هلال وظلال
عبد المنعم هلال
رغم الاختلاف يبقى سيدا أيقونة لا تنسى
،ـ هيثم مصطفى “سيدا” هو بلا شك أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في تاريخ كرة القدم السودانية لم يكن جدله مرتبطاً فقط بأدائه داخل المستطيل الأخضر بل أيضاً بمواقفه وآرائه خارج الملعب وعلى مر السنوات اكتسب هيثم سمعة بكونه شخصية مثيرة للجدل ما جعله محط أنظار وانتقادات جماهيرية وإعلامية مستمرة.
ـ لا يمكن إنكار المكانة الكبيرة التي يحتلها هيثم مصطفى “سيدا” في تاريخ كرة القدم السودانية فقد كان لاعباً استثنائياّ وقائداً بارعاً على أرض الملعب وواحداً من أبرز نجوم الهلال والمنتخب الوطني لكن رغم إنجازاته العظيمة تعرض هيثم للانتقادات في عدة مراحل من مسيرته سواء داخل الملعب أو خارجه وهو ما جعل علاقته مع جماهير الهلال تمر بمراحل متقلبة بين الحب الجارف والانتقادات اللاذعة.
ـ أحد أبرز الانتقادات التي وجهت لهيثم مصطفى كانت متعلقة بمواقفه السياسية خلال فترة الحكومة المدنية في السودان وتعليقه على حجم وسعر الرغيفة وفي تلك الفترة عبّر هيثم عن آرائه بشكل علني وهو ما أثار الجدل حيث رأى البعض أن مواقفه لم تكن متوازنة وأنه تورط في مشهد سياسي معقد أثر سلباً على صورته كرياضي محبوب ومع أن لكل شخص حقه في إبداء رأيه السياسي فإن الخلط بين الرياضة والسياسة غالباً ما يؤدي إلى انقسام الجماهير وهو ما حدث بالفعل مع هيثم.
ـ لحظة أخرى أثارت الجدل الكبير حول هيثم مصطفى كانت مغادرته لنادي الهلال وانتقاله إلى الغريم التقليدي المريخ في 2013 تلك الخطوة جاءت صادمة لجماهير الهلال خاصة أن هيثم كان رمزاً للفريق وعموده الفقري لسنوات طويلة ورغم اعتصامات الجماهير والتوسل والرجاء والبكاء والتهديد بالانتحار لإثنائه عن هذا القرار إلا أن هيثم اختار المضي قدماً في خطوته غير عابئ بالانتقادات أو محاولات التأثير على قراره هذه الخطوة بلا شك أنقصت من رصيده في قلوب الأهلة حيث شعر البعض بأنه خانهم بتوقيعه للند التقليدي مما زاد من حدة الجدل حول شخصيته.
ـ الذي أثار حنق جماهير الهلال أكثر من مجرد انتقال هيثم مصطفى إلى المريخ كان تصرفه خلال إحدى المباريات التي جمعت بين الفريقين ففي تلك المباراة الشهيرة سجل المريخ هدفاً في شباك الهلال واحتفل هيثم مصطفى بطريقة أثارت جدلًا واسعاً بين جماهير الهلال فقد ظهر في لقطة احتفالية هستيرية مصحوبة بتقبيله لشعار نادي المريخ الأمر الذي اعتبرته جماهير الهلال خيانة عاطفية لهم ولتاريخه الطويل مع النادي، تصرف هيثم لم يمر مرور الكرام فبينما رأى البعض أنه مجرد تعبير عن فرح لحظي بالهدف شعر جمهور الهلال بالخيانة معتقدين أن قائدهم السابق لم يكن يجب أن يظهر هذا المستوى من الحماس تجاه منافسهم الأكبر فقد كان الهلال بالنسبة لهم أكثر من مجرد فريق بل جزءاً من هويتهم الرياضية وهو ما جعل تقبيل هيثم لشعار المريخ وكأنه قطع للعلاقة التي جمعته بهم لسنوات طويلة بل هذا الاحتفال بالذات رأوا فيه إهانة لمشاعرهم وللعلاقة الطويلة التي كانت تربطهم باللاعب.
ـ بعد أقل من موسمين قضاهما في صفوف نادي المريخ، انتقل هيثم مصطفى في أواخر عام 2014 إلى نادي الأهلي شندي ليختتم مسيرته الكروية هناك ومع ذلك لا يزال بعض كتاب المريخ يصرون على وصفه بلاعب المريخ السابق في إشارة قد تثير استغراب الكثيرين والحقيقة أن هيثم مصطفى الذي ارتبط اسمه بنادي الهلال لأكثر من 17 عامًا وحقق معه العديد من الألقاب المحلية والإقليمية يعتبر في نظر معظم عشاق الكرة السودانية رمزاً للهلال قبل أي شيء آخر وانتقاله إلى المريخ كان خطوة جريئة لكنها لم تكن كافية لتغيير هويته الرياضية المتأصلة في قلوب الجماهير.
ـ ما يدعو للتساؤل هو إصرار بعض كتّاب المريخ على نسب هيثم إلى ناديهم رغم أن تجربته معهم لم تتجاوز الموسمين ولم تكن مليئة بالنجاحات الكبيرة مقارنة بفترته الطويلة والمميزة في الهلال وقد يكون هذا الإصرار محاولة لاحتواء التاريخ الغني للاعب أو ربما محاولة لتأكيد التفوق الرمزي للمريخ بكونه النادي الذي استطاع استقطاب قائد الهلال التاريخي وتظل هذه التسميات مثار جدل بين جماهير الناديين ولكن يبقى هيثم مصطفى أسطورة الكرة السودانية بغض النظر عن الأندية التي لعب لها سواء كان الهلال أو المريخ أو الأهلي شندي.
ـ بعد اعتزاله اللعب انتقل هيثم مصطفى إلى مجال التدريب فترة قصيرة ولم يحقق النجاح المرجو ثم انتقل إلى التحليل الرياضي حيث انضم إلى قنوات “بي إن سبورت” كواحد من أبرز المحللين إلا أنه حتى في هذا المجال لم يسلم من الانتقادات.
ـ تعرض هيثم لانتقادات تتعلق بأسلوبه في التحليل حيث يرى البعض أنه ضعيف في التحليل الفني وأنه يفتقر أحياناً إلى الحياد بينما يعتبر آخرون أن تحليلاته قد تكون قاسية أو لا تنصف بعض الفرق واللاعبين ومع ذلك يبقى هيثم متمسكاً بأسلوبه الخاص فهو يتحدث من منطلق خبرته كلاعب وقائد عاش اللعبة من داخل الملعب.
ـ رغم كل الانتقادات والاختلافات التي أحاطت بمسيرته يبقى هيثم مصطفى هو “سيدا” اللاعب الذي ترك بصمة لا تمحى في كرة القدم السودانية لم يكن مجرد لاعب عادي بل كان قائداً فذا يتمتع بحضور قوي وشخصية كروية نادرة وموهبة كبيرة وجماهيرية طاغية.
ـ مسيرته الطويلة مع الهلال والمنتخب الوطني وحتى مع المريخ أكدت مكانته كواحد من أعظم لاعبي السودان على مر العصور.
ظل أخير
ـ اختلافنا مع هيثم في مواقفه السياسية أو قراراته الرياضية لا يمكن أن ينقص من إنجازاته وتأثيره الكبير على كرة القدم السودانية فقد كان مثالاً للالتزام والاجتهاد داخل الملعب وقدم الكثير للنادي والمنتخب ولهذا ستبقى مكانته محفوظة في ذاكرة الكرة السودانية سواء أحببناه كلاعب أو اختلفنا معه كمحلل أو سياسي، في النهاية هيثم مصطفى سيظل جزءاً من تاريخ الهلال وكرة القدم السودانية ورغم كل الانتقادات والاختلافات فإن إرثه كلاعب لن يتغير وقد تختلف الأجيال القادمة في تقييمه ولكن ما حققه على أرض الملعب سيبقى خالداً وسيظل “سيدا” رمزاً للكرة السودانية بما قدمه من عطاء وتفانٍ طوال مسيرته.