
********
FUZZY WUZZY
RYDYARD KIPLING
We’ve fought with many men acrost the seas,
An’ some of ’em was brave an’ some was not:
The Paythan an’ the Zulu an’ Burmese;
But the Fuzzy was the finest o’ the lot.
We never got a ha’porth’s change of ‘im:
‘E squatted in the scrub an’ ‘ocked our ‘orses,
‘E cut our sentries up at Suakim,
An’ ‘e played the cat an’ banjo with our forces.
So ‘ere’s to you, Fuzzy-Wuzzy, at your ‘ome in the Soudan;
You’re a pore benighted ‘eathen but a first-class fightin’ man;
We gives you your certificate, an’ if you want it signed
We’ll come an’ ‘ave a romp with you whenever you’re inclined.
We took our chanst among the Khyber ‘ills,
The Boers knocked us silly at a mile,
The Burman give us Irriwaddy chills,
An’ a Zulu impi dished us up in style:
But all we ever got from such as they
Was pop to what the Fuzzy made us swaller;
We ‘eld our bloomin’ own, the papers say,
But man for man the Fuzzy knocked us ‘oller.
Then ‘ere’s to you, Fuzzy-Wuzzy, an’ the missis and the kid;
Our orders was to break you, an’ of course we went an’ did.
We sloshed you with Martinis, an’ it wasn’t ‘ardly fair;
But for all the odds agin’ you, Fuzzy-Wuz, you broke the square.
‘E ‘asn’t got no papers of ‘is own,
‘E ‘asn’t got no medals nor rewards,
So we must certify the skill ‘e’s shown
In usin’ of ‘is long two-‘anded swords:
When ‘e’s ‘oppin’ in an’ out among the bush
With ‘is coffin-‘eaded shield an’ shovel-spear,
An ‘appy day with Fuzzy on the rush
Will last an ‘ealthy Tommy for a year.
So ‘ere’s to you, Fuzzy-Wuzzy, an’ your friends which are no more,
If we ‘adn’t lost some messmates we would ‘elp you to deplore;
But give an’ take’s the gospel, an’ we’ll call the bargain fair,
For if you ‘ave lost more than us, you crumpled up the square!
‘E rushes at the smoke when we let drive,
An’, before we know, ‘e’s ‘ackin’ at our ‘ead;
‘E’s all ‘ot sand an’ ginger when alive,
An’ ‘e’s generally shammin’ when ‘e’s dead.
‘E’s a daisy, ‘e’s a ducky, ‘e’s a lamb!
‘E’s a injia-rubber idiot on the spree,
‘E’s the on’y thing that doesn’t give a damn
For a Regiment o’ British Infantree!
So ‘ere’s to you, Fuzzy-Wuzzy, at your ‘ome in the Soudan;
You’re a pore benighted ‘eathen but a first-class fightin’ man;
An’ ‘ere’s to you, Fuzzy-Wuzzy, with your ‘ayrick ‘ead of ‘air —
You big black boundin’ beggar — for you broke a British square!