صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

رفع الدعم.. التبعات والمحاذير

58

للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
رفع الدعم.. التبعات والمحاذير

* يترقب الناس مشروع موازنة العام الجديد بقلقٍ ظاهر، تتعدد أسبابه، لتبدأ بالضبابية التي تسود موجهاته، وعدم خضوعه إلى دراسة كافية، ونقاش مستفيض، مروراً بتأثيرات غياب السلطة التشريعية عليه، لأنها تُعنى بدراسة وتشريح المشروع داخل اللجنة الاقتصادية للبرلمان، ومساءلة وزير المالية عن أهداف الموازنة وإيراداتها ومنصرفاتها بعدة قراءات، وانتهاءً بما رشح عن أنها ستركن إلى تنفيذ روشتة البنك الدولي المحفوظة، برفع الدعم عن السلع الاستراتيجية.
* بدءاً نذكر أنه لا يوجد عاقل يمكنه أن يؤيد استمرار الدولة في بيع الوقود للناس بعّشر قيمته، ولا تحميل خزينة الدولة أكثر من ستمائة مليون جنيه، تنفق على دعم الخبز كل صباح، لكن رفع الدعم عن هاتين السلعتين قبل التحسب لتبعات القرار، وتأثيراته الخطيرة على الشرائح الفقيرة سيعني إصدار حكمٍ بالإعدام على المسحوقين، قبل أي حكومة تقدم على تلك الحماقة بلا تدبر.
* هل تتخيلون ما قد يحدث للفئات المستضعفة حال الإقدام على رفع الدعم عن الوقود والخبز، وتحرير سعر الدولار بشقيه.. الجمركي والعادي، وقبل إعادة تأهيل المؤسسات الاقتصادية، وإصلاح حال الخدمة المدنية، وإقالة عثرة الجهاز المصرفي، ووقف الهدر المتصل بالفساد، ووضع برنامج دعم اجتماعي فعال للشرائح الفقيرة؟
* فعلت الإنقاذ ذلك قبلاً، بقرار أهوج اتخذه الفريق الركابي، وزير ماليتها الأسبق، وقضى بمضاعفة سعر الدولار الجمركي بنسبة مائتين في المائة، فارتفعت معدلات التضخم، واقترنت بالركود، واستعر الغلاء، وتضاعفت أسعار كل السلع، وتفشى الفقر، وشكلت الخطوة غير المدروسة بداية النهاية للنظام البائد.
* قبل أن نستعرض الآثار المترتبة على رفع الدعم لابد لنا أن نقف بدءاً على أرقام صادمة، وإحصائيات مخيفة، نشرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) قبل أيام من الآن، وذكرت فيها أن واحداً من كل أربعة أشخاص في السودان سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية تتعلق بالغذاء في العام المقبل، وأن معاناة السودانيين من غياب الأمن الغذائي سترتفع بعدد الجوعى إلى عشرة ملايين مواطن حال رفع الدعم عن الوقود والخبز.
* كذلك حذر التقرير المزعج من ارتفاع أسعار الذرة والدخن، بعد أن تصاعد ثمن القمح المستورد فعلياً، وأكد أن أسعار الغذاء ارتفعت بأكثر من الضعف في العام الحالي.
* توقعنا من وزارة المالية أن تحرص على عقد مؤتمر اقتصادي موسع، يشارك فيه خبراء مختصون، يتولون تحليل الواقع الحالي بطريقة علمية، ويحددون مواقع الخلل والقصور في البنية الاقتصادية للدولة السودانية، ويجرون تشخيصاً شاملاً للأداء الاقتصادي، يمكنهم من وضع مقترحات بناءة، لحلول ومعالجات فعالة، تضمن تحسين حال الاقتصاد، واستقرار سعر الصرف، ووقف تدهور قيمة العملة الوطنية، ومحاصرة نسب الفقر المتصاعدة، وترشيد الدعم الحكومي كي يذهب إلى مستحقيه، وتحسين أداء المؤسسات الاقتصادية والمالية عموماً، علاوةً على رفع معدلات الإنتاج.
* لم يحدث ذلك، ويبدو أن المؤتمر المذكور ليس مدرجاً في جدول أعمال الدكتور إبراهيم البدوي وزير المالية، الذي استحق النقد الموجه إليه من الزميل الأستاذ الحاج وراق، الذي استنكر الاستعاضة عن المؤتمر الاقتصادي بمشاورات غير شفافة، تمت مع أفراد لا ينطبق عليهم وصف (خبراء).
* رفع الدعم ليس نزهة خلوية، وتنفيذه بلا درسة معمقة، وترتيبات محسوبة سيودي بحياة حكومة حمدوك، وسيفتح الباب أكثر للمتربصين بها، كي ينقضوا عليها، وهمُ كُثر.. فاتعظوا وانتبهوا ولا تتسرعوا، كي لا تندموا حيث لا ينفع الندم.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد