هلال وظلال
عبد المنعم هلال
العودة إلى الخرطوم بين الحلم والواقع
ـ بعد قرابة العامين من الحرب التي اجتاحت العاصمة الخرطوم بات السؤال الذي يشغل الكثيرين هو هل يمكن العودة ..؟ ومتى؟ وكيف ..؟
ـ لا شك أن العودة إلى الخرطوم لن تكون مجرد حدث لحظي أو قرار فردي بل عملية معقدة تتطلب توافر مجموعة من العوامل الأساسية أبرزها الأمن والخدمات هذان العاملان هما المفتاح الحقيقي الذي سيحدد مدى جاذبية الخرطوم مرة أخرى لسكانها النازحين لكن تحقيقهما على أرض الواقع يواجه تحديات كبرى.
ـ هنالك عدة العوامل تجعل العودة صعبة منها الدمار الواسع للبنية التحتية فقد تسببت الحرب في تدمير شبه كامل للبنية التحتية الأساسية التي تعتمد عليها الحياة اليومية فالمستشفيات إما خرجت عن الخدمة أو تعرضت للنهب والأسواق الكبرى مثل السوق المركزي وسعد قشرة والسوق العربي أصبحت أثراً بعد عين أما الكهرباء والمياه فهما بالفعل كانتا تعانيان من أزمات قبل الحرب فما بالك الآن ..؟
ـ انعدام الأمن وانتشار السلاح وفي أي دولة بعد الحرب تكون السيولة الأمنية من أكبر التحديات. انتشار السلاح بين المدنيين وفوضى القوى العسكرية المختلفة كلها عوامل تجعل الحياة في الخرطوم محفوفة بالمخاطر ومع هروب آلاف السجناء من المعتقلات يصبح من المتوقع ارتفاع معدلات الجريمة مثل النهب والسطو والاحتيال.
ـ الأزمة الاقتصادية والبطالة وحتى إذا عاد الناس إلى الخرطوم ماذا سيعملون ..؟ القطاع الحكومي قد لا يكون قادراً على استيعاب موظفيه السابقين بسبب الأضرار التي لحقت بالمؤسسات بينما القطاع الخاص تعرض للدمار أو هاجر أصحابه إلى الخارج والعديد من المصانع والشركات الكبرى نقلت نشاطها إلى دول وولايات أخرى مما يجعل البطالة تهديداً حقيقياً للعودة.
ـ الآثار النفسية والاجتماعية للحرب فالحرب لا تدمر المباني فقط بل تترك ندوباً عميقة في النفوس والكثير من العائلات التي غادرت الخرطوم ربما لن تفكر في العودة قريباً ليس فقط بسبب الظروف المادية بل أيضاً بسبب الصدمات التي تعرضوا لها فمشاهد القتل والدمار،ط والنزوح كلها أمور تحتاج إلى سنوات من التعافي النفسي والمجتمعي.
ـ في ظل هذا الواقع المعقد يبرز خيار الهجرة العكسية إلى الولايات كأحد الحلول المنطقية فبدلاً من العودة إلى مدينة مدمرة وغير آمنة ويمكن لسكان الخرطوم الاستقرار في الولايات والعمل على إعادة بنائها فالولايات مثل الجزيرة والبحر الأحمر وشمال كردفان ونهر النيل وكسلا تملك مقومات اقتصادية يمكن استغلالها خصوصاً في الزراعة والصناعة لكن نجاح هذا الحل يتطلب استعداداً على مستوى الولايات نفسها حيث يجب توفير الأمن والسيطرة على معدلات الجريمة المتوقعة بسبب النزوح العكسي وتحسين البنية التحتية لاستيعاب الوافدين الجدد وخلق فرص عمل في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والتعدين والصناعة.
المعادلة الصعبة: كيف نعيد بناء الخرطوم ..؟ رغم أن خيار الهجرة للولايات يبدو عملياً في الوقت الراهن إلا أن الخرطوم ستظل القلب النابض للسودان ولا يمكن تركها مهجورة إلى الأبد وإعادة إعمارها تتطلب خطة أمنية محكمة لاستعادة الاستقرار ومكافحة انتشار السلاح وإعادة تأهيل البنية التحتية وهو تحد كبير في ظل شح الموارد وجلبواستثمارات دولية ومحلية لتحريك عجلة الاقتصاد من جديد والأهم مصالحة مجتمعية لمعالجة الآثار الاجتماعية والنفسية للحرب.
ـ العودة إلى الخرطوم ليست مستحيلة لكنها تحتاج إلى وقت طويل وإرادة سياسية واقتصادية جبارة وحتى ذلك الحين قد يكون الحل الأمثل هو التكيف مع الواقع الجديد واستغلال الفرص المتاحة في الولايات مع التخطيط بعيد المدى لعودة تدريجية إلى العاصمة بعد تحقيق الأمن والخدمات والاستقرار الاقتصادي.
ـ السؤال الذي يبقى هل يمكننا أن نحول هذه الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء الوطن بشكل أكثر عدالة وتوازناً ..؟