قور مشوب
كانت الآمال والتطلعات المعقودة على دورة شهداء خور أبو حبل في تندلتي كبيرة للغاية، حينما إنطلقت في الثالث من الشهر الجاري.
كان متوقعاً أن تشهد ميلاد العديد من المواهب الشابة والصاعدة على غرار ما حدث في النسخة الماضية.
لكن، ما حدث كان مفاجئاً لدرجة أنها شهدت شح كبير في هذه المواهب الشابة في ظل إيثار الكبار والنجوم الوافدة بكل الأضواء وفرص المشاركة!
مع ذلك، فإنها قدمت لنا إثنين من المواهب التي كانت بمثابة كوة ضوء في ظلام البطولة الدامس.
****
رغم نوعية وجودة النجوم الموجودة في كشوفات كل الروابط، فإنه كان يمكن بوضوح مشاهدة تألق موهبتين من الطراز النادر.
المفارقة، هنا، تتمثل في إيجادها موطيء قدم لنفسها وظهورها بشكل مبهر دفع الكثيرون لطرح العديد من التساؤلات.
نتحدث، هنا، عن موهبتين نجحتا في قيادة فريقيهما في الوصول إلى النهائي: حلاوي ونجم آخر سنعود إليه فيما بعد.
****
في مباراة الإفتتاح بين رابطة الشهيد كولينا والوحدة، كانت الأعين تتابع وجوه اللاعبين في محاولة للتعرف عليهم.
لكن، بالنسبة لي، كان هناك لاعباً واحداً فقط دفعني لمحاولة إيجاد إجابات لكل الأسئلة التي تدور في ذهني.
كل الوجوه كانت مألوفة ومعروفة لي، بإستثناء لاعب واحد دفعني للتوجه فوراً إلى دكة بدلاء كولينا.
توجهت إلى هناك، وعلى الفور سألت أول شخص قابلته: من هو اللاعب الذي يرتدي الرقم ١٠؟!
جاءت الإجابة: إنه حلاوي!
غادرت سريعاً وسط ذهول ذلك الشخص، وأنا أبحث في ذهني عن إجابة للكثير من الأسئلة: كيف فات علي ذلك؟
كيف لم أعرفه؟
كيف لم أتذكر وجهه المألوف بالنسبة لي؟!
****
بالنسبة لمن لا يتابعون دوري الدرجة الثالثة عادةً وبإستمرار، فإنه يمكن إيجاد عذراً للفشل في التعرف عليه بسهولة.
لكنني أتابع البطولة بإستمرار، وأعرف عنها الكثير، فماذا حدث؟
ربما، مشهد وجوده وسط مجموعة مميزة من نجوم دوري الدرجة الأولى، نجاحه في حجز موقع في التشكيلة الأساسية، وإرتداؤه الرقم ١٠ تسبب في كل ذلك.
ببساطة، لقد كان اللاعب الوحيد في رابطة الشهيد كولينا الذي يلعب في درجة أدنى، إذ لعب رفقة لاعبين يمثلون أندية القمة والنخبة، وهو شيء ليس سهلاً!
****
محمد عمر حلاوي. اسم يعتبر مألوفاً بالنسبة إلى متابعي دوري الدرجة الثالثة، ليس بسبب أنه يعتبر نجم وصانع ألعاب فريق النجم الأحمر، فحسب، بل لأنه أحد النجوم الواعدة والمشرقة والمميزة فيها.
الواقع أنه يعد إحدى العناصر التي لا يمكن أن تُخطئها العين، فهو يعتبر لاعباً لا يمكن الإستغناء عنه إطلاقاً وقد إختبر الجميع هذا الأمر شاهدوا نتيجته وما حدث لفريقه في غيابه.
يمكن الإشارة إلى حلاوي على أنه إحدى المواهب التي تفتخر بها بطولة الدرجة الثالثة، النجوم البارزة فيها، وتأكيد على إمتلاك البطولة مواهب عديدة تحتاج إلى التنقيب والبحث عنها.
****
منذ الموسم الماضي، أصبح مألوفاً مشهد رؤية حلاوي يُقدم المتعة، الأداء السهل والسلس، ويلعب دوراً محورياً ورئيسياً في نتائج فريقه الودية والرسمية!
كان ممتعاً ومثيراً حقاً رؤيته يفعل ذلك في جميع المباريات، الملاعب، وضد كل الخصوم.
لم يكن مهماً بالنسبة له اسم وهوية الخصم الذي يلعب ضده، الدرجة التي يلعب فيها، ونوعية اللاعبين الذين يمتلكهم!
كان مؤكداً انه سيمارس سحره، يطبق خدعه، يحرص على القيام بكافة أدواره على أكمل وجه.
ببساطة، هو لم يكتفي بالتألق في الدوري أمام أندية الدرجة الثالثة، بل فعل ذلك أمام أندية الدرجة الثانية أيضاً، وأكثر!
لقد فعل ذلك أمام أندية الدرجة الأولى في مناسبات عديدة، إذ فعل ذلك أمام الهلال، المستقبل، الصفاء، الرابطة، والأهلي في أكثر من مواجهة لعبها ضد هذه الفرق.
****
المشهد الذي كان نادراً حقاً هو رؤيته ينتظر الكرة تصله من زملاؤه على غرار ما يحدث مع بقية أقرانه في مختلف الدرجات الثلاث هنا؟!
هذا لم يكن يحدث أبداً معه، إذ كان يعود إلى الوراء بإستمرار، ليس لطلب الكرة فحسب، بل لمساعدة زملاؤه من خلال القيام بأدوار دفاعية يرفض الكثيرون من اللاعبين المهاريين القيام بها، حيث يساعدهم على التصدي لهجمات الخصوم، منع الخطر من الوصول إلى مناطق فريقه، يضغط على الخصم يمتلك الكرة، ويساعد زملاؤه على إستردادها، ثم يطلبها بمجرد أن يتم ذلك، ثم ينطلق بعدها ليمارس سحره ويقوم بما يجيده: صناعة الفارق.
حينما يحصل على الكرة، فإنه يكون قد إتخذ قراره سلفاً بما سيفعله بها والخيار الأفضل:
■ التمرير من لمسة.
■ الإستلام والتمرير.
■ التقدم بها إلى الأمام.
■ مراوغة الخصم الذي يقابله في طريقه ثم وضع زميله في مواجهة المرمى.
■ لعب تمريرة بينية.
■ التسديد.
■ أي قرار سيفيد الفريق أكثر.
تُريد المزيد من الحلول الفردية؟ حسناً، هو يستطيع التعامل مع مختلف الوضعيات الصعبة بأريحية وبرود كبير يُحسد عليه.
كما لا يمكن تناسي حقيقة قدرته على إنقاذ الموقف من خلال قدرته على ترجمة الضربات الحرة المباشرة القريبة من المرمى إلى أهداف بإتقان بالنظر إلى قوة تسديداته ودقتها.
****
هل هذا كل شيء؟
حتماً لا.
حلاوي يمتلك ما هو أكثر بكثير من الموهبة، المهارة، السرعة، القوة، الرؤية، القدرة على المراوغة، التسديد بقوة ودقة، والكثير من الخدع.
هو لديه قدرات وإمكانيات يندر أن تجدها عند الكثير من اللاعبين الذين ينشطون في الدرجة الأولى: الوعي، المرونة التكتيكية، إدراك بأدواره وقدراته، معرفة بما هو مطلوب منه دائماً.
هذا، ربما، يكون مفاجئاً بالنسبة إلى لاعب ينشط في الدرجة الثالثة عادةً!
لكن، الوضع يبدو مختلفاً جداً لحلاوي في ظل تدربه تحت قيادة أبو القاسم شول [شنبو] أبان فترة تدريبه للنجم الأحمر.
****
بطريقةً أو بأخرى، لا بد أن يقود كل هذا لطرح العديد من التساؤلات: لماذا ظل حلاوي قابعاً في الظل كل هذه الفترة دون أن يُلاحظه أحد؟
لماذا لم يُحظى بأدنى إهتمام من أحد خارج نطاق الدرجة الثالثة؟
ولماذا أثارت موهبته كل هذا الجدل والإهتمام الآن؟
الحقيقة أنه يمكن القول بأن موهبته كانت واضحة للعيان، لم يكن ممكناً إخفائها وتواريها عن الأنظار لفترةً طويلة، لأنه كان مؤكداً – عاجلاً أم آجلاً – سيحين الوقت الذي سيصبح فيه محور الإهتمام من قبل الجميع وتحت الأضواء.
فقط، كان ينقصه مسرح أكبر من دوري الدرجة الثالثة ليظهر فيه موهبته وكامل قدراته وإمكانياته ويثبت فيه نفسه، وقد كان.
****
دورة شهداء خور أبو حبل جاءت لتكون ذلك المسرح الكبير الذي إحتاجه، خصوصاً مع المتابعة الجماهيرية الكبيرة التي تُحظى بها، في وقتٍ أصبحت فيه الحدث الرياضي الأكبر في المدينة على الإطلاق.
لذا، فإنه يمكن القول بأن إختياره المشاركة مع رابطة الشهيد كولينا في البطولة بدلاً عن التضامن التي ضمت الكثيرون من زملاؤه من النجم الأحمر كانت قراراً موفقاً وشجاعاً وذكياً منه وخطوة ستصب في صالحه كثيراً في النهاية.
هذه الخطوة لم تعود بالفائدة عليه فحسب، بل إلى كولينا أيضاً بسبب نجاحه في تقديم الإضافة اللازمة والمطلوبة منه، مساهمته في وصولهم إلى نهائي البطولة، إثباته لنفسه، وإظهاره لكامل قدراته وإمكانياته.
فقط، للدلالة على ذلك، فإنه يمكن الوقوف عند الأرقام التي تُشير إلى تسجيله الهدف الأول على الإطلاق في البطولة.
أكثر من هذا أنه نجح في تسجيل هدف وصناعة آخر، المشاركة في كل دقائق اللعب – بإستثناء بعض الدقائق من المباراة ضد الدكاترة في الدور نصف النهائي التي لم يكملها بسبب الإصابة – من المباريات الأربعة التي لعبها فريقه في البطولة.
بإختصار، حلاوي يعتبر الرهان الذي لم يُخيب أبداً، خصوصاً مع نجاحه في التحدي وإثباته مدى إستعداداه للتقدم خطوة إلى الأمام في مسيرته المهنية.