قد لا يختلف كثيرون حول حقيقة أن كرة القدم السودانية ظلت تراوح مكانها لزمن طويل فيما حاول الكثير من الخبراء والمختصين وضع الحلول والمقترحات لتطوير أداء أنديتها ومنتخباتها. وكانت معظم المجهودات تصب في الغالب في مجال تطوير نشاط الناشئين والصغار وفيما بعد استقطاب اللاعبين السودانيين المحترفين بالخارج. وذلك لقناعة معظم الخبراء أن الحل يكمن في صنع جيل من اللاعبين القادرين على تمثيل السودان بالمستوى المطلوب في المسابقات القارية والعالمية والفوز بالبطولات وتحقيق انجازات ترفع اسم السودان كروياً.
وبينما أن هذه الاستراتيجية في تطوير كرة القدم قد تمثل ركناً أساسياً في رحلة تطوير كرة القدم في أغلب البلدان إلا أنها لم تكن بالفاعلية المطلوبة في تحقيق التقدم المطلوب بالنسبة لكرة القدم السودانية لأسباب ترجع إلى عدد من الافتراضات الغير دقيقة و التي تبناها معظم الخبراء ممن عكفوا على وضع الحلول والمقترحات التطويرية وبنوا عليها خططهم ودراساتهم.
ومن هذه الإفتراضات أن المنظومة الإدارية لكرة القدم السودانية قادرة على إدارة المواهب التي ستصنعها أو تأتي بها هذه المبادرات والمجهودات إلا أن الواقع أثبت أن ضعف المنظومة الإدارية دائماً ما تكون أضعف الحلقات و لطالما تسببت في انهيار كل مجهود يتم بذله في مجالات استقطاب وبناء المواهب.
كذلك يعتبر النهج الحالي لإدارة المكون التدريبي للعبة في السودان ليس بالمستوى الاحترافي المطلوب مما ينتج عنه أيضاً الكثير من التحديات المتمثلة في عدم وجود المنظومة المؤسسية والمستدامة التي تنتج الموهبة وترعاها وتهيء لها الدعم المطلوب لتؤدي بالمستوى التنافسي الذي يحقق الانجاز المنشود. وهذا يعني الحاجة الى وضع أسس جديدة ومبتكرة لمنظومة التدريب وصياغة وتنفيذ برامج تطويرية تستهدف المدرب السوداني الحالي والمستقبلي.
من واقع ما نشاهده في بيئة كرة القدم السودانية والتحديات الكبيرة التي تقف في طريق أية مجهودات تطويرية نجد أن أنسب الاستراتيجيات التي يمكن أن تتقدم بمنظومة كرة القدم السودانية هي خلق منافسة محلية حديثة وجاذبة ومربحة تصبح بمثابة المنصة الراكزة والقوية التي يمكن أن نبني عليها عدد من الحلول المبتكرة للمشاكل التي تعيق المسيرة. ويسوقنا هذا المنطق في التفكير الى المكونات التي تقوم عليها هذه المنافسة ألا وهي الأندية السودانية التي تعتبر اللبنات الأساسية في بناء كرة القدم. إن تطوير الأندية هو طوق النجاة الأمثل والأنسب للوضع الحالي ولطالما
ولربما كان في ثنايا النظام الاساسي للإتحاد السوداني لكرة القدم بصيصاً من الأمل للخروج بكرة القدم السودانية مما هي فيه حالياً من غياب للمؤسسسية والنهج العلمي في إدارة مكوناتها الرئيسية. تنص المادة 19 على أن تنشأ رابطة الأندية المحترفة على مستوى الدولة وهي عبارة عن هيئة رياضية تعمل ضمن منظومة الاتحاد السوداني لكرة القدم وعليها أن تعمل على تحديد نظام أساسي يحكم نشاطها ويكون متوافقاً مع أنظمة الاتحادات السوداني والأفريقي والدولي.
ومن خلال عدد من النقاشات التي دارت بيني وبين عدد من قيادات الاتحاد والأندية وجدت توافقاً كبيراً في الرؤى على أهمية انشاء رابطة الأندية المحترفة مع الإقرار بوجود عدد من التحديات التي تقف في طريق تأسيسها. وهذه السلسلة من المقالات تهدف الى وضع خارطة طريق للأندية السودانية من خلال خطوات عملية تساعد الجميع في وضع اللبنات الأولى لرابطة الأندية المحترفة السودانية.
سنعمل على مناقشة عدد من المراحل المطلوب المرور بها وصولاً لتأسيس الرابطة بدءاً من تهيئة الأندية وتأهيلها حسب معايير الأداء المنصوص عليها في منظومة تراخيص الأندية السودانية ومروراً بصياغة النظام الأساسي للرابطة وانتهاءً بوضع المنظومة الإدارية للرابطة وخطة الأعمال التشغيلية والاستثمارية. كل هذه المراحل سيتم العمل فيها من خلال منظومة تعاون بين جميع الأطراف المعنية من أندية واتحادات ورجال أعمال ومؤسسات إعلامية.
ستكون أولى محطاتنا العملية في هذه الرحلة هي تأسيس فريق عمل من أندية الدرجة الممتازة لصياغة خارطة الطريق التي تهدف لتقديم منظومة دعم فنية وإدارية لإدارات الأندية لمساعدتها في تحقيق المعايير المطلوبة للحصول على الرخصة لتصبح بذلك مؤهلة للإنضمام لمنظومة رابطة الأندية المحترفة المخطط لها.
وتجدر الإشارة هنا الى أن أهداف منظومة التراخيص لا تهدف فقط لتأهيل الأندية للإنضمام الى رابطة المحترفين وانما تعمل على الحفاظ على موثوقية ونزاهة مسابقات الأندية على المستوى المحلي والقاري. كما أنها تتيح بإجراء مقارنة مرجعية للأندية من حيث المعايير المالية والرياضية والقانونية ومعايير الإدارة والعاملين ومعايير البنية التحتية على مستوى الدولة. كذلك تعمل منظومة التراخيص على تحسين وتطوير معايير كرة القدم في السودان بشكل مستمر بالإضافة إلى الاستمرار في إعطاء الأولوية إلى تدريب ورعاية الناشئين في جميع الأندية وتحسين مستوى الإدارة والتنظيم داخل الأندية وتنمية القدرة المالية والاقتصادية للأندية ورفع مستوى موثوقيتها وشفافيتها مع توجيه الاهتمام اللازم لحماية الدائنين وتحسين البنية التحتية الرياضية للأندية لتوفير إستادات آمنة ومجهزة بشكل جيد لكلا من الجمهور ووسائل الإعلام.
فلنعمل معاً على صياغة خارطة طريق ومن هنا أدعو كل الأندية على التعاون لنسطر تاريخاً جديداً لكرة القدم السودانية ونؤسس لقصة نجاح سنرى نتائجها في أول موسم لدوري رابطة الأندية السودانية المحترفة.
على الأندية العمل على مناقشة عملية التقييم الإدارية المبدئية وتحديد العوائق وتحليل المشاكل ومن ثم صياغة خطة مفصلة للحلول لكل نادي ليتمكن من بناء مكونات معايير الترخيصز ويمكن طلب الدعم الفني من برنامج التطويرالتابع للإتحاد إن دعت الحوجة. ونأمل بانتهاء العام الحالي أن تكون جميع أندية الدوري الممتاز قد استوفت شروط المعايير الاساسية لتصبح مؤهلة للحصول على الرخصة ومن ثم الإنضمام لمنظومة رابطة دوري المحترفين حسب ما نصت عليه المادة 19 للنظام الاساسي للإتحاد السوداني لكرة القدم
مازن الطيب أبوسن
مستشار التطوير بالاتحاد السوداني لكرة القدم
mazin.abusin@sudanfa.com