صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

الصفحات السوداء لمليشيا آل دقلو بالجزيرة (٢)

48

 

قتلوا إثنين من خيرة شباب أبوعشر وطالبونا بالطمأنينة..!

أبوعاقله أماسا
* عندما كان بعض مستشاري الدعم السريع يروجون بنفاق يحسدهم عليه بن ابي سلول ويؤكدون عبر القنوات التي تستضيفهم أن المواطن في مناطق سيطرة المليشيا يعيش حالة من الرفاهية التي أجبرت البعض على النزوح من مناطق سيطرة الجيش إلى مناطق سيطرتهم، كنا نحن في أبوعشر وعدد من مناطق الجزيرة قد وصلنا معهم الحد، وتيقنا أنهم ليسو أكثر من تلفونات هلل وأراجيز تنطق بما لا تعي.
* هذه الكذبة التي يكررها أحد هؤلاء المستشارين عبر قناة الحدث دفعت أحد معارفنا إلى تحطيم شاشة التلفاز تعبيراً عن غضبه، فقبل أقل من (٢٤) ساعة فقط كانت مدينتنا قد شيعت إثنين من خيرة الشباب إستشهدا عندما أطلقت مجموعة تتبع للمجرم أحمد صافولا النار عليهم بلا سبب مقنع.. وقد استشهد عبدالله عبدالرحيم وعوض عبدالوهاب في حادثة كانت بمثابة البداية لأيام المليشيا في منطقتنا، وعلى نسق تلك الحادثة صيغت الأقاصيص التالية خلال عام كامل، ولكن للأخ عوض عبدالوهاب طه قصة سأعود إليها بالتفصيل في حلقة قادمة.
* أحمد صافولا.. الإسم الذي ذكرته في الأعلى كان يقدم نفسه كأحد قادة الدعم السريع في منطقتنا.. وهو كسائر قادة المليشيا ييدو كماعون أجوف وفارغ، ولكنه يختلف عن غيره، فهو معتاد إجرام ومتردد مخافر الشرطة، وقد تكون له سوابق خطيرة مسجلة على دفاتر القضاة والمحاكم، ويتفوق على غيره بذكاء إجرامي لا تخطئه العين، وقد قدم نفسه في البداية كثائر، ولكنه سرعان ما فقد القناع وكشف عن وجهه الحقيقي كمجرم لا يهمه سوى سرقة ممتلكات المواطنين، وكان له دور كبير في إزهاق بعض الأرواح، وشخصيته الدموية تظهر في حديثه ونقاشاته التي لا تخلو من التهديد بالقتل حتى لزملاءه..!
* في اليوم الثاني من دخول هذه العصابات إلى مدينتنا كان الناس في حالة هلع غير عادي، وأستطيع أن أجزم بأن ذلك الهلع كانت وراءه أشياء أخرى من قبيل خيبة الأمل، والصدمة إن جاز التعبير.. والكل ما بين مصدق ومكذب أن الحرب قد وصلتهم بالفعل وعاصمة الولاية قد سقطت وعدد من مدن الولاية أيضاً اجتاحتها الفوضى، والتزم عدد كبير من المواطنين بيوتهم ورفضوا الخروج إلا للضروريات، خاصة أنها كانت مكتظة بالنازحين من حرب الخرطوم والعائدين من أبناء المدينة وأنا منهم، وكانوا قد رووا لجيرانهم هنا بعض ماحدث لهم من فظائع على أيدي المعتدين الغاصبين مما ضاعف الرعب، إضافة إلى السمعة السيئة وماهو متداول على الأسافير ووسائل الإعلام، واستمر الحذر إلى أن فوجيء الناس بأحد القادة يطلب مخاطبة المصلين بمسجد القبة الخضراء بالحي العاشر، وصادف أن هذا المسجد قريب من بيتي فحضرت جزءً من حديث هذا القائد، حاول أن يطمئن الناس ويدعوهم لمحاولة ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، وأنهم هنا لحماية المواطنين، ولكن حديث ذلك لم يخرج من مسجد القبة، فجماعته كانوا يمارسون الضغط على المواطن بصورة عنيفة، يسرقون ماعنده، ويستوقفونه في كل مكان ويخضعون كل من يجدونه للمساءلات ويحاصرونهم بالإتهامات العبثية (كيزان، فلول، جلابة، إستخبارات جيش).. وأصبحت هذه الإتهامات مدخلاً لنهب أي شخص وتجريده من ممتلكاته في أي وقت، مع أنهم يؤكدون كل مرة أنهم لايستهدفون المواطن وممتلكاته، وعندما تملك مايثير أطماعهم فأنت من أحد المذكورين أعلاه ولا تملك حق الدفاع عن نفسك.
* نهبوا السيارات تحت التهديد والوعيد وتوغلوا إلى داخل المدينة يطلقون النار بشكل عشوائي كنت معتاداً عليه في تجارب سابقة في أم درمان وكادقلي والأبيض وأعتبر ذلك من ملامح هؤلاء الغجر ولكنهم في هذه المرة كانوا يطالبون المواطن بالطمأنينة.. ولا أعرف من أين تأتي الطمأنينة في مكان يتواجدون فيه؟
* بدأ الناس في الهروب من أبوعشر في اتجاه الولايات الآمنة، فاتجه البعض إلى القضارف، وآخرين اتجهوا إلى شندي والولايات الشمالية بينما غادر المستطيعون السودان وتبعثروا في الدول لاجئين لا يعرفون تأريخاً للعودة.. فكرت كثيراً في الإتجاه نحو القضارف لخوض تجربة حياتية جديدة في الزراعة والمجالات الأخرى، ولكن.. ثمة فرصة تأريخية- أو كما قيمتها- لاحت لي للبقاء في مدينتي وعدم النزوح مرة أخرى، لأسباب كثيرة كان على رأسها الكلفة العالية وضيق ذات اليد، أما السبب الرئيس فهو حاجة المدينة والبسطاء فيها لأصوات عقل لإدارة الأزمة، ذلك لأن أي خطأ غير مدروس كان كفيلاً بإزهاق مئات الأرواح في نماذج من المذابح ظهرت في أكثر من منطقة مجاورة..!
* كانت الخيارات صعبة، والوقت ضيق لاتخاذ القرار، فاخترنا التضحية والبقاء لأننا لن نكون آخر من يغادر، وسوف نترك وراءنا الأهل والأصدقاء والمعارف وكل ذكريات الطفولة والصبا.. فكل ما يحدث في أبوعشر يهزنا بعنف، ورغم كراهيتي للفوضى والسلوك الهمجي الذي يتسم به أفراد المليشيا كانت الفرصة محفزة لخوض تجربة مهنية.. فمن رأى ليس كمن سمع..!

…. نعود ونواصل..

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد