صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد
جان في بربر «أنا الجن البخلي الزول ينوني»
أنا لديّ اعتقادٌ، إنني عندما أكتب عن الغد بصورة مُحبطة، وعندما أصوِّر القادم على أنه مستقبلٌ قاتمٌ، فإني أنقل لغيري شيئاً من الحُزن والهَـم والغَـم، يفترض أن لا أفعل ذلك، هو الناس ناقصة، وأنا أوهم نفسي إنّ ما أتوقعه في كتاباتي يحدث، لذلك أتجنّب التوقعات المُحبطة، حتى لو كان الواقع أكثر إحباطاً، أزعم ذلك، أو بهذا أوهم نفسي رحمةً بالناس، لذلك أتحاشى أن أنقل أو أكتب في واقع مأساوي عن الغد حتى لو كنت أتحسّس ذلك وأشعر، ولا أفعل ذلك إلّا لماماً أو تلمحياً عندما أُجبر على أن أتحدّث عن الغد بشئٍ من الواقعية. واقعنا فيه الكثير من الجراحات، مُثقلٌ بالوجع وسهر الليالي، لذلك علينا أن نتجنّبه. الظنون في كثير من الأحيان لا تُخيّب فلماذا لا نظن الظن الحسن، وإن خاب ظنك ساعتها فإنك تكون بظنك الحسن قد عشت أوقاتاً سعيدةً، حتى لو كانت لحظات، وإن قيل إنّ الظن السيئ من حسن الفطن، والمجتمع يعمل لأن يدفعنا إلى ذلك، لأن الشر ديناميكيته أقوى من الخير. واحد قال لصاحبه كل ما أجيكم عشان أقول ليكم: مساء النور، ألقى النور عندكم قاطع.
وفي واحد عاوز ليه قروش من زول اسمه النور ـ قال كل ما يمشي ليه بقولوا ليه مافي. قلت ليه (النور) الأيامات دي أقنع منه.
كانت حبوبتي (عائشة بنت الفراش) رحمة الله عليها عندها شئ من الفراسة، بتزور المريض في الصباح وعندما تقول ليك (وشو) وش موت، أقنع منه ـ بجيبوا ليك خبره العصر. ولمن ترجع البيت المساء بتعرفك من صرة وشيك وبتقول ليك الليلة مالك إنت شاكلت منو؟ أو الزّعلك منو؟ تقول كانت معاك ـ وكنا مما اعتدناه منها أنها عندما تقوم الصباح وتقول ليك الليلة قلبي دا ما ياهو ـ قطع شك يجيبوا ليك خبر موت ـ أو تقول ليك الليلة اللقمة أبت تتبلع لي، يا ربي المات منو؟ لذلك كنا ونحن أطفال نترقّب نشرتها الإخبارية تلك، مثلما كان يترقّب الناس نشرة (3) في الإذاعة أو نشرة (9) في التلفزيون، وكنا نبني تحركاتنا على نشرتها الصباحية، حبوبتي تلك جدها بالمناسبة هو الشاعر إبراهيم ود الفراش شاعر بربر المعروف، والذي وُضعت صورته على طابع أول بريد سوداني، ووُضعت صورته في القرش وهو راكب الجمل وقد كان شاعراً معروفاً وعمل في الجندية، وكان ينقل البريد بين السودان ومصر، وبين مديريات السودان المختلفة، لذلك كانت صورته رمزاً للبريد، (إنتوا فاكرننا بنكتب ساكت)، والفراريش تعود جُذورهم إلى بربر، وقد توزّعت بطون الفراريش بين بربر وكبوشية وشندي، ربما أحدِّثكم عن إبراهيم ود الفراش عندما تجمع بربر بين الهلال والمريخ ـ المريخاب يشيلوا شيلتهم.
كنت وأنا طالب وقد كنت (شفت) وبتاع مشاكل عندما أشاكل زميلاً أو صديقاً، أقول ليه طلِّع أي قرش في جيبك، على اعتبار أن صورة جدي في القرش، وقد كان ذلك زمن القرش وأبو قرشين قبل ما يظهر الدولار ويخرب أي شئ.
كنت بفتش للمشاكل فتيش والفراش الكبير هو القائل (وأنا الجدري النزل في الحلة داسه)، إنتوا فاكرين المشاكل دي نحن جايبنها من فراغ.
بطون الفراريش منها الآن أبناء علي الفراش في شندي، وهي عائلة كبيرة وممتدة، ومنها أبناء عوض الفراش، عبد الماجد وعلي الفراش في كبوشية، وعلي الفراش لعب للأهلي شندي، وللفراش الكبير في الخرطوم٢ أحفاد فاطمة الفراش وهي أيضاً شاعرة لا تقل عن جدها الفراش الكبير، ولو نجحنا في جمع أشعارها سوف نرفد المكتبة السودانية والتراث بصيد سمين، أما نحن فنرجع إلى عائشة بنت الفراش التي حدثتكم عنها أعلاه.
أما في بربر، فجذوره مازالت ضاربة في أعرق وأقدم مدن السودان.
لكن بمناسبة ود الفراش خلينا نقيف شوية عند جان كلود في شعر ود الفراش، يقول ود الفراش، وأنا بقول ليكم كلام زول جدي عديل كدا ـ يعني ما بتكلم ليكم من فـراغ:
أنا شوك الكتر إن جرجروني
أنا الجن البخلي الزول ينوني
جدي قال كدا ـ تاني أكتر من كدا أقول ليكم شنو؟ هو أكيد ما قاصد جان، لكنه قاصد الجن.
نحن أي حاجة عندنا بي شنو؟
قولوا إنتوا بقأ.
عليكم الله بعد وصول جان كلود ـ ناس المريخ ديل موش مفروض يشوفوا ليهم بلد، وكمان مباراة القمة نقلوها بربر ـ البنوني منو؟ أكيد الطرف الشمال.
النمير قالوا عاوز يقدم استقالته.
طبنجة بي طريقتو… طبنجة ممكن يشوف ليه كرت أو إصابة عشان ما يلعب مباراة القمة.
ويقول ود الفراش:
أنا فرج العيال وقتين يضيقوا
أنا الدابي الرصد للزول بعيقو
أنا المأمون على نسوان فريقه
وقال:
أنا البحر الكبير الدابو حَمّرْ
أنا قدحة زناد مدفع معمَّرْ
الزول دا كان صعب، قالوا كان مُوقِّف البلد على فد كراع، رغم أنه كان جندياً، لكنه كان شاعراً نحريراً، كلمته زي السيف.
عندما رحل فلوران من الهلال بعد انتهاء فترة تعاقده مع الهلال، كنت أتوقع ألا تجرى الأمور في الهلال على ما يرام بعد رحيله، وقد حذرت عن ذلك بلطف حتى لا أصبغ على القادم نظرة تشاؤمية، واحسب أنّ الأيام الصعبة قد انتهت، أو مرت، أو هكذا أحاول أن أقنع نفسي، مع ذلك أقول إنّ الموسم القادم للهلال يمكن أن يكون أصعب، لو لم يتدارك الهلال الفجوة التي تركها رحيل فلوران ـ المشكلة إنهم في الهلال لا يقدرون خطورة الموقف، ولا يعرفون قيمة مَن رحل مِن الهلال، وهذا شئٌ يمكن أن يجعل الخطر واقعاً ـ إذا لم نتدارك الموقف ونحنُ الآن في فترة سماح، سوف ندخل لفترة الحظر وهي فترة لا يجدي فيها العلاج ـ لذلك أحسنوا تعاملكم مع الأوضاع منذ الآن، وأحسن ما تبدأون به هو أن نتفق على أنّ الهلال فَقَدَ مدرباً كبيراً، إن لم نتفق على ذلك فسوف نقع على رأي عادل إمام في الفخ.
إذا لم تكن تعرف قيمة ما كان في يدك، فإنك لن تحسن أن تأتي بما في يد الآخرين. أنت إذا لم تقدر حاجتك، فكيف لك أن تقدر حاجات الغير؟
لكن دعونا في هذا اليوم أن نكتب عن (الانبساطة)، تحاشياً للحُزن، فهو يومٌ إن شاء الله نتوقعه سعيداً، أو هو يومٌ نبحث فيه عن الفرح.
قفة الفرح في شندي عملت كم؟
حقيقة الأمر ـ إننا نكتب في أوضاع صعبة، نحاول أن نقاوم الواقع المُـر بالكتابة، وأظن إنِّني لولا تعاطي (الحرف) لكنت اليوم في خبر كان من جـرّاء الإحباط أو الحالة التي تمر بها البلاد. عندما تكون البلاد في حالة هدمٍ عامٍ، لا بد أن تكون أنت في حالة بناء ذاتي، حتى تقاوم حالة الهدم. نحنُ لا نستطيع أن نوقف الحرب، وطرفا النزاع نفسيهما فقدا السيطرة على ذلك، ولكن نستطيع أن نوقف الإحباط.
نحنُ من الذين أدركنا مبكراً أنّ كل الصعاب يمكن أن نتغلّب عليها بالفرح، وأن المصائب إذا تكالبت عليك لتكسرك فلن تزيدك إلا قوةً، وإنّ عدوك أبهى صورة يمكن أن يراك فيها هو أن يراك مُحبطاً، لذلك الإحباط لا يعرف لنا طريقاً.
ونحن نؤمن أن الغل والكراهية تولد الحقد والحسد والضغينة، وهي مشاعر لا يتضرّر منها إلا حاملها ـ إياك أن تظن أنّ خصمك يمكن أن تنتصر عليه بغِلك أو حسدك أو كراهيتك له. الأمراض التي لها علاقة بالدماغ والقلب والدم والنفس كلها عندها علاقة بتلك المشاعر السلبية، وهي أمراضٌ ضحاياها أكثر من ضحايا الرصاص والقنابل، أن يقتلك عدوّك مرة واحدة، أفضل من أن يقتلك على دفعات وببطء ألف مرة.
حياتك وعمرك في يد الله فلا تخشى عليهما، ولا تترك مزاجك في يد عدوّك.
الحالة النفسية هي التي أصبحت تتحكّم في حياتك وصحتك وعملك ومزاجك ـ فاحرص على صحتك النفسية، احرص على النوايا السليمة والعمل الصالح فإنه أكثر ما يزعج أعداء الإنسانية.
القرب من الله هو الدواء الناجع لكل المشاكل والأزمات والأمراض.
في الأيام الماضية وأنا خارج البلاد، أُخبرت بأنّ صديق الدراسة ودفعة مشوار العصاري ورفيقي الأول المهندس هيثم علي السنوسي، وشريك اللقمة، وزميل كرسي النص في الحافلة، تعرض لحادث حركة في مدينة شندي، وهيثم هذا مثل نوافذ العطر في كل ركن بشندي عنده بصمة، لم تسعفني قوتي أن أسأل عن حالته وعن وضعه الصحي، خشيت أن أُصدم بالإجابة، توسّمت خيراً في أن يكون بخير، كنت أتواصل مع أسرته بعيداً عن السؤال عن حالته الصحية ـ خوفاً من رهق الإجابة، تركت أمري وأمره لله وأحسنت الظن فيه، ولم يخذلني الله، لأنك إذا وضعت ثقتك فيه فلن تُخذل، وقد عاد الصديق هيثم السنوسي بسخريته التي كانت تنعش شوارع شندي، يتواصل معي بشغفه الذي أعرف.
وهيثم زميل (باسطة) ودفعة (كباية لبن)، ورفيق (صحن البوش)، وصحبة (لمتين يلازمك في هواك ظلم الهوى).
عندما وقع الحادث، فكّرت في أن لا أكتب، إذ كيف لي أن أكتب وأنا أحمل كل هذا الوجع، حالتي النفسية لم تكن تسمح بذلك، ولكن على طريقة هاشم صديق قرّرت أن أتحدى بالحرف الألم (حاجة فيك لا بنتهي ولا بتتنسي خلتني أرجع للقلم، أتحدى بالحرف الألم وأضحك مع الزمن العريض وانسف متاريس الطريق واعرف متين أبقى المطر وافهم متين أصبح حريق).
في شندي كنا نحن ثلاثة، هيثم وشخصي وأعظمنا اسماً وعلماً وأدباً الراحل القاضي مولانا عبد الفتاح بشير فحل الذي رحل في أيام قبضة كورونا في حادث حركة وهو في طريقه من الفاشر إلى الخرطوم ـ عبد الفتاح هذا هو من النوع ذاته الذي قيل فيه تخته في الجرح يطيب، وقد كان فعلاً كذلك أظنه نسخة وحيدة في الكون مع هيثم السنوسي.
أنا لو جمعت كل معاجم اللغة وكل الأرحقة والصباحات المشرقة، وكل ما في عيون الأطفال من براءة فلن أوفِّي عبد الفتاح بشير فحل حقه ـ هذا كان رجلاً من زمن الصحابة، لذلك رحل وتركنا في حالة حُـزن نعافر للخروج منها، فنجد أنّنا ندخل في الحزن أكثر.
بعد رحيل عبد الفتاح، كنت أظن إني تاني ما باكل لي فول مصلح ولا بحضر مباراة للهلال، ولا بسمع وردي ـ كنت أظن أنني سوف أخاصم كل ما هو جميل وبديع، وإنني سوف اكتفي برصيد من الذكريات التي جمعتني بعبد الفتاح في شندي وأم درمان والخرطوم وبحري وأبو حمد وعطبرة، لقد كنا شركاء (سفر) في هذه الحياة، هو غادر ومازلت أنا في المحطة انتظر شحن (الحقائب).
التذكرة مقطوعة من بدري.
قصدت من ذلك أن أقول إنّ الكاتب يمكن أن يكتب وهو في ظروف صعبة، لا يعلم بها إلا الله.. ويمكن أن يدعو للفرح والانبساط وهو مُثقلٌ بالحُزن والهموم والوجع… (خلوها على الله).
الفنان عادل إمام قال إنَّه عندما رحل والده كان في لبنان يقدم إحدى مسرحياته، وفي الليلة التي كانت تشهد تقديم آخر عرض للمسرحية وقبل أن يُرفع الستار، أُخبر عادل إمام برحيل والده، وقرر عادل إمام نسبة لحضور الجمهور وامتلاء المسرح واحتراماً لتعاقده أن يقدم المسرحية رغم حزنه الشديد على والده وانهياره التام، وقد كان، وقدم عادل إمام دوره بكل ما فيه من صخب وسخرية وضحك، ولم يشعر أحد بالحزن الذي كان يحمله عادل إمام إلا بعد نهاية المسرحية، حيث وقف عادل إمام حسب قوله على خشبة المسرح وهو يبكي وقال لجمهوره إنّ والدي توفي في هذا اليوم وإن لم يشاركني جمهوري في حزني فمن الذي يشاركني فيه، لذلك قرّرت أن أحكي لكم عن أبوي، وقد كان، فقد حكى لهم عادل إمام عن والده وهو يقف على خشبة المسرح، وكان بعضهم يبكي وبعضهم يضحك حسب كلام عادل إمام نفسه.
أحسب أنه من الخذلان الكبير، أن تكون شريك شخص في الفرح وعندما يحزن تتركه وتقول له هذا حُزنك وحدك ـ المشاركة في الحُزن تُبدِّده.. فشاركوا إخوانكم في أحزانهم.
لذلك، الشراكة في الحُزن أحياناً هي القوة الوحيدة القادرة على تبديد الحُزن، الحُزن الانفرادي حُزن طويل الأجل.
وأنا أكتب عن الحُزن، أقف هنا عند رحيل الشهيد الدكتور الوليد أحمد معلا عضو أولتراس الهلال الذي اُستشهد في هذه الحرب التي ظلت تحصد خِـيرة أبناء هذا الوطن.
نظرت إلى صورة الوليد وهو يتدفّق شباباً وحيويةً وصخباً، قلت إنّ هذا الشاب حمل بوادر رحيله في عينيه.. عضو أولتراس الهلال وهي مجموعة من العشق الهلالي الذي لا يهدأ، الوليد غادر الحياة وترك مدرجات الأولتراس تحمل جيناته في هتافاتهم وأغنياتهم.
كذلك فقدت البلاد في الأيام الماضية كابتن الهلال جميل، ليضرب الحزن ربوع البلاد، وكابتن جميل أنا أسمع عنه إنه هو الذي حوّل اسمه حرفياً إلى أدائه في الملعب، فكان جميل اسماً على مسمى.
وبما أنّني أكتب في الخاص، أقف كذلك عند رحيل شقيقة لاعب الهلال مازن سيمبو، والفقد هنا فقدٌ الهلال وليس فقد سيمبو وحده، ولا يفوتني هنا أن نعزي الزميل شمس الدين الأمين في وفاة والدته، الأكيد أن المتابعين لشمس الدين افتقدوه في هذه الأيام، وهو من أكثر الناشطين حضوراً في اللايفات والحصريات والانفرادات، شمس فقده الناس وهم في حاجة لحصرياته.
