افياء
ايمن كبوش
ترجل الفارس.. واقفا
قبل أيام قليلة، كنت اكتب في هذه المساحة عن تلك السنة الحياتية التي مازالت ماضية فينا، ميلادا ورحيلا.. كنت اقول بأن أقدار الرجال في هذا “الكار اللابس ميري” رهينة لتلك السنة، حيث تأتي إلى الخدمة العسكرية بكل الهمة والنشاط.. وتخرج منها مترجلا على صهوة ذلك الجواد المرتحل إلى القبر أو مساكن وفاء المدة، ما بين القبر والبيت الخاص تمد اليك الإقالة لسانها وتحتفي بك الاستقالة وما بينهما ثمة شعرة رفيعة لا يقطعها الا ذلك السيف الذي يصرخ في اذنيك: “لو دامت لغيرك لما آلت إليك”.
قبل ساعة واحدة من ترجله المهيب، وقبيل خروج قرار اعفاؤه من رئيس مجلس الوزراء، استدعاني للمرة الأولى والأخيرة لمكتبه، تحدث معي حديث مودع، فلم يغب الوطن عن نبرات صوته.. ولم تخبو الشرطة بسنوات خدمته الطويلة فيها من اشواقه وامنياته في المستقبل، ولكن اهم ما في جلستنا تلك، كلمته الموحية التي قال فيها انه سيمضي إلى بيته راضيا عن كل ما قدم وأعطى على سبيل الضمير المهني والواجب.. بل سيكون أكثر رضاء بأن هذا المقعد الذي تخطط المصفوفة لاختطافه/ وأشار إلى الكرسي/ لن يقف عنده وحده وسيكون هناك فارسا آخر في الانتظار سوف يشغله”، كان حزينا على مساعي إلغاء المنصب.. ولكنه لم يخف سعادته بأنه لن يكون مشاركا في عملية” قطع رأس الشرطة”.
من تصاريف الأقدار، أن أخرج من عنده.. وخلفه الجديد وقتها، يتأهب للدخول، لكم سعدت بذلك الثبات.. وتلك الثقة التي كان يتحدث بها وأوان الرحيل قد ازف في انتظار رد مجلس السيادة على الاستقالة، ليس في مقدوره أن يبقى في ظل غياب الرؤية الواضحة وانسداد الأفق وتأرجح المطالب ما بين الهياج الجماهيري العاطفي، والضمير المهني والواجب الذي تؤدي به الشرطة أعمالها، قلت لنفسي: عليه أن يترجل لعل هذا يساهم في تحسين حياتنا المعاشية.. ويقربنا كثيرا من سدرة منتهى مجتمع الكفاية والعدل.!!
ودع سعادة الفريق عادل محمد أحمد بشاير مدير عام الشرطة السابق القيادات الشرطية في مكتبه بحضور خلفه سعادة الفريق عز الدين الشيخ.. بما يمكن أن يقوله أي قائد غيره في هذا الموقف المشحون بالوصايا، تذكيرا وتعضيدا لتلك الرسالة الخالدة التي تتوارثها الأجيال في أن تظل الشرطة المؤسسة، بتقاليدها الراسخة كما هي، تنفيذا للواجب وحرصا على القانون وإعادة الحق السليب.
مضى بشاير وجاء عز الدين لأن هذه هي أقدار الرجال مع العمل العام، فلن يختل الأداء.. ولن تتخلى الشرطة عن شعبها ووطنها وواجبها المقدس.
اخيرا اقول.. ترجل الفارس واقفا وشامخا وفي فمه كلمة لابد أن نقولها عنه طالما أن المجلس السيادي ورئيسه البرهان صمتوا عنها وهي التي تضوعت مثل عروس في متن الاستقالة المسببة.. “لن أكون سببا في شق الصف الوطني ولن أكون حريصا على البقاء في هذا المنصب.. طالما أن ثلة من الشعب الذي جئت لخدمته طلب ذهابي”.. الآن حق لك أن تمد رجليك على “كرسي القماش” لتستمتع بالحكايات والذكريات التي تبعث الأمل.. وتحقق لك قدرا كبيرا من راحة البال.
اما الفريق عز الدين الشيخ فهو ابن الشرطة الذي نرجو أن يحافظ على ارثها وتقاليدها بالحق الذي نعرفه عنه.. ولا أزيد.. مرحبا بك قائدا في الزمن الصعب، بل الزمن الاجدب.