صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

خطبة الجمعة

35

ساخر سبيل

الفاتح جبرا

خطبة الجمعة

 

 

 

 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد :

عباد الله :
إن الله تبارك وتعالى قد يبتلي العباد ويمتحنهم؛ ليعلموا فقرهم وحاجتهم إليه، وأنه لا غنى لهم عنه، رغم ما تقدموا فيه من العلم والتكنولوجيا ، ورغم ما وصلوا إليه في مجالات الطب ورغم ما لديهم من الأموال ، فإن ذلك كله يبقى حائلًا دون كشف الضر الذي لا يكشفه إلا الله، ولا دفع البلاء الذي لا يدفعه إلا الله، إذ لا شاف من المرض إلا الله القائل: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ، ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ ، ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾

عباد الله :
بعد أن سمعنا بوباء جنون البقر، وحمى الوادي المتصدع، وإنفلونزا الطيور والخنازير يتابع كل العالم الآن وباء كورونا الذي ضرب في الصين أولًا، وبدأ ينتشر في أنحاء من العالم مخلفاً أعداداً ضخمة من الوفيات والمصابين هذا عوضاً عن الخسائر الإقتصادية الوخيمة التي نتجت عن إنتشاره ، وقد حار العلماء حتى هذه اللحظة في معالجته مما جعل العالم يدق أجراس الخطر وتتوالى الجهود لمحاربته ووقف انتشاره هذا غير الرعب والخوف من نتائجه ومآلاته.

عباد الله :
لقد عالج الإسلام موضوع الأوبئة، وذلك قبل وقوع الوباء، وكذلك بعد وقوعه وانتشاره؛ فقبل وقوع الوباء لا بد على المسلم الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره فالمرض من الله والشفاء من الله، والموت من الله والحياة من الله، فهذا من الثوابت التي لا ينازع عليه مسلم في اعتقاده، وأن الله تعالى إذا أنزل المرض، فهو الذي أنزل الشفاء منه، علم ذلك من علمه وجهله من جهله؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله عز وجل)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)، وفي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن شريك قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: نعم، تداوَوا عباد الله؛ فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد: الهرم)، وفي مستدرك الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا السام وهو الموت).
ومن هدي الإسلام في التعامل مع الوباء عدم الذهاب إلى الأرض التي ينتشر فيها، وعدم الخروج منها؛ يدل على ذلك ما رواه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم به – يعني: الطاعون – بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه)؛ [رواه البخاري ومسلم]، فنهى عليه الصلاة والسلام عن التعرض للمكان الذي ينتشر فيه الوباء والمرض والخروج منه.
ومن الأحاديث الدالة على أن الإسلام سبق إلى ما يسمى بالحجر الصحي؛ الحديث الذي حذر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الاختلاط بأهل المرض المعدي فقال: (فرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد)؛ [رواه أحمد]، وقال: (لا يوردن ممرض على مصح)؛ [رواه أحمد وأبو داود]
أما عن كيفية معالجة الوباء بعد الوقوع فيه فإن من واجب السلطات الصحية أن تبذل كل ما في وسعها، من جهة الحجر الصحي، مع ضرورة إعطاء اللقاحات والقضاء على مسببات المرض والوباء؛ لأن ذلك من جملة الأسباب التي أمر بها العبد لمدافعة المرض، وكذلك نشر الوعي الصحي المكثف ببيان مسببات المرض، وكيفية تجنبه، وأهم أعراضه وذلك عن طريق وسائل الإعلام وفي ذات الوقت ينبغي أن نقويَ عند الناس جانب التوكل، وتفويض الأمر لله والثقة به جل وعلا تعالى، فيقترن الأمران ببعضهما؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ .

عباد الله:
إذا كانت الدول والشعوب تقلق وتخاف من انتشار الأوبئة والأمراض، وتتخذ كافة السبل، وتجند كل الطاقات لإختراع وإكتشاف الأمصال المضادة مهما كلف ذلك من أموال ( وهذا أمر مطلوب) فعلينا الإنتباه جيداً إلى مرض خطير وفتاك، يفتك بالأمم والشعوب، وضرره على الناس أشد من السموم على الأبدان؛ ألا وهو داء المعاصي والذي تكون الوقاية منه عن طريق الأمر بالمعروف والنهي من المنكر؛ فهو صمام الأمان من هلاك الأمم والجماعات؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ ، فالواجب أن تتكاتف الجهود في القضاء على وباء المعاصي والمنكرات؛ حتى لا تغرق السفينة؛ فالذنوب والمعاصي هي سبب البلاء والنقمة ونزول الآفات؛ فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة.
نسأل المولى جل في علاه أن يحميَنا ويحميَ بلادنا وكافة بلدان العالم من كل آفة وبلاء ومكروه، إنه سميع قريب مجيب وأستغفر الله لي ولكم فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الجريدة

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد