صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد
لَيسَ بالضـرورة أن تكُـون الحَقيقَـة مُــرّة
جَـرَت العادة أن لا يسمع الإنسان كلمات شُكر وثَناء، إلّا إذا كان في الرفيق الأعلى، يُسأل ويُحاسب في ظلمة القبور وضيق اللحود، وهو وقته يسمعها مجازاً، لذلك يُقال للشخص المشكور ـ إن شاء الله يوم شكرك ما يجي، فنحنُ اعتدنا ألا نسمع في حياتنا إلّا كلمات النقد واللوم والتقريح، حتى أضحينا نرفض يوم الشكر ونعتبره دليل موت.. وحتى عندما يكون الشخص حيّاً يُرزق، عندما يشكروه تسمع في التعليقات من يقول عن ذلك الشكر: خلاص عاوزين تكتلوه.. أو خلاص عاوزين تنتهوا منه.. وأحياناً نشعر أنّ الشخص الذي كُرِّم هو شخص سوف يموت قريباً ـ وفي العادة نحنُ لا نُكرِّم إلّا الأموات.. وهنالك اعتقادٌ أنّ أيِّ شخص بشكروه برقد أي بنتهي وهِمّته بتموت.
والإنسان عندنا عندما يسمع كلمات تطربه وتثني عليه، يعتبر ذلك الثناء من باب النفاق، وحتى الزوج عندما يسمع في حقه كلمات جميلة من زوجته بقول ليها: اختصري الليلة عاوزة شنو؟ ادخلي في الموضوع طوالي ـ المشكلة أنّ الزوجة وقتها بتكون فعلاً عندها طلب وما بتخيب ظن زوجها.
وفي حياتنا العادية، روّجنا لمقولة صارت قاعدة وقاطعة، ولا نقاش حولها، فنحنُ مُسلّمون بها، وهي أنّ الحقيقة (مُــرّة)، وهذا تشويهٌ للحقيقة وترهيبٌ منها ـ الأكيد أنّ الحقيقة حلوة وجميلة، وأنت تستفيد منها، لذلك في معرفتها حلاوة وليست مرارة.. وإن كان طعم الشئ لا يحدد قيمته ولا يوضح درجات فوائده أو أضراره، فقد يكون الدواء مُر المذاق، وهو لا غنىً عنه وفيه الشفاء، وقد تكون الحلاوة نفسها مضرة وخطرة على حياتك وصحتك.. والملح مُر ولا يستذاق طعامٌ بدونه، وفوائد الملح المُر لا تقل عن فوائد السُّكّر الحلو، وفي طعامك أنت تجمع بين الحلو والمُر ـ لا تستطيع أن يكون كل طعامك حلواً، ولا تستطيع أن يكون كله مُراً ـ والحياة بصورة عامة هي عبارة عن (حلومُر).
غير أنّنا عندما وصفنا الحقيقة بالمرارة قصدنا من ذلك التنفير منها والتشويه لها، وليس في ذلك ما ينقص منها، فقد يكون طعم الحقيقة مُرّاً، لكن فوائدها كبيرة وحلاوتها في موضوعها وليس في طعمها.
والحقيقة هي غالبة، وهي النتيجة النهائية والراجحة، التي سوف تنتهي عليها كل الأشياء، ولو بعد حين، نحنُ نقول الموت (حقيقة) لأنه نتيجة نهائية لا مفر منها، أو لأنه شئٌ حتميٌّ. والحقيقة سوف نصل إليها جميعاً ـ التفاوت الوحيد فيها هو تفاوت زمني، الحقيقة غالبة على أمرها ولو كره الكارهون، إذا عرفتها أو لم تعرفها، إذا سمعتها أو لم تسمعها، قبلتها أو رفضتها، يعني في ناس عرفوا الحقيقة أمس، وفي ناس وصلوا لها اليوم، وهنالك أناسٌ سوف يكتشفونها في الغد، إنت وحظك أو إنت وشطارتك، وكلما عرفت الحقيقة مبكراً كان ذلك أنفع وأجدى لك.
للتمثيل على ذلك، فإنّ اكتشاف مرض خطير تعاني منه وهو في بداياته أفضل من أن تكتشفه في مرحلة خطرة ومتقدمة من المرض وكذلك الحقيقة.
إذا كان هنالك طبيبٌ طلب منك أن تعمل فحوصات لأنه يشك في شئ، لا تهمل هذا الطلب، فقد يكون ذلك الشك حقيقةً، وهي حقيقة أفضل أن تسمعها مبكراً ـ كما أن عدم سماع الحقيقة أو عدم قبولها لا يلغيها.
الهروب من الحقيقة لا ينفيها والسكوت عنها لا يمنعها.
غير أنّنا بقصد أو بدون قصد، جعلنا هنالك مقاومة طبيعية عند أي زول ضد الحقيقة ـ نحن بصورة تلقائية كدا، ضد الحقيقة، أو بنخاف من الحقيقة، وعندنا فوبيا منها ـ مع أنّ الحقيقة ليست كلها صادمة، هناك حقيقة تدعمك.. الغريبة نحن الحاجة الإيجابية لا نعتبرها (حقيقة)، نحنُ فقط نعتبر الحقيقة هي الحاجة (السلبية). وعندما يكون هنالك شخصٌ، ويقول ليك: أسمع أنا عاوز أقول ليك الحقيقة، أعلم أنه عاوز يقول ليك حاجة كعبة وما كويسة، لذلك ننفر نفوراً جماعياً من الحقيقة وننزح بعيداً عنها.
مثلاً في مدارسنا وفي مقرراتنا الدراسية ومفاهيم التربية والتعليم عندنا، عندما تطلب المدرسة من الطالب إحضار ولي أمره، فإنّ ذلك الاستدعاء دليل كارثة ـ حتى ولي أمر التلميذ عندما تستدعيه المدرسة بقول لابنه إنت عملت شنو؟
وفي الغالب، بل الأكيد عندما يذهب ولي أمر التلميذ للمدرسة ويقابل المُشرفين تكون هنالك كارثة ـ إما أنّ الطالب لا يحضر الدروس، وإما أنّه غير مُركِّـز في دروسه، وإما راسبٌ في بعض المواد، وإما بعمل مشاكل مع زملائه.. يعني استدعاء أولياء الأمور بكون في الكوارث فقط.
لماذا لا يتم استدعاء ولي أمر التلميذ للحديث معه مثلاً عن موهبة يمتلكها ابنه في التمثيل أو في الغناء أو في كتابة الشعر أو في تفوقه بصورة ملحوظة في بعض المواد.
لماذا لا يتم استدعاء أولياء الأمور للحديث معهم عن هوايات ومواهب الأبناء، وعن اتجاهاتهم التي يمكن أن ينجحوا مستقبلاً فيها إذا اتجهوا إليها.
كثيرٌ من مشاكلنا هي نتيجة لسُـوء في التربية والمفاهيم ـ نحن نعاني من خلل حتى في المقررات الدراسية ـ هنالك نقصٌ في جانب التربية الوطنية، وفي احترام القانون والنظام ـ كثير من المفاهيم نحملها معنا من طفولتنا وتظل ساكنة فينا من المهد إلى اللحد.
إذا كنت وأنت طفلاً بترمي قارورة العصير بعد شربه في الأرض، سوف تظل هذه العادة تلازمك حتى وإن أصبحت مسؤولاً كبيراً في الصحة، خاصةً إذا كنت تشاهد والدك وهو يفتح قزاز العربية ليرمي قارورة المياه في الشارع.
علينا أن نُغيِّر بعض المفاهيم الغلط، وأول تلك المفاهيم هي مشكلتنا الوراثية مع (الحقيقة)، اخترنا أن نكون ضد الحقيقة، وذلك واضحٌ حتى في حياتنا اليومية وفي طبيعة علاقاتنا ـ بنحب الزول البنافق لينا، حتى وإن كنا عارفنو بنافق، وبنكره الزول البواجهنا بالحقيقة.. من بين رفضنا للآخر أن نقول عنه إنه زول صريح أكتر من اللازم، أو زول برمي ليك الحقيقة رَب بدون مقدمات.. والزول البقول الحقيقة بنقول عنه كلامه كله درّاب.
في مجال العمل ـ الزول البنافق وبكسِّر تلج وبمشِّي أيِّ حاجة، بتقدم وبمشي وبرقُّوه وبحفِّزوه كمان، وبطلع دورات خارجية، والزول الواضح وما بحب اللف والدوران، بعرقلوه ويعاكسوه، والمؤسسة كلها بتكون ضده، لذلك نحن بنقدم في المُنافقين وبنأهلهم وبنعد فيهم ونحفِّزهم، وبنحارب زول النصيحة والحقيقة، لتصبح من بعد وبسبب هذا السُّلوك والنهج الكفاءة والخبرات عند أشخاص غير مؤهلين أخلاقياً للمراكز التي يشغلونها.
نحن وصلنا مرحلة أصبحنا فيها نستمتع بالنفاق، وبنعتبره ذكاءً اجتماعياً وظرافة.. والمشكلة أنّـنا كلنا عارفين الحقيقة، لكن اخترنا أن نكون ضدها.. لا نبحث عن الحقيقة إلّا من أجل محاربتها أو تلاشيها.
بنعتقد أن مواجهة الحقيقة أو معرفتها والتعايش معها أمرٌ مُرهقٌ ومُكلِّفٌ، ومالك ومال وجع الرأس.
المُجاملات عندنا قائمة على أن لا أقول لك الحقيقة ـ علاقاتنا الاجتماعية لكي تنمو وتتطوّر لا بد أن تجافي فيها الحقيقة، لو عاوز تشتغل وتحقق أكبر مكاسب، أبعد عن الحقيقة.
باختصار، نحن مجتمع قام على أن يكون ضد الحقيقة، وأن يقاومها بصورة تلقائية وطبيعية. لذلك النجاح والتطور عندنا ليس مرتبطاً بمعايير النجاح والتطور الحقيقي ـ النجاح عندنا مرتبطٌ بحاجات تانية ـ واسطات وعلاقات ولف ودوران.
ليس بالضرورة أن تكون ذكياً أو متفوقاً أو موهوباً لكي تحقق النجاح، يمكن أن تفتقد كل هذه المؤهلات وتنجح نجاحاً كبيراً ـ ومبالغ فيه.
زمان كان يمكن أن تبقى مديراً بدون مُؤهّـلات، وممكن تبقى مسؤول أو وزيراً بشئٍ من النفاق والتملُّق، الآن حتى الموهبة والإبداع أصبح مرتبطاً بالنفاق والتملُّق، ممكن تبقى فناناً من غير موهبة، ممكن تصبح شاعراً، وتصبح نجماً إذا كنت تمتلك شبكة علاقات اجتماعية على الميديا، وابن خلدون في (مقدمته) يقول إنّ هنالك مناصب ومراكز لن تبلغها إلّا بالتملُّق.
يقول ابن خلدون في المقدمة إنّ الجاه والملك لا يتحقّق إلا بالتملُّق، حيث ذكر وصفاً في ذلك (فلذلك قلنا إنّ الخضوع والتملُّق من أسباب حصول هذا الجاه المحصّل للسعادة والكسب. وإن أكثر أهل الثروة والسعادة بهذا الخُلق. ولهذا تجد الكثير ممن يتخلق بالترفّع والشّمم، لا يحصل لهم عرض من الجاه فيقتصرون في التكسُّب على أعمالهم ويصيرون إلى الفقر والخصاصة).
وكان العلامة البروفيسور عبد الله الطيب في كتابه (حقيبة الذكريات) قد ذكر ما قاله ابن خلدون عن التملُّق، واتفق معه فيما ذهب إليه وذكرته لكم أعلاه.
وذهب عميد الأدب العربي طه حسين أبعد من ذلك في كتابه (الأيام)، عندما حكى أن الدرجات في الأزهر أيضاً تنال عن طريق التملُّق وهو يحكي عن ذلك في إطار قصصي، وإن لم يتّفق مع ذلك وهو يحكي عن أحد الأشخاص، ويقول عنه (كان يسيئ الظن بالطلاب، وكان يرى مخطئاً أو مصيباً ـ وأكبر الظن أنه كان مخطئاً ـ إنّ الدرجات لا تنال في الأزهر بالذكاء والبراعة، ولا بالجد والتحصيل، وإنّما تنال من جهة بالحظ والمصادفة، ومن جهة أخرى بالتملُّق وحسن الحيلة والمهارة في التوسل إلى الممتحنين. وكان يرى أن الحظ قد ظلمه وتحوّل عنه لسبب مجهول، وإنّه مخفق ان تقدم إلى الامتحان، فالخير ألا يتقدم).
إذا كان ذلك يحدث في الأزهر وأيام طه حسين، ماذا يحدث في زماننا هذا ـ بل إنّ ذلك يحدث حتى في زمان ابن خلدون.
وُلِـد ابن خلدون بتونس في غرة رمضان سنة 732هـ/ 1332م، ووفاته كانت في 26 رمضان 808 الموافق 16 آذار 1406م، عن ست وسبعين سنة، حيث دفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر.
…
متاريس
قلنا نطلع شوية من التمهيدي.
ما عاوزين نكتِّر من التمهيدي تقوم تصيبنا العدوى.
ألبسوا الكمّامات، فالعدوى واردة، حمانا الله وإيّاكم.
خوض مباريات ودية مع أندية كبيرة، أفضل من دوري مضغوط يُرهق الهلال ويُعرِّض لاعبيه للإصابات.
في فترة بطولة الأمم الأفريقية بالمغرب سوف تتوقّف الدوريات في القارة الأفريقية في معظم الدول قرابة 40 يوماً.
يعني كل الأندية الكبيرة في القارة سوف تكون في حالة توقُّف وسكون.
الهلال في هذه الفترة يجب أن يلعب ويخوض مباريات ودية مع أندية المقدمة في القارة ـ صن داونز، الترجي، نهضة بركان، الجيش المغربي، الوداد، الرجاء، مازيمبي، أورلاندو، بيراميدز، يانغا، سيمبا وعزام …الخ.
علماً بأنّ الهلال سوف يشارك منه على الأقل 12 لاعباً مع منتخبات بلادهم في نهائيات الأمم الأفريقية.
وهنالك توقُّف عربي سوف يكون في نهائيات كأس العرب بقطر.
وتلك الفترات هي التي كان سيكون الهلال في حاجة فيها للإعداد واللعب، بعد تلك التوقُّفات، الهلال إذا تأهّل للمجموعات بإذن الله سوف يكون مضغوطاً بمباريات مرحلة الإعداد.
لذلك مشاركة الهلال في دوري مثل الدوري الليبي غير مُجدية أو غير مُفيدة للفريق.
مع إني أراهن على أنّ الاتحاد الليبي أصلاً لن يُوافق للأندية السودانية للمشاركة في الدوري الليبي.
ما تشوفوا المُخاطبات دي ـ كل هذا كلام ساكت ما عنده أساس.
إنتوا ليه أبيتوا الدامر؟
عاوزين نطبِّق الحِـنّة.
بعد دخول إيمانويل فلمو للخدمة، سوف يرتفع عدد ضحايا الهلال.
ونحنُ في انتظار ود المصطفى.
كرشوم ما شاء الله بقى شـغّال مضادات جوية.
المريخ في مرحلة بناء، اسكتوا ساي.
هسه أنا يا جماعة قلت حاجة.
خشمي وعندي.
بس ما تبنوا في مجرى السيل ـ الغربال وروفا وجان وكوليبالي وفلمو وصنداي وكول وإخوانهم.
الأربعة القادمة وين؟ في الدامر أم بورتسودان أم كريمة أم بنغازي؟
…
ترس أخير: الأيّـامات دي في تمهيدي أخطر من حمى الضنك.