العمود الحر
عبدالعزيز المازري
بين منتخبٍ تائهٍ وهلالٍ يبحث عن نفسه!
خرج منتخبنا الوطني السوداني من تصفيات كأس العالم بعد تعادله الأخير أمام موريتانيا، في نتيجة لم تفاجئ أحدًا بقدر ما أكدت واقعًا ظللنا نحذر منه منذ البداية: **الإرهاق، غياب الجاهزية، وانعدام التخطيط الحقيقي من الاتحاد العام لكرة القدم.**
اتحاد اكتفى بالتأهل إلى تصفيات الأمم الإفريقية واعتبره إنجازًا، وكأننا بلغنا القمة، بينما لم يرسم خارطة طريق واضحة للمنتخب ولم يوفر له الدعم الفني والإداري المطلوب.
والأدهى أن **المنتخب ظل يضم ذات الأسماء المكررة والمستهلكة**، وجوه فقدت بريقها منذ سنوات، ومع ذلك تُستدعى في كل مرة وكأن السودان عجز عن إنجاب غيرهم. لم يعد بمقدور هذه المجموعة أن تبني منتخبًا يعتمد عليه، بل صارت عبئًا على التشكيلة والطموح معًا.
أما المدرب **كواسيه** الذي نلنا منه الإشادة سابقًا، فقد سقط بدوره في فخ المجاملات. بدا كمن وجد راحته في التشكيلة القديمة، لا تغيير ولا تجديد، وكأن المنتخب ملكية خاصة لبعض اللاعبين! الاعتماد على المرهقين وترك الأفضل في دوري بلا رواتب ولا استقرار لا يصنع منتخبًا. حتى القادمون من الخارج لم يضيفوا شيئًا، لأنهم ببساطة **ليسوا أفضل من الموجودين هنا**.
الطريق واضح، والدواء معروف: بناء منتخب جديد بوجوه شابة تمتلك الرغبة والطموح، على أن يُمنح كواسيه حرية الاختيار دون تدخلات أو ألوان، بعيدًا عن مجاملات الهلال والمريخ. نحن بحاجة إلى **منتخبٍ جائعٍ للانتصار**، لا إلى تكرار ذات التجربة بذات النتائج.
تعادل موريتانيا لم يكن سوى انعكاسٍ لحالة عامة، فريق أضاع فرصًا سهلة لغياب المهاجم الحقيقي، واتحادٌ لم يوفر المعسكرات ولا الرعاية ولا حتى الحافز. النتيجة من جنس العمل، فالأداء لا يكذب، والواقع يصرخ بأن المنتخب يحتاج إلى **إعادة بناء شاملة** تبدأ من الاتحاد نفسه قبل اللاعبين.
ومثلما يعاني المنتخب من غياب التخطيط، يعيش الهلال بدوره مرحلة غائمة تبحث عن اتجاه. الفريق الذي يمثّل السودان وحده قارياً لم يزل يتعثر في مبارياته التحضيرية، بينما الدوري المحلي بات في مهب الريح، ولا سبيل أمام الهلال إلا التمسك بالمشاركة الخارجية التي تمنحه الجاهزية والاستمرارية، بدل انتظار اتحادٍ معروف بولايته الحمراء.
لكن ما يثير القلق هو المشهد الفني داخل الفريق. فبعد تسع مباريات، لم يقدّم **ريجيكامب** ما يُثبت أن بصمته بدأت تظهر. انتصارات على الجاموس والجيش وكتور، تقابلها تعادلات وهزائم تكشف أن الجهاز الفني لم يتعرّف بعد على إمكانات لاعبيه، وأن الحديث عن “عدم الانسجام” لم يعد كافيًا لتبرير هذا الأداء الباهت.
الهلال لا يعيش أزمة مدرب فحسب، بل أزمة منظومة كاملة، من إدارة الكرة التي لم تنجح في إعادة الروح إلى الفريق بعد رحيل عبدالمهيمن الأمين، إلى مجلس إدارةٍ غارقٍ في الانشغالات، ورئيسٍ يبدو بعيدًا عن تفاصيل العمل الميداني.
ورغم تقديرنا للباشمهندس **عاطف النور** وجهوده، إلا أن غياب التخطيط الإداري المتكامل يجعل أي محاولة فردية بلا أثر.
والمفارقة أن **فريق الجاموس الجنوب سوداني تعاقد مؤخرًا مع عبدالمهيمن الأمين** بعد أن أُقيل من الهلال في وقت حرج، ليؤكد بذلك أن الكفاءة لا تُهمَّش أينما وُجدت. فقد كان عبدالمهيمن هو **العقل الإداري الذي حمل منظومة الهلال في المواسم السابقة وحقق معها النجاحات**، بينما نراه اليوم خارج المشهد الأزرق، في مفارقة مؤلمة تُلخّص كيف نفقد الأفضل ونُبقي على من لا يملكون مشروعًا.
الجنوب اليوم يستفيد من خبراتنا، يمنحها المساحة والاحترام، فيما نحن ما زلنا نعيد تدوير ذات الوجوه ونفكر داخل الصندوق ذاته.
غدًا يواجه الهلال **سيمبا التنزاني** في تجربة جديدة بعد خسارته بثنائية في المباراة الأولى، وسنسمع من جديد العبارة المعتادة: “مباراة إعداد”. غير أن الإعداد الحقيقي ليس في عدد التجارب، بل في مضمونها. بوجود الدوليين أو غيابهم، لا يبدو أن الفريق وجد روحه بعد، والدليل أن الفوز على الجاموس جاء بشق الأنفس وبأداء فاتر أدخل القلق إلى القاعدة الزرقاء.
الهلال يحتاج لتحرك عاجل من **هشام السوباط** شخصيًا، فالمسؤولية لا تُفوّض، والمجلس كله معني بإصلاح الوضع الفني والإداري. أما **العليقي**، فمطلوب منه تقرير واضح يشرح أين يقف الفريق فعليًا، وما هي خطته لما تبقّى من الإعداد، لأن التبريرات لم تعد تُقنع أحدًا.
الهلال الآن يحمل راية السودان وحده، وهذه مسؤولية لا تحتمل المجاملة ولا التأجيل. ما لم يتحرك المجلس بسرعة ويصحّح المسار، فإن كل ما يُصرف اليوم لن يكون سوى **إهدار جديد لزمنٍ ضائعٍ في نادٍ يستحق الأفضل.**
-**كلمات حرة:**
المنتخب لا يحتاج أعذارًا… بل مشروعًا يبدأ من الصفر.
والهلال لا يحتاج مبررات… بل رجالًا يواجهون الحقيقة.
أما الاتحاد، فلا يحتاج تبريرًا… بل غربالًا يفرز الصادق من المتسلق.
—**كلمة حرة أخيرة:**
إذا كان المنتخب ضحية غياب الفكر، فالهلال ضحية غياب القرار،
وما بين الاثنين يضيع الوطن الكروي بين اتحادٍ أعمى ومجالس ترى في الصمت سياسة.
لكن التاريخ لا يرحم… سيكتب من خاف، ومن أصلح، ومن كان جزءًا من الخراب!