صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

أنا ما كوز

49

خارج الاسوار

سهير عبدالرحيم

أنا ما كوز

في حياتنا حين تختصم مع أحدهم في العمل او الدراسة او حتى إن كان شأناً عائلياً، فإن اكثر ما يؤلم في اي خلاف أولئك المتلونون الذين يظهرون في المواقف المفصلية، ولكنهم دوماً يقفون إلى جانب الأقوى إن كان سلطةً او نفوذاً او مالاً او عزوة وقبيلة … يقفون الى جانبه حتى وإن جانبه الصواب.
خلال الثلاثين سنة المنصرمة فرخ المؤتمر الوطني الكثير من (المتلونين) اصحاب المواقف الرمادية وجماعة (معاكم معاكم)، وأقام لهم حاضنات واستنسخهم بعدة أشكال وأحجام حسب حاجته في كل موقع.
ولأنهم رخيصون بطبعهم لم تكن عملية إنتاجهم وإعادة تدويرهم تكلف الوطني كثيراً، فكانوا يتكاثرون وينتشرون ليعيثوا في الارض الفساد، يباهون بانتمائهم لكبيرهم الذي علمهم السحر، ويجيدون فرض الوصاية على اقوال وافعال الآخرين بما يتماشى مع مصالح أسيادهم.
ومع سقوط نظام الطاغية الفاشي انكشفت الحاضنات عن مخزونها وخرجت الكتاكيت تبحث عن حاضنات جديدة، ولأن الرخيص يظل رخيصاً سرعان ما خلعوا عباءة الوطني وكأنه لم يكن، وارتدوا عباءة الثورة تارة بالتزيف ولي عنق الحقائق وأخرى بالتمسح بقيادات الثورة واستلاف شعارات التغيير من قاموس الثوار.
ولأن كلمة (كوز) أصبحت عيباً بعد ثورة الوعي فقد صار الجميع يتبرأ منها، فكل من يحاول الحفاظ على موقعه يقول: (أنا ما كوز)، وكل من يرغب في احترام الآخرين له يقول: (أنا ما كوز)، وكل من لديه حاجة عند مسؤول جديد سيبادر بـ (أنا ماكوز)، وكل من يحاول إقامة نشاط تجاري او مشروع ربحي او استثمار ناجح سيقول: (انا ما كوز).
ليس ذلك فقط، بل صار الكيزان يتحاشون الالتقاء بالمواطنين في المجتمعات المفتوحة، فالبعض قاطع المناسبات الاجتماعية فاتحة، عرس، كرامة، والبعض هاجر، وآخرون شردوا عديييل.
ذلك أن الكلمة لم ترتبط فقط بأذناب النظام البائد، ولكن لأنها ارتبطت أيضاً بالفساد والإرهاب والتقتيل والقمع وترويع المواطنين والفشل والاستبداد.
وكلمة (كيزان) نفسها اصبحت لها مترادفات كثر تشبهها وتقرأ بمعيتها، مثل كتائب ظل، مليشيات، حركة إسلامية، اخوات نسيبة واخوان كافوري.
ما ينبغي قوله أن عجلة الحياة تدور، وعلى الإنسان أن يقف الى جانب الموقف الذي يحفظ له كرامته وكبرياءه، لا أن يقف الى جانب (بطنه)، فالحكومات زائلة والأنظمة بائدة ولكن تبقى المواقف.
الأستاذ إسماعيل عيساوي مدير التلفزيون المقال صرح للزميلة سلمى عبد العزيز بالغراء صحيفة (الجريدة) قائلاً: (ظلموني وأنا ماكوز).
حسناً.. لماذا سمحت بعرض فيلم وبرامج تشوه صورة الثورة والثوار..؟؟؟ ولماذا أحجم التلفزيون عن تغطية مجزرة القيادة العامة…؟؟ ولماذا وفي الوقت الذي كانت فيه قناة (الجزيرة) تعرض صور الشهداء والدمار في ميدان الاعتصام.. كانت قناتك تتحدث عن فوائد عصير الليمون!!
خارج السور
حين يجد الجد يبيعك أصحاب الخفافيش ولن ينفعك عصير الليمون.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد