صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الشاعر “مختار دفع الله” لـ(كورة سودانية):مايحدث الآن غير مبشر فهناك الكثير من الاعمال الركيكة طفت على السطح

512

dialog1

الشاي والبطيخ والسمك يستفزوني…
(قيس هواك ويا مشرقة ويا عمر) ديل حبايبي..
 
ألقاب الأباطرة والأمراء والمملوك لا يساوون حتى فرد من الحاشية وأغنياتهم مثل نقائض الوضوء
“مختار دفع الله” شاعر رقيق الإحساس، خفيف الظل يتميز شعره بالحنية والعاطفة الجياشة، له إسهاماته الشعرية الرفيعة للنهوض بالأغنية السودانية الحديثة، كتب عدداً من الأغنيات الشهيرة منها على سبيل المثال (يا عمر) لـ”محمود عبد العزيز”، (الفرح المهاجر) “حنان النيل”، (قيس هواك) “الأمين عبد الغفار”، (يا مشرقة) لـ”خوجلي عثمان” وأخريات. عندما كتب ولحن (غنى يا بنية) ظن البعض أنها من أغنيات التراث، وكتب أيضاً لـ”جعفر السقيد” (تأني كاتب لي خبارك)، “مختار دفع الله” يدفعه إحساس الحب والجمال قبل كل شيء، فهو رجل بسيط يتعامل بتواضع غير اعتيادي، أينما وجد وجد المرح والفرح إلى جانبه، له ابتسامة لا تفارق ملامحه، التقته صحيفة (كورة سودانية) في حوار طويل خرجنا منه بالسطور التالية….

{ في البداية.. دعنا نتحدث عن الساحة الفنية بحكم أنك ساهمت بعدد كبير من الأعمال الغنائية المميزة؟

– ما يحدث الآن غير مبشر، فهناك كثير من الأعمال طفت على سطح الساحة الفنية ما يسمى بـالأغنيات الركيكة (الهابطة)، ولعل من أبرز هذه العوامل توقف الأجهزة الرسمية عن تسجيل الغناء على مدى (16) عاماً، والغناء في الماضي قبل أن يصل إلى أذان المستمعين يمر بمراحل عن طريق اللجان المناط بها إجازة النصوص الشعرية والألحان والأصوات، وهذا التوقف منح جهات أخرى الفرصة في أن تتسلل إلى أذان المستمع بلا حسيب ولا رقيب، كغياب الإذاعة والتلفزيون، ويضاف إلى ذلك ضعف القدرة الانتقائية للنص الجيد من قبل بعض الملحنين الذين تنقصهم الثقافة.
{ أيعني ذلك.. ليس هناك ما هو جيد الآن؟
– رغم ما يثار من غبار حول الساحة الغنائية، إلا أنها مازالت بخير، فهناك نصوص شعرية جيدة وألحان شجية لا تحد حظها من الذيوع والانتشار بحكم حجز ضآلة ثقافة الملحنين والمطربين.
{ أستاذ “مختار” ما هو أكثر شيء أثار دهشتك في الفترة التي تمر بها الساحة الآن؟
– كثيراً ما تسوقني خطاي للمشاركة في بعض المناسبات الاجتماعية، فأسمع الأغنيات أقل ما يقال عنها ( إنها من نقائض الوضوء وان لم تكن من موجبات الغسل)، والمدهش أكثر أن معظم حضور تلك المناسبات من كبار السن نساءً ورجالا يتزاحمون على حلبة الرقص تجاوباً مع تلك الأغنيات العقيمة (المبتذلة).
{ هل تعتقد أن الذوق العام تدنى؟
– ليس بالمعنى الدقيق، لكن الناس أصبحت تستمع للأغنيات عن طريق أرجلها تفاعلاً مع الإيقاع ليس إلا، ولا يستمعوا إلي ما يتفوه به المغني، ولعلها سانحة أحيي فيها مجهودات الفنان المجتهد الملتزم “عبد القادر سالم” وصحبه في مجلس المهن الموسيقية لما ينتظرهم من مهام جسام لتنقية الحقل الغنائي من هذه الأوباش.
{ يقال إن حركة الهجرة والعودة للمبدعين كانت سبباً في الخلل الذي يحدث هذه الفترة؟
– هذا صحيح، بعض العصافير التي غردت خارج سرب الوطن الجميل كان لها دور سلبي في ما يحدث الآن، ففي فترة من الفترات هاجر “محمد وردي” و”الطيب عبد الله” و”عبد العزيز المبارك” و”زكي عبد الكريم” و”يوسف الموصلي” و”هاشم مرغني” وآخرون، بالإضافة إلى الشباب الجاد المتمثل في “علي السقيد” و”عمار السنوسي” و”محمود تاور”، فهجرة هؤلاء المبدعين خلقت (فجوة) ما أعاق ما يسمى بتواصل الأجيال، فبرز في ساحة الغنائية شباب لم يتكئوا على تجارب غيرهم، فكانوا فاقدين التجارب، فجاءت إفرازاتهم الضعيفة وهم يفتقرون أيضاً للنصح والإرشاد.
{ لكن هؤلاء المبدعين كانت لهم محفزات؟
– صحيح، قديما كانت الإذاعة السودانية تمنح درجات الترقي للمطربين وفقاً لإنتاجهم، فكنا نجد المطربين بدرجة رائد وآخرين بدرجة الأولى ممتاز والثانية والثالثة، لذلك كان التنافس يشتد بين المطربين على الغناء الجميل للمنافسة والترقي.
{ وما هو رأيك فيما تقدمه الإذاعات الآن؟
– تكاثرت وتناثرت إذاعات الـ(FM ) مثل الداء السرطاني، هذه الإذاعات تبث الأغنيات دون رقيب، مما أوجد هذا الكم الهائل من الغناء (الهابط) من قبل أشباه وأنصاف مطربين.
{ الأوساط الفنية هذه الأيام تحتفي بعودة الفنان “التاج مكي”؟
– عودة “التاج” هي بوادر عودة العافية إلى جسد الغناء السوداني، وأنا شخصياً وأبناء جيلي لدينا ارتباط وجداني وثيق بهذا “التاج” الذي وضع على رؤوسنا، فهو أحد مكونات الوجدان القومي للأمة السودانية منذ النصف الأول لسبعينيات القرن الماضي، وأغنيات مثل (حبيت عشانك كسلا) و(فايت مروح وين) وغيرهما من الأغنيات التي ساهمت في تقليل الذائقة الحميمة لهذه الأمة.
{ شعرك فيه الكثير من الحنية؟
– بطبعي عاطفي والطقس الذي نشأت فيه كان له أبلغ أثر في تشكيل ذاتي وانعكس في إنتاجي الأدبي.
{ نرجع بيك شوية للوراء في أي عمر كتبت أول قصيدة؟
– أول قصيدة كتبتها عمري كان لا يتعدى (16) عاماً.
{ بتقول شنو؟
– (بقول لي بطيب خاطر).
{ الناس قالوا ليك عنها شنو؟
– منذ المرحلة الابتدائية تنبأ لي الكثير من أساتذتي أن هناك مستقبلاً كبيراً ينتظرني ووجدت القبول والتحفيز.
{ ليه كنت مشاغب؟
– أولاً كنت أكاديمياً متوسط المستوى، ولكن أدبياً سطع نجمي على منبر الجمعيات الأدبية، يضاف إلى ذلك نشأتي بـ(حي البوستة أم درمان) بالقرب من شعار عظماء أمثال “محمد يوسف الأمين”، “علي عبد القيوم”، “بشير محسن”، “مهدي محمد سعيد”، “أبو بكر خالد”، “منير صالح عبد القادر”، الكابلي).
{ يعني (حي البوستة أم درمان) كان له الفضل في تكوين شخصية “مختار” الشعرية؟
– بالطبع له دور كبير، لأنني أمضيت فيه طفولتي وصباي، وهو عامل أساسي فيما حدث لي من إضافة، وغير ذلك كان بقرب من منزلنا العديد من الدور الثقافية والفنية و(دار فلاح) كان على بعد خطوات معدودة من المنزل، ومنذ الصغر التقيت بالنجوم الظواهر من الشعراء والأدباء والكتاب منهم “محمد بشير عتيق”، “إبراهيم العبادي”، “سيد عبد العزيز”، “عبد الرحمن الريح” وأستاذتي المحدثين “السر دوليب” و”الصادق اليأس” و”حسن الزبير”، هؤلاء كان لهم الفضل في مسيرتي الشعرية.
{ عندك وقت معين للكتابة ولا كيف…؟
– لا أملك طقساً خاصا للكتابة، متى ما يداهمني نص أهم فوراً لحفظه قد يكون ذلك منتصف الليل أو عند الظهيرة أو الصباح.
وليس الوقت ضرورياً للكتابة، وإنما الحدث الأهم هو الذي يلعب دوراً في تحريك وجداني.
{ يقولون أن هناك عدداً من الأغنيات المشهورة منسوبة إلى أناس بالخطأ ؟
– هذا صحيح، هناك بعض الأغنيات التي تذاع على الأجهزة الإعلامية بأسماء أناس ليست لديهم علاقة بالشعر، وأيضاً يوجد غبار كثيف حول أغاني الحقيبة، لكن هذا لا يشغل بالنا كثيراً، يهمنا وجود العمل لأن ذلك يتم بالتراضي في زمنا لم يكن هناك عائد مادي للغناء قبل ظهور قانون الملكية الفكرية.
{ هل سبق أن نُسب أحد أعمالك لشاعر غيرك ؟
لم تُنسب أحد لكن فعلتها عن قصد.
{كيف؟
– كنت أتمنى أن يتغنى لي الفنان العملاق “إبراهيم حسين” بأحد أعمالي، بحكم أنني من أشد المعجبين بصوته، وفي كل مرة أمنحه نصاً، يقول لي (كويس) و(يطنش)، فذهبت إليه في المنزلة أعطيته نصاً شعرياً بعنوان (يا تخلينا يا تهنينا) على أساس أنها من كلمات الشاعر “إسحاق الحلنقي”، فقام الفنان “إبراهيم” بتلحينها وشدى بها في (مهرجان الثقافة الثاني)، إلى أن سجل هذا العمل بالأجهزة الرسمية باسم “إسحاق الحلنقي”، لكن جاء “الحلنقي” وفضح أمري بزاويته اليومية (عسل شرقاوي).
{ قصيدة كتبتها وصارت حبيبة إلى قلبك؟
– أنا مغرم جداً بقصائدي منها (حروف الفراشة) التي تغنى بها الفنان الكبير “صلاح مصطفى” وأيضاً أغنية (الفرح المهاجر) لـ”حنان النيل” و(يا مشرقة) لـ”خوجلى عثمان” و(يا عمر) لـ”محمود عبد العزيز” وأيضاً أغنية (تاني كاتب لي خبارك) التي تغنى بها الفنان “جعفر السقيد” و(قيس هواك) لـ”الأمين عبد الغفار” ومن الأغاني التي افتكر معظم الشعب السوداني بأنها أغنيه تراثية (غني يا بنية) التي كتبتها ولحنتها في الثمانينيات القرن الماضي.
{ ما هو أكثر شيء يستفزك؟
– الشاي والسمك والبطيخ.
آخر أخبارك شنو؟
– الآن بصدد إصدار ديوان جديد يحوي قصائدي لحقبة من الزمان بعنوان (أكتب ليك من المنفى) وسيصدر في أبريل الجاري، برعاية جامعة التقانة.
قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد