صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الحب والقبول… كرة القدم السودانية في الأسر

15
العمود الحر
عبدالعزيز المازري
الحب والقبول… كرة القدم السودانية في الأسر
* بعض التعليقات التي صاحبت صور لاعبي الهلال الجدد في المران الأول استفزتني. بدل أن تكون الصور بداية تشجيع ودعم، تحولت إلى محاكمات مبكرة وسخرية جارحة. لاعب لم يلمس الكرة بعد صار عند البعض “فاشلًا”، وآخر لم يدخل التشكيلة صار “صفقة خاسرة”. هذه الظاهرة ليست جديدة علينا، بل هي جزء من داء اسمه “الانطباع”، وهو ما أود الحديث عنه اليوم.
* في كرة القدم السودانية لا نحاكم بالعطاء ولا نقيس بالمردود، بل كثيرًا ما نعيش في أسر “الانطباع”. لاعب يخطئ مرة واحدة، فتظل غلطة العمر تلاحقه، حتى لو كان من أكثر اللاعبين عطاءً.
الطيب مثال واضح. مدافع كبير، ثابت، تأثيره حاضر في الهلال والمنتخب. ومع ذلك، خطأ أمام المريخ، وآخر مع المنتخب، جعلا بعض الجماهير لا تغفر له أبدًا، وكأن كرة القدم لعبة بلا احتمالات ولا أخطاء. بينما لو قارنت عطاؤه بغيره من مدافعي الهلال والمنتخب، لوجدته من الأميز والأكثر ثباتًا.
* الظاهرة نفسها يعيشها بوغبا في الهلال. لاعب نال إعجاب المدربين وبُنيت عليه الخطط، لكن بعض الجهلة ظلوا أسرى لانطباع “أنه ضعيف” أو “غير مؤثر”.
وهنا في الهلال، فارس القائد المحترم، أعطى كثيرًا للنادي والمنتخب، وكان أحد الأعمدة التي حملت البطولات، ومع ذلك تُطارد الرجل بعض الأصوات التي لا ترى إلا الأخطاء. بينما آخرون – مهما تكررت هفواتهم – تظل مغفورة لأن لديهم “رصيد حضور ومحبة”.
* والآن نعيش القصة ذاتها مع المحترف ضيفوف. لاعب منحه المدرب الجديد الثقة، ووجد مكانه في المعسكر، لكن قبل أن يلمس الكرة، انطلقت عبارات السب والشتم والمطالبة برحيله! أي منطق هذا؟ وكيف نطالب بالنجاح بينما نحن أول من نحكم على اللاعب قبل أن يبدأ؟
نفس الحال مع أرنق، كثرة الإصابات جعلت البعض يغفر له الغياب، بينما لو أخطأ آخر لم يجد فرصة للرحمة. هذه هي “آفة الانطباع”، لا تحكم بالعدل ولا بالمنطق، بل بالوجهة القديمة المرسومة في أذهان الناس.
* لذلك عندما نطالب بوجود معد نفسي داخل الفرق، لا نتحدث من فراغ. الجمهور لا يمكن أن تغيّره بزاوية صحفية أو منشور فيسبوك، لكن اللاعب يمكن أن نغيّر سلوكه، ونعلّمه كيف يتعامل مع الضغط والانطباع. لأن بعض اللاعبين لا يفشلون بسبب ضعف فني، بل بسبب “عدم القبول” و”الحكم المسبق”.
والأمر لا يتوقف عند اللاعبين، بل يمتد للإدارات أيضًا. في الهلال مثلاً، العليقي عنده انطباع ثابت: “المخط الأزرق”، مهما أخطأ يظل في موقعه، بينما غيره من الإداريين يُحاصر بالسب والشتم عند أي هفوة صغيرة. الانطباع يرحم ناس، ويذبح آخرين.
* **كلمة حرة:** كرة القدم لعبة احتمالات… تنصفك مرة وتظلمك مرات. لكن ما لا يُغتفر حقًا هو أن نظل أسرى الانطباع، نقتل العطاء من أجل غلطة، ونترك الفشل يمشي على قدمين لأنه يملك “قبولًا”!
قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد