هلال وظلال
عبد المنعم هلال
الخزين الإعلامي المتجول
ـ في زمن لم تكن فيه مواقع الوسائط المتعددة موجودة وكانت الصحف المطبوعة تعد على أصابع اليد الواحدة كان (الخزين) يعتبر النموذج المثالي للإعلام المتكامل حيث كان يجمع بين التغطية الصحفية والإذاعية ليكون نافذة تطل منها الجماهير على الأخبار والبرامج الرياضية والثقافية والاجتماعية والترفيهية لم تكن الخيارات متعددة لكن الجودة والمصداقية والأسلوب البسيط في الطرح جعل (الخزين) أحد أهم وسائل نقل الأخبار وكان الناس يتابعونه بكل اهتمام حيث كانت يمثل الجسر الوحيد الذي يربطهم بمختلف الأخبار ويمنحهم مساحة للتفاعل مع قضاياهم اليومية عبر عبارات شعبية بسيطة تلامس قضاياهم وبرامجهم وتعكس أخبار الأندية واللاعبين والمباريات.
ـ الراحل محمد التوم الخزين أشهر إعلامي شعبي في الثمانينات والتسعينات كان شخصية استثنائية في المجتمع السوداني ورمزاً للظرف والطرافة في العاصمة الخرطوم. اشتهر بدوره كمذيع شعبي متجول يحمل مايكروفونه البسيط ويتنقل بدراجته الهوائية بين الساحة الشعبية وليق الخرطوم والاستادات والملاعب المختلفة وحتى السوق العربي ليعلن عن المباريات والمطاعم بأسلوب يجمع بين الدعابة والابتكار.
ـ كان العم الخزين أشبه بالإذاعة المتنقلة يؤدي دوراً إعلامياً يوازي الصحف والإذاعات آنذاك استعان به الاتحاد المحلي لكرة القدم لحشد الجماهير للمباريات الكبرى وكان يطوف أحياء الخرطوم ويستخدم عبارات طريفة لجذب الجماهير مما جعل صوته مألوفاً ومحبباً لدى الجميع.
ـ من أشهر عباراته في الإعلانات الرياضية (الليلة يوم الخبت .. الليلة يوم الضغط .. والليلة يوم الرجفة ..الرجافين يمشوا من بدري) والكثير من العبارات التي كانت تجذب الجماهير للمباريات.
ـ يداعب جماهير المريخ ويتوعدهم بقوله (قاقارين وكسلا جاهزين الليلة وين) ثم يرسل رسالة لجماهير الهلال ويقول (كمال لعاب يا هلالاب) وهكذا يكسب رضا الطرفين.
ـ كان يبدع في التنقل بين مدرجات الفرق حيث يشجع الهلال بحرارة عند وجوده في مدرجاتهم وحين يذهب لمدرجات المريخ يتحول إلى مشجع متحمس للمريخ مردداً أسماء اللاعبين بحماس لا يخلو من الطرافة مما أكسبه محبة جمهور الفريقين.
ـ إلى جانب حشد الجماهير الرياضية كان الخزين مطلوباً بشدة لدى أصحاب المطاعم في الخرطوم وبأسلوبه الخاص كان يعلن عن أصناف الأطعمة بطريقة تفتح شهية الزبائن مستخدماً عبارات جذابة تبث البهجة في نفوس المارة.
ـ هو من أطلق المقولة الشهيرة (البرش بقرش) في إشارة لجريدة (الثورة) التابعة لحكومة عبود التي كانت عريضة الحجم وتشبه البرش.
ـ رغم بساطة حياته كان الخزين مناضلاً وطنياً شارك في حرب 1976 ضد الاحتلال الإسرائيلي وعاد إلى السودان بعد إصابته ورفض مغادرة البلاد مفضلاً البقاء بين أهله رغم الظروف الصعبة مجسداً بحياته البسيطة والمفعمة بالعطاء نموذجاً للتفاني وحب الوطن.
ـ في يوم 11 أكتوبر 2004رحل محمد التوم الخزين عن دنيانا ودفن في مقابر الخليلة بالفكي هاشم وترك وراءه إرثاً من الذكريات الجميلة وروحاً مرحة أحبها كل من عرفه أو التقى به.
ـ كان الخزين أكثر من مجرد ظريف أو مذيع شعبي فقد كان رمزاً لزمن جميل وبساطة قادرة على رسم البسمة على وجوه الناس في أصعب الأوقات.
ـ اليوم ونحن نفتقد شخصيات مثل الخزين نحتاج إلى من يسيرون على دربه في نشر البهجة وتخفيف أعباء الحياة عن كاهل الناس وإحياء روح المحبة والتآلف في المجتمع.
رحم الله محمد التوم الخزين وجعل ذكراه الطيبة نبراساً للفرح والعطاء في كل زمان.
الف رحمة ونور على الخزين فقد كان كما تفضلت استاذ عبدالمنعم شخصية استثنائية. من المواقف الطريفة التي اذكرها له انه في احد المباريات كان في مقابل مدرج مشجعي المريخ يتغزل في لاعبيه وسرح وتحول لمدرج مشجعي الهلال بدون ان ينتبه وكان ما يزال يتغزل في لاعبي المريخ ولما انتبه بإنه في مدرج مشجعي الهلال بعدما نبهه احد الهلالاب اخرج من شنطته صورة للرشيد المهدية وكان في بداية التحاقه بنادي الهلال وقال بدون تردد “شوفوا الشافع الما بلغ دة” وانفجر الناس بالضحك ومن هنا بدأ يتغزل في الرشيد المهدية وبقية لاعبي الهلال. سبحان الله كان الكل يحبه والكل يمازحه وكان صدره يتسع للكل لا يعرف التفرقة او العنصرية. الا رحم الله الخزين رحمة واسعة وادخله فسيح جناته والحقه بالصاحلين في جنات النعيم ورحم جميع موتانا وموتى المسلمين , وشكرا لك استاذنا الجليل عبدالمنعم على تسليطك الضوء على هذه الشخصية الفذة التي كم نفتتقدها اليوم.