مذاق الحروف
عماد الدين عمر الحسن
تقديرات الفلول في اختيار بورتسودان ..
العديد من الخيارات والمدن كانت متاحة امام البرهان للتوجه اليها عقب خروجه من حصار القيادة العامة بدايات الحرب ، لكنه تركها جميعا واتجه الي مدينة بورتسودان التي سبقه اليها مجموعة من فلول النظام السابق وعدد لابأس به من قيادات حزب المجرمين المحلول .
مدني – علي سبيل المثال – كانت الاقرب للخرطوم ، والتوجه اليها كان سيبدو أكثر منطقية وأنسب لقيادة اي عمليات عسكرية محتملة لاستعادة الخرطوم . اما عطبرة فكانت خيارا مثاليا لتواجد اكبر اسلحة القوات المسلحة واكثرها جاهزية بها وهو سلاح المدفعية ، كما ان شندي بامكانها أن توفر حاضنة مناسبة للبرهان لقربها من عشيرته وأهله وقربها ايضا من الخرطوم ، لكن البرهان وقبله الفلول تركوا كل تلك الخيارات واتجهوا شرقا نحو مدينة الثغر ، وهو اختيار لم يأت هكذا خبط عشواء بل تم بعد دراسة وافية لطبيعة المنطقة المناخية والتضاريسية ، حيث تقع المدينة أسفل مناطق جبلية وبمدخل واحد عند عقبة سنكات ، وهو امتياز يجعل اصطياد اي مجموعة تفكر في الدخول الي المدينة امرا سهلا وفي متناول الايدي .
المحتمون ببورتسودان قدروا ان البجة وزعيمهم ترك قادرون علي حمايتهم – او علي اقل تقدير اغلاق كل المنافذ الي المدينة بما لديهم من خبرات سابقة في هذا المجال كلما طُلب منهم ، كما انهم راهنوا علي عدم مناسبة طقس وتضاريس المدينة لجنود الدعم السريع .
هذه التقديرات ، والدقة في اختيار مهرب مناسب تدل بكل وضوح علي عدم ثقة قيادة الجيش في قدراتهم وفي امكانات جيشهم ، كما تدل علي عدم وجود نية من الاساس لتحرير الخرطوم وإلّا – لاختاروا اقرب المدن اليها واتخذوها قاعدة للانطلاق .
ليس هذا وحسب – بل ان تلك التقديرات تشير الي أمرين في غاية الخطورة : الثاني ان التفكير في الفرار كان من ضمن خطط القيادة فاختارت المنفذ المناسب لذلك ، أما الاول وهو الاخطر ان تساقط المدن والحاميات يحدث بتخطيط مسبق واتفاقات لاتخلو من الخبث كما حدث في ودمدني وربما تطول القائمة ..والله يكضب الشينة..