إنسانية لا تنضب حكايات (الحوت) في (عروس الرمال) كورة سودانية : نيازي محمد علي
لكل مدينة في السودان حكاية مع (حوت الغناء) الراحل محمود عبدالعزيز ..ومدينة الأبيض حاضرة ولاية كردفان تملك ذكريات لن يمحوها تقادم الزمان عن الراحل . حضر (الحوت) إلى عروس الرمال حاضرة مدينة ألابيض قادماً من كوستي في العام (1990)م، وسبب حضوره للأبيض كان هو العازف والملقب بـ(بشير بيز) صاحب المبادرة والدعوة لمحمود لإقامة الحفل الخيري بمسرح سينما عروس الرمال، وكان الاتفاق الذي عقده العازف بشير بيز مع محمود أن يحضر إلى الأبيض وحده لإقامة الحفل الخيري بسينما عروس الرمال بدون أية فرقة أو عازفين، وكان الأتفاق مع بشير بيز أن يجهز له عازفين من الأبيض حسب الدواعي وسرعة زمن
[ad#Google Adsense]
الحفل. وكان حضور الحوت إلى مدينة الأبيض قبل الشهرة التي حظي بها وإنطلاقته الحقيقية التي بدأت بتلك المدينة. وفعلاًً حضر الحوت كما يطلق عليه جمهوره العريض إلى مدينة ألابيض قبل الحفل بيومين، وتم تجهيز العازفين له وبدأ محمود بعمل بروفة معهم قبل إحياء الحفل وكانت الصدفة والدهشة، بإفادة العازف عبدالله بدوي على ألة الأكورديون، ويعتبر من المؤسسين لفرقة الشباب الذي قال: كانت لفرقة الشباب حفلة مع الفنان إبن كردفان إبراهيم ابنعوف بالنادي السوري بالأبيض وعند سماع محمود لهذه الفرقة وهي تعزف أجمل الألحان للأغاني التي كان يرددها ابنعوف أصر محمود على أن تشترك هذه الفرقة في العمل معه لإنجاح الحفل الخيري الذي كان قد حضر محمود لأقامته، بسينما عروس الرمال. وذكر بدوي إن هذا يدل على حس محمود الفني وموهبته الكبيرة واقتناعه بفرقة الشباب الموسيقية منذ سماعه لأول حفل لفرقة الشباب، والذي جاء عن طريق الصدفة ومنذ هذه اللحظة أصر محمود (لبشير بيز) بإحضار قروب الشباب والأتفاق معهم لإقامة الحفل الخيري معه، وحينها ترك العازفين بالفرقة التي بدأ البروفات معها قبل إعجابه بفرقة الشباب ، وأضاف بدوي عندها تم الاتصال على الأستاذ مصطفى محمد الحسن عازف الكمان وسكرتير الفرقة حسب رغبة محمود الكبيرة وأعجابه الشديد بفرقة الشباب ليتم في أقرب فرصة تجميع أعضاء الفرقة في نفس يوم الحفل بدون أية بروفات مع محمود حيث اتفق أعضاء الفرقة مع محمود قبل صعوده إلى المسرح بعزف مقطوعات فقط إذا نالت أعجابه عليه أن يصعد إلى المسرح ويبدأ الفاصل الغنائي وإذا لم تنل رضائه ستعزف الفرقة عدداً من المقطوعات ومن ثم تعتذر للجمهور، نسبة لتوتر محمود وعدم انسجامه مع فرقة الشباب باول حفل يقيمه محمود مع الفرقة وبدون أية بروفات، وحسب الأتفاق بدأت الفرقة بعزف أول مقطوعة لها وهي بعنوان (ميلاد) وكانت المفاجأة بصعود محمود إلى خشبة المسرح قبل أنتهاء المقطوعة وإعجابه الشديد وحماسه لبداية الحفل بانسجام فرقة الشباب الموسيقية، حيث قام محمود بانتهاء المعزوفة بدندنة مع الفرقة لأغنية (أفتقدتك)، للفنان الهادي الجبل وكانت الإنطلاقة الحقيقية للحوت بالحفل الذي أستمر لثلاث فواصل قرابة الـ(20) أغنية، تنوعت بين الأغنيات المسموعة وهي، (حلوة الصدف) وأغنيات لقدامى الفنانين من جيل الرواد أمثال (سيد خليفة، والجابري، وأحمد المصطفى، ومصطفى سيد أحمد)، أغاني لها مفردات أنيقة وذات ألحان تفاعل معها جمهور مدينة الأبيض المستمع الجيد والذواق، والمثل يقول (سمح الغناء في خشم سيدو)، لكن يكون القول سمح الغناء في خشم محمود بعد أنتهاء الحفل أندهش عازفو فرقة الشباب كما أندهش محمود أيضاً لإنسجام الفرقة، وكان على محمود السفر اليوم التالي من الحفل ولكن أصر على تأجيل السفر وقال ضاحكاً ( مفروض أرجع بكره لكن بعد الشغل ده قاعد معاكم تاني ماراجع)، وبدأ محمود رحلته مع فرقة الشباب بعمل بروفات بالعديد من الأماكن فرقة فنون كردفان التي أنجبت الكثير من المبدعين، بلوم الغرب عبد الرحمن عبدالله والفنانة ام بلينة السنوسي والكثيرين من المبدعين ومنها أيضاً بروفات بالنادي السوري ودار الكشافة وبعدها ليقوم باحياء العديد من الحفلات بالأبيض خاصة وكردفان بصورة عامة بعد أول حفل له مع الفرقة والذي كلل بالنجاح وأستمر الحوت محمود مع فرقة الشباب الموسيقية لمدة سنتين، أقام من خلالها عدة حفلات بالأبيض والدلنج ، وبارا وأم روابة وكوستي وأخر حفل كان لمحمود مع فرقة الشباب قبل حضوره للخرطوم من كسلا محمود والشهرة لعبت تسجيلات محمود عبد العزيز مع فرقة الشباب دوراً كبيراً في شهرة محمود في تلك الفترة وأنتشارها بالعاصمة . وولايات السودان المختلفة حيث كانت في متناول يد المستمع والجمهور بالأبيض أولاً وذلك لتسجيل الفرقة للأعمال والحفلات التي أقيمت مع الراحل وكان فضل تسجيل الأعمال يرجع لصاحب الساون سستم ( التوم) الذي كان يسجل الحفلات في أشرطة الكاسيت الفنانون الذين كانوا يشكلون حضوراً مميزاً في تلك الفترة بالأبيض إبراهيم ابنعوف، سليمان كريمة ، عاطف أبوجبيهة، عمار عبدالوهاب، وغيرهم من الفنانين الشباب في تلكم الفترة ولكن رغم وجود الفنانين المتألقين في هذه الفترة حجز الراحل المقيم محمود صاحب الحنجرة الذهبية مقعداً مميزاُ وأصبح فنان شباك باكتسابه لجمهور غفير بمدينة الأبيض. محمود والأجتماعيات كشف بدوي أن الراحل ذو خلق وحسن معاملة من خلال أحيائه للحفلات الخيرية مساهمة منه في حل أزمات المجتمع وقوفاً مع المستضعفين وشرائح المرضي، مشيراً انه رجل مجامل وبسيط وأنسان حقيقي بتعامله مع زملاء المهنة بالوسط الفني وخارجه، ملتزم في زمنه في البروفات واحياء الحفلات. وختم بدوي سرده عن حياة الراحل بماضي الزمن الجميل بالأبيض كما لم يفوته توضيح أسماء أعضاء فرقة الشباب وهم : مصطفى محمد الحسن (عازف الكمان وسكرتير الفرقة)، أشرف سعدابي (آلة الكمان)، زين العابدين بدوي (كمان)، محمد حسين (كمان)، عبدالله بدوي (اكورديون)، عادل حسبو (أيقاع)، حسن صديق (طبلة)، عوض عبد القادر(جيتار)،علي عبد القادر الشهير بكابوي (جيتار )، مكي الماحي (بيز )، خوجلي بابكر(أورغ)، عماد شريف (أورغ) محمود الانسان
رسن القول خالد حسن رتقها أمراً صعب المنال ..!! * حالة يُتم غريبة شهدتها النوادي و سُوح الوطن الغنائية المختلفة بعد رحيل (الحاج) ..!! * الكباري .. الأعمدة .. واجهات الأماكن العامة .. جميعها ظلت عارية بسبب غياب (بوسترات) حفلات (حوتة) بعد أن كانت فرحتها بتلك الـ (بوسترات) تضاهي فرحة الأطفال بكسوة وملابس الأعياد ..!! * الفقراء .. المساكين .. المحتاجين .. الغُبش بمختلف أوضاعهم ظلت أدمعهم على خدودهم وفي جوفهم نيران متقدة لا تعرف جذوتها للإنطفاء طريقاً بعد رحيل (خاتم المبشرين بالإنسانية والغناء المتعافي) من بعد مصطفى سيد احمد ومحمد الحسن سالم حميد ..!! * كان الحوت (العشم الباقي) للكثيرين فيما يتعلق بالجوانب الإنسانية والتفاني في خدمة البسطاء وحبهم والتعلق بالمبادئ والقضايا ..!! * ظل محمود يردد بأنه خليفة مصطفى (إنسانيةً) من خلال أفعاله وأقواله أيضاً ولعل تشبُه محمود بذاك القلب الإنساني الذي طالما نبض حباً للإنسانية جمعاء والغُبش على وجه الخصوص كان سبباً في أن يُكمل المولى عزّ وجل نعمة هذا التكامل بينهما بأن جعل يوم (17 يناير) يوماً لمفارقتهم (الزائلة) ..!! * أيضاً كان القامة محمود عبد العزيز بجانب إنسانيته التي خلِف فيها مصطفى وريثاً شرعياً للعملاق محمد وردي في قول الحق وعدم (المُضاراة) من قول الحقائق وكثير من المواقف التي يحتشد بها الذهن تؤكد ذلك ..!! * صعبة هي الكتابة عن محمود كما ظل هو صعب المنال بالنسبة للكثيرين من أصحاب (القلوب السوداء) .. والكثير من الأقدار أيضاً حتى ارتبط جسده النحيل في مخيلة كل سوداني بـ (القوة) وصناعة النفس بالنفس ..!! * كذب كل أولئك (المتملقين) الذين يقولون بأنهم من صنعوا محمود .. فـ(حوتة) صنع نفسه بنفسه وشيد لنفسه هذه الكيان الذي لن يزول حتى وان زال (جسد محمود) لأن الكيانات أكثر بقاءً ..!! * كذب أولئك (المدعون) بأنهم زُمرة الفنان الإنسان وأصدقاؤه المقربون ومن صنعوا مجده .. حيث أن معظمهم كانوا أعداء له و(التاريخ لا يكذب ولا يتجمل) ..!! * صعبة هي الكتابة ولكننا سنحاول أن نكتب على شاهد قبره وليتنا نستطيع أن نفي (الجان الإنسان الفنان) حقه عبر هذه العجالة ..!! * ذكرنا بأن غياب محمود عن المشهد الغنائي بمثابة (شلل كامل) اثبتته الأيام (للبِحيِاها) ..!! * كتبناها من قبل بأن قيمة محمود عبد العزيز في السودان لا تقل شيئاً عن قيمة (الطابية .. النيل .. أهرامات البجراوية ومروي) وغير ذلك من الثوابت السودانية والمعالم التاريخية التي ستبقى ما بقيت الحياة ..!! * حقيقة إلى هذه اللحظة لا أكاد أصدق بأن ذاك المعلم (الحوتي) الشاهق قد زال وان الشارع السوداني قوي على الحياة بدون تنفس عبق حفلاته وملماتها السمحة وتفاصيلها المدهشة .الحواتة
* كان الله في عون (الحواتة) فهم وحدهم من صنعوا إمبراطوريتهم وحافظوا على ملكها المتوج كما ظل محافظاً عليهم إلى أن ساقه عنهم القدر المحتوم ..!! * لعل أوجه الاختلاف بين محمود وبقية أقرانه من المغنين كثيرة ولكن يظل أبرزها ذلك الحب الجنوني المتبادل بينه وأفراد إمبراطوريته الباقية بنبض هذه الجماهير المليونية ..!! * جماهير متعها الله بقائد محبوب .. صافي النية .. سمح الدواخل لا يعرف للأحقاد طريقاً ولا حتى تجاه أولئك الذين فاقوا أقدار محمود الكثيرة (تربصاً ومتاريس) ..!! * دعونا نقولها علانية فما بات دفن الرؤوس في الرمال يجدي مع أحقادهم التي يمارسها البعض مع (الحوت) حتى وهو ميتً!! * لهم جميعاً نقول بأن محمود الآن بين يدي رب كريم يعلم ما كان بالرجل من خير وحب وسماح .. وكان بين جماهير تعلم مكونات شخصيته وحلو نغمه لذا تمسكت به وبكته بهذا الشكل الأسطوري ..!! * ترك لكم محمود الدنيا بما فيها وليتكم تستطيعوا أن تخلقوا ولو جزءاً من الحراك الذي أحدثه .. ليتكم ..!! * عاش محمود جبل ثبات ورحل كذلك ..!! * فلعمري ما شهدت الدنيا تشييعاً كالذي كان يوم رحيله ولن تشهد ..!!