* اعتداء بعض النظاميين على مواطنين عُزَّل يمثل أحد أقبح الظواهر المتكررة، والموروثة من العهد البائد، الذي قنن قاعدة الإفلات من العقاب بتشريعات ظالمة ومعيبة، منح بها العاملين في القوات النظامية حصانةً شبه مطلقة، يحمي بها تجاوزاتهم، ويحول دون محاسبتهم عليها.
* لذلك شاعت ظاهرة الاعتداء على المواطنين، وتوهم بعض النظاميين أن )الكاكي( الذي يرتدونه يمنحهم كامل الحق في أن يضربوا الناس كيفما وأينما شاءوا، من دون أن يخشوا محاسبةً أو معاقبة.
* من تلك القوانين المعيبة قانون الأمن الوطني، الذي يحظر مقاضاة منسوبي الجهاز حتى في القضايا المدنية والتجاوزات المتعلقة بالتعاملات التجارية إلا بموافقة مدير الجهاز شخصياً.
* امتدت تلك الحصانة للشركات المملوكة للقوات النظامية، لتحرِّم الحجر على ممتلكاتها، وتغل يد السلطة القضائية عن مصادرتها أو بيعها لصالح المتضرين، بسبب مواد مماثلة في تلك القوانين المعيبة.
* قبل أيام من الآن شكا مواطنون من اعتداء نظاميين عليهم بسبب خرقهم لحظر التجوال المفروض في البلاد حالياً، والفعل مستهجن ومرفوض، لأن واجب أولئك النظاميين ينحصر في توقيف المخالفين وتحويلهم إلى المحاكمة بطريقة متحضرة، بدلاً من إلهاب ظهورهم بالسياط.
* الاعتداء الذي تعرض له أحد القضاة العاملين في محكمة مدينة الفاو قبيح وغير مقبول، ويحسب للقوات المسلحة نفسها أنها سارعت إلى رفضه واستهجانه، وأعلنت استعدادها الكامل لتحويل المتهمين إلى القضاء.
* لكن رد فعل مولانا نعمات عبد الله محمد خير رئيسة القضاء لم يكن موقفاً، إذ لا يجوز للسلطة القضائية أن تضرب عن العمل، لتعطل مصالح الناس مهما حدث.
* نتحدث عن سلطة قائمة بذاتها، تتمتع باستقلالية تامة، وتحوز احترام أهل السودان في كل زمانٍ ومكان، لأنهم يجدون فيها العدالة والإنصاف كلما لجأوا إليها متظلمين أو شاكين.
* إذا توقفت عن العمل فمن ذا يرد الحقوق إلى أهلها؟
* لو صدر بيان الإضراب من نادي القضاة أو من نقابة العاملين في السلطة القضائية لربما كان مهضوماً، إذ لا يجوز ولا يستقيم عقلاً أن يصدر عن قمة هرم السلطة القضائية.
* لو قبلنا ذلك الأمر فسنصبح مطالبين بأن نهيئ أنفسنا لإضرابٍ مماثل من السلطة التنفيذية، حال تعرض أيٍ من مسئوليها لأي تجاوز أو اعتداء.
* ولو قبلنا من مولانا نعمات أن تقود الإضراب بنفسها وتقننه فسيمنح ذلك الأمر د. حمدوك الحق نفسه، ليعلن إضراب موظفي الدولة، وإغلاق كل مكاتب الحكومة أمام المواطنين، حال حدوث تعدٍ مماثل على أيٍ موظف.
* القرار غير موفق من جهة أنه وضع المتهمين في خصومةٍ بائنة مع السلطة القضائية كلها، مع أنهم سيمثلون أمامها، ويحاسبون على التهم المنسوبة إليهم بأمرها وسلطتها، لتصبح الخصم والحكم.
* نطالب مولانا نعمات أن تنهي الإضراب، وأن تجتهد لتوفير محاكمة عادلة للمتهمين، ونطالبها قبل ذلك أن تنصف منسوبيها من العاملين في مهن إدارية وعمالية، ممن لا يحصلون على تغطية لائقة من التأمين الصحي، تمكنهم من علاج أنفسهم وذويهم بلا عنت.
* يستحق موظفو وعمال السلطة القضائية أن يحصلوا على المميزات التأمينية ذاتها التي يتمتع بها القضاة، لأنهم ينتمون إلى ذات الهيئة، ويخدمونها بإخلاص وتفانٍ، ولولاهم لما تمكن القضاة من أداء عملهم كما ينبغي.
* أشدنا بمولانا نعمات قبل فترة في هذه المساحة، ووصفناها بكنداكة الكنداكات، وما زلنا نتعشم فيها الخير، كي لا تتسرع في اتباع الأساليب التي تتبعها النقابات، وترد الحقوق إلى أهلها بإنصاف الموظفين والعمال الذين لا يجدون ما يعينهم على علاج أهلهم بطريقةٍ لائقة.