أشعر بتضامن حزن عميق عندما أسمع عن رحيل والدة أحد الزملاء أو والدة أي شخص، لأن رحيل (الأم) شئ مثل تنفيذ الإعدام على الابن الذي رحلت والدته ألف مرة، وبعد كل مرة يبدأ العدد من أول وجديد.
على الذين مازالت أمّهاتهم على قيد الحياة، نسأل الله أن يحفظ الأمهات، عليهم أن لا يتركوا أي لحظة بعيدة عن أمهاتهم، فإنّ كل لحظة مع الأم هي الدنيا كلها، سوف تكتشف ذلك بعد أن ترحل.
أما الأمهات اللائي رحلن فهن في حاجة إلى الابن الصالح أكثر مما كن وهن أحياء، فاحرص على العمل الصالح والدعاء لهن.
إنِّي أقدِّر الظروف الصعبة التي يعمل ويكتب فيها الزملاء. فنحنُ بين الفينة والأخرى نخبر برحيل عزيز أو نعلم بدخول قريب للمستشفى لإجراء عملية ـ قلوبنا أصبحت لا تحتمل كل تلك الأحزان، أصبحنا أضعف من أن نقوى على ذلك.
آخر من علمنا بحاجاتهم للدعم والعناية هو الزميل أشرف عبد العزيز، وأشرف هذا فارس كلمة وحارس حرف، كان ومازال يمثل عندنا نحن معشر الصحفيين بقة النور التي نهتدي بها.
في الأيام الماضية، دخل الزميل خالد فتحي إحدى مستشفيات القاهرة وأجرى عملية جراحية وخرج معافىً منها الحمد لله، بعد أن كان خالد فتحي يحمل آلامه منذ سنوات ولا يبوح به لأحد، عندما سألته عن ذلك قال إنه حب أن لا يزعج أحداً ـ إنهم يحتملون أوجاعهم ويصمتون عنها خشية إزعاج الآخرين ـ أي بشر هؤلاء الناس؟!
ويتابع (حداد)، علاجه في مصر بصبر يحسد عليه، وبإيمان كبير، يجعلنا نراهن على الشفاء له والعافية، لأنه مع كل تلك الألم والأوجاع يرفل في (الثقة) بالله.. هو يضحك بطريقته وعندما أراسله أو أهاتفه، قبل أن أسأله عن صحته يسألني عن الهلال.
وفي عطبرة، نتابع بترقب ودعاء حالة ابن بقروسي وأحد أعيانها عبد الرحيم عبد الواحد، بعد إجراء عملية كبيرة، دخل إليها عبد الرحيم صامداً، وخرج منها أكثر صموداً.
إنّنا نحمل لهم الكثير من الحب، ونسأل لهم الصحة والعافية في كل الأوقات، وليس هنالك ما هو أشد على النفس من مرض حبيب.
من أقسى اللحظات التي مرت علينا ـ كتمت إنفاس الفيس ،وقيدت حركة الواتس ، وشلعت اكس ، وجننت إنستغرام، وقلقت يوتيوب ، هي الساعات التي إعلن فيها عن تعرض الزميل عمر حسن خليفة لحادث حركة ، كنا بعد ذلك شركاء في حالة وجوم عام ، وعشنا هلع كان فرض عين على كل من يعرف عمر ـ بل هو خيار لكل من يعرفه ومن لا يعرفه. وعمر حسن خليفة يمثل عندنا الصحفي الذي يجب أن يقتدى به.. . إنه نموذجنا المشرف الذي نتحدث عنه في مواقف الفخر والإعتزاز.
الناس في بلدي طيبون، لدرجة أنهم عندما يصيب منهم أحدٌ أو يمرض تشعر بالوجع عندك ـ أراهن إنّنا نسبقهم بالشعور بالألم عندما يمرضون.
نسأل الله تعالى لهم الشفاء والعافية جميعاً وأسألكم بالدعاء لهم ـ أشرف عبد العزيز، هيثم السنوسي، خالد فتحي، حداد وعبد الرحيم عبد الواحد ، وحسن عمر خليفة ،وكل المرضى، فقد تكونوا في لحظة استجابة وفي ساعة صفاء افضل منّا. ونحن ليس لنا لهم غير الحب والدعاء، والدعاء المستجاب بالدنيا وما فيها.
أعود إلى عادل إمام، فهذا مَخرج إجباري من الحزن.
قال سعيد صالح إنّ معظم (الافيهات) التي كانت تخرج منه ومن عادل إمام في مسرحية (مدرسة المشاغبين) كانت خارج النص.. وكانت تتم بينهما في تنافس ارتجالي.
وقالت سهير البابلي إنّ كلمة (لغاليغ) التي استعملتها في حوارها مع عادل إمام عندما هدّدته بقطع لسانه من لغاليغه كانت غير موجودة في النص، وهي جاءت بها عندما استفزّها عادل إمام في المسرحية فوجدت نفسها تقول له: ح أقطع لسانك من لغاليغو، وقد ذكرت سهير البابلي أنها خلال عرض المسرحية، أبدت استياءها من ارتجال عادل إمام المتكرر، وقالت له “لو مسكتش هقطع لسانك من لغاليغو”، فرد عليها عادل إمام “إنتِ جبتي لغاليغو دي منين؟” دلالة على أنها لم تكن موجودة في النص.
قالت سهير البابلي في اليوم التالي لعرض المسرحية: كنت أنوي أن لا أذكر (لغاليغ) باعتبارها كانت في عرض الأمس، انفعالاً حقيقيّاً جعل الكلمة تخرج منها عفوياً، غير أنّ عادل إمام، يبدو أنه رتب للرد عليها بطريقته المعهودة، فطلب منها أن تقول ما قالت بالأمس، وما أن ذكرت سهير البابلي كلمة (لغاليغ)، إلا وانطلق عادل إمام وهو يسخر من وزارة التربية والتعليم ومن طريقة التدريس، إنتوا بتجيبوا الكلام دا من وين؟ وقد وجدها عادل إمام فرصة ليبدع أكثر. ليصبح حوار (اللغاليغ) من أمتع حوارات المسرحبة.
كذلك يقال إنّ سمير غانم كان أستاذاً في الارتجال ـ في السودان الحركة النقدية لم تذكر لنا عن أكثر الكوميديات في الارتجال ـ الأكيد أن الفاضل سعيد كان يرتجل، وكذلك محمد نعيم سعد، وجمال حسن سعيد.
وأنا انظر إلى عجلة الحياة وهي تتوقف، أتمنى أن تظل عجلة الإبداع دائرة ـ أرجو أن يقدم لنا جمال حسن سعيد وربيع طه ومختار بخيت الدعيتر، وكل الناشطين في المسرح مسرحاً، لأننا أشد ما نكون في تلك الأزمات للمسرح والأدب والفنون بصورة عامة، فلا توقفوا الإنتاج حتى لا توقفوا الحياة ـ انتصروا على الإحباط بالإبداع، وليس لنا سبيل للنصر عليه غيركم.
البلاد بعد الحرب تحتاج إلى بناء شامل، وبناء النفوس، وإعادة تأهيلها يجب أن يكون له الأولوية قبل بناء الصروح والطرق والكباري.
…
متاريس
مع كل هذه الأوجاع، ننتظر اليوم بإذن الله الفرح في الجهات الأربع.
بربر دي بلد جدي إبراهيم ود الفراش ـ يعني ما عندنا فيها مشكلة.
سوف أكتب عن السهم الدامر والهلال كريمة، سعدت جداً لتأهلهما للممتاز. وذلك لأن الدامر وكريمة سيحدثان الإضافة الأولى للممتاز.
اصبروا لي بس.
ماشي عليكم.
الليلة يومكم تمام يا هلالاب إن شاء الله.
جهِّزوا الشكوى يا مريخاب.
المريخاب عندمـا لم يجدوا شكوى أمام حي الوادي، قالوا يشتكوا الحكم.
الأملاب انتبهوا إلى ما يمكن أن يحدث في مباراة فريقهم أمام الزمالة فحذروا من حدوث شغب في المباراة حتى لا يُحرموا من جماهيرهم أمام المريخ.
الأملاب مُفتِّحين عارفين ليه؟ لأنهم شايلين الوصية وملتزمين بها (جدودنا زمان وصُّـونا على الأمل).
…
ترس أخير: نتلاقى بكرة إن شاء الله على فَــرح.