هلال وظلال
عبد المنعم هلال
أين ذهبت كلمة (عيب) وأين هم الناهون عن العيب ..؟
ـ كانت كلمة (عيب) يوماً ما مدرسة قائمة بذاتها قائدة ورائدة في زمن الآباء والأجداد. حكمت العلاقات الاجتماعية بالذوق والاحترام وكانت حجر الأساس لأصول التربية السليمة ولم تكن مجرد كلمة بل أكاديمية أخلاقية خرّجت أجيالًا من الرجال بمعنى الكلمة والنساء الصابرات اللواتي صنعن مجتمعات الذوق والاحترام.
ـ في زمن مضى عندما كنا نسمع (عيب) من أفواه الأمهات والآباء كنا نتقبلها بحب واحترام وندرك أنها لم تقال إلا لتعديل سلوك أو تهذيب تصرف. كانت أشبه بجامعة تلقن الأصول والقيم بالمجان.
ـ كلمة (عيب) رسمت خطوطاً حمراء في المجتمع علمتنا كيف نحترم الكبير وكيف نقدر الجار وكيف نحافظ على صلة الرحم. عندما كان يموت أحد من أهل الحي كان (التلفزيون عيب) لأسبوع احترامًا للمشاعر بينما اليوم تجد بعض الجيران لا يراعون شعور أقرب جار.
ـ في الأسرة، كانت كلمة (عيب) تخلق توازناً واحتراماً بين أفرادها. كان الأب يوجه أبناءه ليحترموا الأم ويقدروا الجيران وكانت الأم تزرع في بناتها الحشمة والحياء أما اليوم فقد ضعف هذا الدور وأصبحت تصرفات الأبناء تعكس غياب تلك الكلمة التي كانت تضبط سلوكهم.
ـ حروف (عيب) كانت منهجاً يقول الأب لابنه (عيب) سلم على عمك وخالك وجارك ومعلمك وعندما يرى الرغيف مرمياً على الأرض يقول (عيب) ارفعه وقبله وكانت تقال للبنت (عيب) لا ترفعي صوتك لا تخرجي وحدك لا تلبسي هذا. فتربت البنات على الحشمة والستر والأدب.
كان يقال للشاب (عيب،) لا تنظر للنساء لا ترفع صوتك على معلمك لا تهزأ بالكبير احترم جيرانك.
ـ كانت كلمة (عيب) تعلم الأطفال ألا ينقلوا أسرار الجيران ولا يتدخلوا في شؤون الغير وكانت كأنها خطبة يومية يلقيها الآباء والأمهات بأسلوب بسيط لكنه فعال.
ـ في الرياضة كانت المنافسة شريفة بين الأندية والمشجعين وكانت كلمة (عيب) حاضرة لضبط الحماس أما اليوم فقد حلت السخرية والشتائم مكان الروح الرياضية وفي ملاعبنا كانت كلمة (عيب) توقف أي مشاجرة أو تصرف غير لائق والمشجع كان يهتف لفريقه دون أن يتجاوز على الفريق الآخر والصحفي الرياضي كان ينتقد بموضوعية دون أن يشعل فتيل الفتنة أما اليوم فالساحة الرياضية مليئة بالهتافات المسيئة والكتابات التي تذكي نار التعصب بين الجماهير.
ـ حتى في السياسة ضاعت كلمة (عيب) بين المصالح والأهواء. في الماضي كان الزعماء يحترمون خصومهم السياسيين ويحتكمون إلى الأخلاق في اختلافاتهم واليوم نرى الخطابات المليئة بالتجريح والمؤامرات التي تمزق البلاد، وكأن (عيب) لم تعد تطرق أبوابهم. أين ذهب احترام المواطن ..؟ أين اختفى الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن ..؟
ـ اليوم، أين ذهبت تلك الكلمة التي كانت المنارة ..؟ أين أولئك الذين كانوا ينشرون ثقافة العيب ويعلمونها ..؟ لقد افتقدناها في زمن طغت فيه الحرية المطلقة على القيم وتوارى فيها احترام الآخرين خلف مفاهيم زائفةعلينا أن نعيد الاعتبار لهذه الكلمة أن نزرعها في نفوس أطفالنا ونمارسها في حياتنا اليومية. في السياسة وفي الرياضة وفي الأسرة وفي كل مكان فما فقدناه من قيم يمكن استعادته إذا أعدنا لهذه الكلمة مكانتها التي تستحقها.
ـ يجب أن نعيد إلى عيب رونقها وأثرها في حياتنا.
ـ التحية إلى كلمة (عيب) ورحم الله زمنك الجميل ورحم كل من زرعها في نفوسنا يوماً.
ـ (عيب) هل من عودة هل ..؟!