صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الخرطوم المجنونة

454

راى حر
صلاح الاحمدى
الخرطوم المجنونة

كل مدينة لها منطق ومنطق الخرطوم انها بلا منطق ليست لها حدود معروفة او بشر محددون , كلما اتسعت ضاقة , وكلما فتحت الحكومة شرايينها انكمشت وتصلبت تبتلع كل يوم ملايين المواطنين , وتطرد مثلهم وتستنزف المليارات وتضيع من اجل شوارعها مثلها .
انها عاصمة تعيش دائما فى غرفة الانعاش حولها فريق حائر من الاطباء لا يجد حلا او علاجا ,هذا المريض العمرانى احد اهم عيوبه يتوسع فى كل اتجاه بلا قانون .يكبر فى الشرق وبنفس القوة فى الاتجاهات الثلاثة الاخرى .لا يعرف احد له مساحة ولا يستطيع احد تقدير عدد سكانه مرة يقولون اربعة مليون حسب احصاء التعبئة ومرة يقولون سبعة مليون حسب تقديرات اخرى .
بين الرقمين والمساحة المتنوعة توجد خرطوم صغرى وخرطوم كبرى وبين الرقمين سكان يعيشون فيها نهارا واخرون يرحلون عنها فى الليل .
هذا المريض لم تفلح معه اقراص الكبارى التى تعد باصابع اليد وبعض الانفاق تذيب جلطته لبعض الوقت , مشروعات ضخمة سرعان ما تتحول الى عبء كبير حين تضيق الشرايين وتتكلس الرئات وتتحول الكبارى البسيطة الى معارض مغلقة للسيارات والانفاق القليلة الى محازن للبشر الذين لا يستطيعون حراكا من الاختناق واقع الامر حديثا مثل هذا عن عاصمة دولة مثل السودان .
ليس حديثا عن مبان وعن ازمة المرور فقط, انه حديث واقع وعن خسائر بالمليارات وعن وقت ضائع وعن بشر متعبين, والارقام تؤكد هذا فالخرطوم تستاثر وحدها بنصف ميزانية مياه الشرب فى السودان وفيها نصف القوة العاملة فى الصناعة وتوجه لها نسبة كبيرة من الميزانية وفوق هذا .
بها عدة دكاكين تجارية تخزن فى شوارعها ستة اضعاف عدد السيارات الذى يمكن ان تتحمله .
ورغم ذلك فانها لا تزل تجذب الالاف ولانها مريضة ولانها جاذبة .فان بعض الجهات تطارد هذه الجاذبية حتى لا تتفاقم الامراض , ولذ فان الخرطوم مدينة للمطاردات ذات البعد الاجتماعى والسياسى ,حيث الباعة الجائلون يهربون من شرطة المحليات وحيث المتسولون يبحثون عن فرص اكتساب المال فى هذا العام المزدحم , مدينة بهذه الحالة حين نرصد حالتها يجب ان ندرك اننا نتعامل معها باعتبارها كتلة من المبانى والشوارع الصماء وانما باعتبارهاكينا عمرانيا له وزناقتصادى وسياسي واجتماعى وله مشاكل من نفس النوع وبالتالى فان البورترية التالى .
لهذه العاصمة المجنونة لها بعد عن نفس الوزن والنوع , 12مليون مواطن يعانون من الالم .الخرطوم وتتالم الخرطوم بهم .
من الطبيعى هنا ان نقول ان هذه المدينة الازمة لم تكن قبل ذلك بل انها كانت شيئا مختلفا يسيطر عليه القانون حين كانت فى سنوات عمرها الاولى

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد