صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الحديث عن تمييز الشريط النيلي بمنطق المنطق..!!(٥)

2٬068

 

أبوعاقله أماسا
* في هذه المرحلة الحرجة من تأريخ السودان، وما تمر به البلاد من حرب وخلط للادوار والأوراق، نحتاج لتغيير كثير من الأنماط المفاهيمية التي كانت سبباً في خلق هذا الواقع الرديء، وقد يتفق الجميع على أن ما يمر به السودان الآن هو نتاج فشل السياسيين على امتداد سنوات ما قبل الإستقلال وبعده في بلورة مشروع وطني موحد يرفع ويكون فوق كل الإعتبارات، ويراعي لخصوصية السودان وإعتبارات التنوع الإثني والديني، وعندما فشلنا في المشروع الوطني إرتفع صوت القبيلة وأصبح أعلى بكثير من الدولة والوطن… وهذه نكسة أولى..!
* على مستوى غرب السودان وشرقه وما تمخضت عنه بعض المصطلحات والمفاهيم مثل المناطق المهمشة وغيرها فنحن بحاجة إلى تغيير أسلوب الطرح والتفكير كما أسلفت، ونحتاج لكثير من الواقعية وجلد الذات حتى يتبين لنا حقيقة الأشياء وهل كان التهميش بفعل فاعل أم أنه شيء مصنوع وإدعاء أجوف، وفي الحلقات السابقة كنت قد ذكرت أن الولايات الغربية في الواقع أغنى بكثير من ولايات الشمال والوسط، وأشرت ضمناً إلى أن الخلل كان وما يزال في الإنسان.. وأقصد (إنسان القبيلة) الذي تتضاءل كل الدنيا في عينيه أمام قبيلته، حتى الدين والقرآن والسنة لا يحتل منه موقع المنظم للحياة والمرشد للسلوك، والشاهد على ذلك أن الحروب محورها ولاياتنا الغربية، وهي حروب أنهكت الدولة واستنزفت قدراتها وزرعت الكثير من الأحقاد وكانت سبباً في تخلف السودان عن ركب الأمم، وقد ساهم المتعلمون في تلك الولايات بمقدار نصيب الأسد لسببين، أولهما أنهما تماهوا مع نمط القبيلة وانصاعوا لصوتها حتى وإن كان يدعو للقتل والإبادة.. وأمامنا قائمة طويلة من المتعلمين وحملة الدرجات إنخرطوا وشاركوا في أعمال ساهمت فيما يجري الآن وشاركوا حميدتي مثلاً في مشروعه العجيب هذا بعد أن انجذبوا لماله، سنتجاوز ذكر هذه الأسماء الآن حتى لا نخرج من موضوعنا ونتبع الأشخاص، والسبب الثاني أنهم كمتعلمين صمتوا كثيراً في ظروف تكون فيها الساحة بحاجة إلى صوت المتعلمين والمثقفين لبث الوعي وإعادة الناس إلى جادة الطريق وتذكيرهم بأن الدين هو دستور حياتنا كمسلمين، فكانوا سلبيين للغاية لذلك إستغل بعض أنصاف المتعلمين هذا الفراغ وصعدوا على أكتاف القبيلة وظهرت الإدارات الأهلية بدور نافخ الكير وحارق البخور بعد أن كانوا حكماء المجتمعات وأساس فكرة الأمن والتعايش ..!
* مع هذه الحقائق نرى أن التسويق لفكرة سيطرة قبائل محددة على الحكومات واتخاذ هذا الطرح موضوع للنقاش في بعض المنابر جعلنا نخرج ونبتعد من منطق الأشياء.. والمعايير القائمة على كفاءة الحاكم والمسؤول ومؤهلاته وقدراته في التعامل مع الشأن العام… ولو إضطررنا لإختيار حكومة كاملة من قرية واحدة فالأمر يجب أن يتقيد بمحتوى الشخص ومردوده الإيجابي وليس بلونه وقبيلته.. وكذلك الحديث عن قسمة الثروة والسلطة بالأسلوب الذي طرحته وطبقته حكومة الإنقاذ أفرغ الفكرة من محتواها ورفعت شأن القبيلة بما أثار الأحقاد وأعطى الإنطباع بأن الجعليين والشايقية سيطروا واستبدوا واحتكروا وغنموا جنة الدنيا دون الإنتباه لأنهم نفس البشر الذين أنعشوا التجارة في ولايات الأطراف وجاءوا إلى تلك المناطق معلمين بالمدارس وموظفين في الدواوين الحكومية من قديم الزمان ليس لسبب إلا لأنهم متعلمين، فلا يوجد متعلم قي غرب السودان كله لايدين لمعلم درسه من الجعليين والشايقية والكواهلة والرفاعيين والدناقلة وبقية قبائل الوسط والشمال.. لذلك أرى أن الموضوع برمته لا يعدو أن يكون فتنة يتبناها ذوي العقول القاصرة ..!!
* كردفان ودارفور تحتوي على كنوز الدنيا، ولكم أن تتخيلوا أن شخصاً واحداً يمكن أن تتمدد ثروته لآلاف الرؤوس من قطعان الأبقار والإبل والأغنام من ضأن وماعز، وقد رأيت بأم عيني نماذج في مناطقنا في جبال النوبة، أشخاص عاديين يملكون ثروات من قطعان الأبقار، ولكنها لا تؤثر في حياتهم ومعيشتهم وإقتصادياتهم.. فهي للتفاخر الإجتماعي فقط.. ولو أضافوا لها البعد الإقتصادي لارتقى صاحبها إلى مستوى معيشي يحتوي كل متاع الدنيا فضلاً عن الثروات الطبيعية الأخرى.. ولأن الخلل في الإنسان نفسه فقدنا بذلك الأمن والأمان وما عادت لتلك الثروات أية معاني غير الشر والموت والترويع والهرج والمرج.. وقد أصبح القتل لغة سائدة واختفت ثقافة السلام وحل محلها ثقافة الحرب والموت، فرأينا أطفالاً لم يبلغوا الحلم يحملون السلاح بدلاً أن نجهزهم ليكونوا رسلاً للخير والسلام في المستقبل..!!
* ورد في تقارير الأمم المتحدة مؤخراً أنها أنفقت أكثر من أحد عشر ملياراً من الدولارات في دارفور وحدها منذ انفجار الأوضاع هناك، وكذلك بذلت دولة قطر جهوداً مضنية عبر منبر الدوحة لإصلاح ما أفسده إنسان دارفور على نفسه، والحكومات السودانية نفسها وجهت كل موارد البلاد على شحها إلى هناك، ومع ذلك استمرت دارفور بؤرة أزمات البلاد لأننا أهملنا محور المشكلة وهي (الإنسان) وتجاهلناه كسبب أساسي للأزمة وخدعنا أنفسنا بأن محور مشكلتها هي (الفقر) والسلطة.. فكانت النتيجة أن الإنسان هناك وجد المال فوجهه للتسلح وتكوين الجيوش.. وتبوأ مناصباً من السلطة فاستغلها في التحشيد القبلي.. وكل أبطال المشهد اليوم من الدعم السريع وكل جماعات دارفور المسلحة تعد أكبر دليل على ذلك.. فشهد العالم أن إنسان دارفور نفسه عاد لينهب مقار الأمم المتحدة التي هرعت أجهزتها لإعانته في محنته..!!

قد يعجبك أيضا
3 تعليقات
  1. هاشم يقول

    احيك استاذ ابوعاقلة علي هذا الطرح والتحليل .لمست لب القضية . نتمني ان نسمع مزيد من الاصوات الحكيمة الواقعية فما يحدث لانسان دارفور بسبب نفس الانسان .دارفور اقليم غني بكل الموارد عدا المورد البشري فهو مشغول بالقتل والسحل والنهب .

  2. ابومحمد يقول

    ولكنك أغفلت أنه توجد تفرقة عنصرية وقبلية وجهوية وهذه حقيقة إن لم نعترف بها فلن ينصلح حال السودان مادام كل طرف يتهم الطرف الآخر بأنه عنصري أو جهوي ولا تنسى أن التوظيف كان بالقبيلة والجهة والعائلة في زمن سيئة الذكر الانقاذ التي ارجعتنا للعصر الجاهلي.
    إن لم يتقبل اهل السودان بعضهم البعض فان الانفصال ات لا محالة .

  3. التعليق أعلاه لايحتاج الى تفسير وهذا ينطبق فى كل ولايات السودان والدائر يعرف يركب سيارة من بورتسودان ويمر علي كل الولايات والسبب غير انسان المنطقة الوالي يعين باالولاء وليس الكفاءة زايد فاسدين لأنهم واثقين ما بيحاسبوهم ينهبوا ومعهم حاشيتهم وبرضوا بذنوبنا سلط علينا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد