صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

محمد جعفر قريش.. العلامة الوضيئة..

594

زووم

ابوعاقلة اماسة
محمد جعفر قريش.. العلامة الوضيئة..!
• ما أصعب أن يكتب الإنسان عن شخص في مقام الراحل محمد جعفر قريش، رياضياً باذخاً وعاشقاً نبيلاً من عشاق نادي المريخ وسياسياً محترماً، وفوق ذلك ريحانة تعبر على مجالس التواصل الإجتماعي فتضمخها بعطرها الأخاذ وأدبها الجم؟.. ليست هنالك مشقة أكثر من تخير الكلمات المناسبة لوصف رجل في مقام ذلك الرجل الذي مضى في رحاب ربه ولم يترك خلفه إلا جميل الذكريات.. وأنا هنا لا أريد أن أمتدح شخصية القطب الرياضي والمريخي.. والقيادي المحنك بقدر ما اهتم بجوانب لم تتح للكثيرين رؤيتها من شخصيته.. فنحن في وسط مشحون بالصراعات التي تغطي الكثير من الشمائل والجوانب النبيلة.. فتطغى تلك الصور الشاحبة التي ترسمها بعض المواقف في أذهان العامة.. وقد مر الراحل على ذاكرة الإنسان المريخي في أطوار خلدت إسمه كأحد أميز السكرتيرين الذين مروا على النادي في حقبة جمال الوالي الأولى، وهو ذلك القيادات التي قدمت الكثير من التضحيات من أجل تجسير هوة الخلافات في النادي الكبير، غير أنها كانت خلافات أعمق من تجاوزها بالحكايات والنوايا الطيبة من فئات محدودة.
• محمد جعفر قريش من العلامات الوضيئة التي مرت على تأريخ نادي المريخ الحديث.. وليس في ذلك شك.. بأخلاقه الرفيعة وسعة أفقه وعفة لسانه، ولا أفصح عن سر إذا قلت أنه من أعف الإداريين الذين تعاملت معهم عبر مسيرتي الرياضية التي تجاوزت الثلاثين عاماً.. ليست عفة لسان فحسب، بل هي عفة يد ولسان تزينها أخلاق الرجل.. عندما يتجمل الرجل بالأخلاق.. ومن الإداريين الذين لا تملك غير أن تحترمهم في كل المواقف.. ولو كنت مختلفاً معهم في قضية من القضايا، فإن أسلوب طرحه للفكرة، ودقة إختياره للألفاظ والعبارات تجعلك تحترمه مجبراً وأنت على يقين بأنه رجل طيب من أصل طيب.. لذلك كنت أحرص على ألا ينقطع النقاش بيننا، وهو الذي عرفنا عنه الصدق في التعامل مع القضايا الرياضية والمريخية على وجه الخصوص، وفي مرات كثيرة كان يتواضع ويعترف بالتقصير إذا حدث منه ولا يتحرج من الإعتراف بالذنب إذا أذنب على غير عادة كبار الإداريين الذين يحرصون على الصورة المثالية الكذوبة.
• قريش تعرض للظلم من المريخاب في كثير من المواقف، وكان الموقف الأول عندما اختلف مع جمال الوالي وتقدم بإستقالته بسبب التفاوض مع المدربين.. ووقتها أعملت المرأة المخزومية معولها في عقول البعض فأشاروا له بالذنب، غير أن الواقع كان يعكس أن الخلاف كان خلافاً مؤسسياً كان ليتطور إلى حلقة يستفيد منها كيان نادي المريخ إذا لعب العقلاء دورهم في تقريب وجهات النظر بينه وبين الرئيس.. ولكن الوشاة دقوا مسماراً في ذلك النعش الذي شيعنا به العلاقة بين أبرز قياديين وقتها.. وشيعنا بذلك الإستقرار في أزهى فترات المريخ وأقربها إلى المؤسسية.. وكنا وقتها نأمل في تصحيح الأخطاء المحدودة لمصلحة تدعيم الإيجابيات.. ولكن.. حدث العكس فسارت السلبيات في زيادة مضطردة ولم يتبق من تلك الفترة التي امتدت من 2003 إلى 2012 سوى الذكريات وبعض الحكايات.. مع كثير من الأسرار لم تحك بعد..!
• موقف آخر ظلم فيه محمد جعفر قريش.. عندما أساء الناس الفهم لحديثه عن أهمية الأفكار في إدارة الاندية الكبيرة، وخطورة الإهتمام الآحادي بالمال.. وخطورة وضع كل شيء في ميزان البنكنوت.. ذلك لأن بعض الأشياء تأخذ قيمتها من الجانب الأدبي والمعنوي.. وكان قريش يقصد أهمية التزاوج بين الإمكانيات والقدرات المالية التي تحسب من قيمة نادي المريخ كمؤسسة كبيرة.. والروح الإحترافية في الإدارة.. ولكن.. لخطأ في الفهم.. او قصور في التناول ترجم البعض حديثه على أساس أنه كان يستهدف به جمال الوالي فتعرض لهجوم عنيف وظالم جراء ذلك.. فدفنت الفكرة الأصلية دون ان يستوعبها المريخاب.. ولكن هي نفس الفكرة عندما قال جمال الوالي عن فترته في المريخ: (أنهم كانوا بحاجة للعمل بالمفاهيم الإحترافية.. وانهم قد إرتكبوا بعض الأخطاء التي أضت بالتجربة).. هي ذات الفكرة.. إختلفت فقط فيمن قالها.
• مرة ثالثة ظلموا محمد جعفر قريش في ذلك المؤتمر الصحفي الذي كان قد أقيم قبل أربرع سنوات بدار النادي لشرح موقف النادي من الديون الظاهرة وغير المرئية، حيث كانت من اخطر المهددات التي تحدق بمسيرة المريخ، وتأكد ذلك عندما وصل المريخ بكل تأريخه إلى لجنة الإنضباط ليعاقب وتشوه صورته على المستوى الإقليمي.. وكان الهدف من المؤتمر الصحفي الذي كنت أحد الحاضرين فيه هو إحاطة جماهير النادي ببعض الحقائق، ولكن جميع من حضر المؤتمر فوجيء بأمر لم يكن في الحسبان.. عندما طرحت قضية (كأس الذهب) على نحو مفاجيء وأثار موجة من الغضب والهرج والمرج خارج القاعة حيث كانت الجماهير تتابع المؤتمر الصحفي في جو محتقن وعدواني.. وشهادة الحق التي نكرر كتابتها لإبراء ذمة الراحل قريش أنه لم يتحدث عن الأمر ولم يتحدث عن كأس الذهب.. بل رفض الإجابة على السؤال الذي طرحه أحد الزملاء.. وآثر ختم المؤتمر الصحفي قائلاً: هذا المؤتمر عقد لهدف محدد وما طرح لا علاقة له بذلك الهدف.. واكتفى بذلك.. ولكن ردود الأفعال التي ترتبت على ذلك الإنفجار حمله المسؤولية..
حواشي
• فقد المريخ في الفترة الأخيرة نخبة من خيرة أبناءه.. منهم من طبقت شهرته الآفاق وعرفه القاصي والداني.. ومنهم من كان معروفاً على نطاق مجتمع الحلقة الأولى بنادي المريخ من الرواد وغيرهم.. ومنهم أسماء من أفذاذ من عشقوا هذا النادي وأخلصوا له.. ولأن المريخ وبكل أسف مجتمع مبعثر ومهدور المكاسب والطاقات لم يستفد من عبرة الرحيل والإعتبار من مصيبة الموت.. ولم يؤثر ذلك في سلوك الناس.. فاستمروا في الصراعات والعداوات..!!
• محمد جعفر قريش.. رحمه الله رحمة من فوق السموات وتحت الأرضين كان من أعمق رجالات المريخ طرحاً، وأقواهم في المواقف والملمات، وأكثرهم تهذيباً وإحتراماً.. حتى وهو يتعرض للظلم والضغوط كان صامداً..!
• عن نفسي.. كنت أحب وأرتاح للنقاش معه حتى في الموضوعات التي أختلف فيها معه لأنه مرتب وموضوعي وقوي الحجة.. يحترم الرأي الآخر ويمنحه حقه.. ثم لا يتوانى عن الإعتراف بخطأه.. والاهم من ذلك كله لم أسمعه يذكر أحداً بسوء مهما غشيت علاقته الشحناء.. لم يعنف شخصاً بتلك الصورة المبتذلة التي نعرفها عن بعض الرياضيين..!
• 80% من إداريي الاندية وكرة القدم يعتقدون خطأ أن (بذاءة اللسان) جزء من قوة الشخصية وشطارة الإداري.. ولكننا لم نسمع الراحل محمد جعفر قريش يتفوه بلفظ يسيء لمنبته الطيب.. فقد كان رجلاً متعلماً.. وفوق ذلك مؤدباً ومخلصاً..!
• هنالك تفاصيل كثيرة عن التضحيات التي قدمها محمد جعفر للمريخ.. مالية تحديداً.. فهو لا يتوانى من التنازل عن إحدى مقتنياته ليحل ضائقة يمر بها المريخ.. وهنا تتوافر أمثلة كثيرة نتحفظ عليها لحين الضرورة.. ولكن الثابت في الأمر انه قدم تضحيات جسام.
• عندما شعر قريش أن سوداكال صنف آخر من الإداريين.. وأنه نسخة غير قابلة للتعديل.. وأن ما كان يحلم به لمستقبل المريخ قد وصل النفق المسدود.. وأن المجتمع المريخي قد سرح في الصراعات إلى أبعد مدى.. إنسحب بهدوء واستقال وذهب في حال سبيله.. وكنت أشهر بأن ما قرره هي هزيمة لمجتمع المريخ الذي ما زال يخسر المخلصين من كوادره كل مرة ولا يوفر لهم صيغة حوار يصب في مصلحة النادي واستقراره.
• أسأل الله أن يتغمد الفقيد محمد جعفر قريش بالرحمة والمغفرة ويلهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء.. وألا يرينا مكروهاً في عزيز لدينا.. إنا لله وإنا إليه راجعون..!
• أخيراً.. كنت قد تلقيت النبأ وأنا في عمق جبال النوبه في واجب إنساني.. حيث عدت بعد النبأ بأسبوعين كاملن.. وترددت كثيراً في كتابة المقال.. مخافة أن يأتي أقل مما يستحقه الأخ العزيز والراحل محمد جعفر قريش.. فتأخرت كثيراً.. ولكنني كتبت في النهاية..!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد