* قلنا من قبل مراراً أنه كلما حانت ذكرى رحيل فنان أفريقيا الأول محمد وردي اضطررنا لوضع الأصابع في الآذان، إذ أن البعض يستبيح المناسبة ليعبث بروائع الإمبراطور تحت حجة (الوفاء)، مع أن العرفان يتطلب حفظ تلك الأعمال بعيداً عن متناول يد التشويه و(خناجر) الاغتيال ..!!
* لم يخذلنا الاحتفال بذكرى رحيل الإمبراطور محمد وردي؛ أو الاحتفال بتاريخ ميلاده على مر السنوات الماضية التي تلت وداعه للدنيا، وجاء كما توقعنا تماماً دون الطموحات، (ويا أسفي وحسرتي على تشويه لوحات باذخة الجمال ما بين تواضع الأصوات وضعف القدرات)..!!
* أضحت أغنيات وردي جزءً من الوجدان السوداني وواحدة من عوامل صياغة الدواخل وإعادة ضبط المزاج، و(إن كان يوم رحيله ميقاتاً حزيناً فإن الغناء المشوه في ذاك اليوم الأسود يضاعف الأحزان) .!!
* سعدت جداً وأسرة وردي تقرر قبل عدة أعوام رفض الغناء في ليلة رحيله؛ وتطالب بأن يكون اليوم للدعاء للفقيد؛ والوقوف على تفاصيل تجربته، بينما الاحتفالات الغنائية الصاخبة يمكن أن تقام عبر (ترديد متقن ومحترم) في 19 يوليو الذي يصادف يوم ميلاده الذي رأى فيه النور عبقري أحدث (إنقلاباً) في دنيا الغناء، وهزة في عوالم النشيد؛ وحمل عن جدارة لواء الخلق والتجديد ..!
* غنى وردي على الكرسي (مجبراً) بسبب (عامل السن) وتوجته جموع المستمعين إمبراطوراً ولكنه لم يستفز أحداً ذات يوم بالدخول لساحة حفل محمولاً على كرسي كما فعل (نجوم آخر الزمان) في عصر تقزم فيه العمالقة وتعملق الأقزام!
* عندما تقدمت سن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وقلت قدراته الأدائية ولم تعد متغيرات الزمن تسمح لحفلاته بالنجاح احترم اسمه واكتفى بالتلحين لتخرج من (بنات أنغامه) أعمال بديعة لعدد من الأصوات الشابة، ليتواصل مشواره اللحني مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم والعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ؛ ذلكم الفنان القذيفة الذي جاءت انطلاقته في دنيا النجومية بسرعة الإفلات إلى آخر من عاصرهم عبد الوهاب.. فعل (موسيقار الأجيال) ذلك عن قناعة لأنه لم يعد مرغوباً في بورصة الحفلات الجماهيرية، كما أن الحنجرة لم تعد كما كانت بالأمس، لذا فقد أراد للآذان أن تظل حافظة لصوته الطروب قوي النبرات، ولكن وردي اختلف عن فناني السودان بمن فيهم القيثارة عثمان حسين؛ واختلف عن محمد عبد الوهاب وصحبه وسجل أرقاماً قياسية مذهلة أكدت للعالم أنه أسطورة لم ينجح (إعلامنا المحدود) في تقديمها للعالم بصورة مبهرة ..!!
* لم يكتفِ وردي بلواكة أعماله القديمة رغم رواجها الكبير وذيوعها الذي ليس له مثيل، وكان يصر في ذلك العمر على تقديم أغنيات جديدة.. وردي سبق صبية الغناء وردد نصاً جديداً لأمل دنقل قبل وفاته بثلاثة أشهر ليواكب ربيع الثورات العربية بعد رحيل بن علي؛ ومبارك؛ ورفاقهما؛ وهو من كان نجماً في زمن جمال عبد الناصر،(وتلك نقطة ثانية جديرة بالتأمل) .!!
* هذا العبقري الذي انسل عن دنيانا في هدوء وصمت قبل ثمانية أعوام ظل حتى رحيله عن الدنيا فناناً مرغوباً في حفلات جماهيرية بدليل أنه كان صاحب الحفل الأميز والأنجح في احتفالات رأس السنة عام 2011، وإن كان وردي قد أصبح (فنان شباك) منذ الستينيات فإنه ختم حياته في الألفية الثالثة (فنان شباك) من العيار الثقيل و(عداده) يساوي ما يدفع لخمسة أو ستة فنانين من أشهر الأسماء الموجودة بالساحة الفنية (وتلك نقطة أيضاً كاملة العبقرية)..!!
* من هو في قامة وردي تصبح أعماله الغنائية (منطقة ممنوعة الاقتراب والتعديل)، فالرجاء المحافظة على (الطير المهاجر؛ وبناديها؛ والود؛ وعصافير الخريف) ورفيقاتهن بعيداً عن العبث؛ والتخريب؛ وسوء الترديد؛ (وبلاش تشويه وتنظير)..!!
نفس أخير
* ولنردد خلف حلنقي :
أوعى تمشي تقول مفارق
انت أسطورة زمانك..
قلت ارحل وجيت رحلت
وما رحل أبداً مكانك.