العمود الحر
عبدالعزيز المازري
سيد النيل والصحراء… الهلال لا يُكرم بل يُتوج
في نواكشوط، حيث تنام الرمال على وسادة الكرم، ويصحو المجد من سباته الصحراوي، خطّ الهلال السوداني سطرًا جديدًا في سجل الأندية العربية والإفريقية… لا بكأس ذهبية، بل بدرعٍ شرفيٍّ من ذهب المعاني.
ليس من المألوف أن يُكرَّم نادٍ خارج حدود وطنه، لا لأنه فاز في مباراة، بل لأنه مثَّل القارة والوجدان والعطاء، وهذا ما فعله الهلال حين تُوِّج بطلًا شرفيًا على أرض موريتانيا، في احتفال تاريخي مهيب، نُظّم على ملعب “شيخا بيديا” وسط تصفيق الجماهير الموريتانية وتهليلها… تسلّم الغربال الدرع، فحمله لا بيديه فحسب، بل بأقدام سعت، وقلوب تعبت، وعرق سكبه الهلال في كل ميادين إفريقيا.
إنه الهلال… لا يشبه أحدًا ولا يُشبهه أحد. هو الفريق العربي والإفريقي الأول الذي يتحصل على بطولة شرفية من اتحاد رسمي لدولة أخرى، تقديرًا لعطائه، واحترامًا لتاريخه، وإعجابًا بأدائه. بطولة بلا خصم، ولا صافرة، ولا بطاقات، لكنها بطولة من نوعٍ مختلف… بطولة الأخلاق، والانضباط، والهيبة، والحب المتبادل.
الهلال في موريتانيا لم يكن ضيفًا، بل بدا كأنه في قلب أم درمان، بين أهله وعشاقه. لم يشعر برمال الصحراء لأنه جاء من نيلٍ يشبه الكرم، وصعد من شعبٍ يشبه الوفاء. صافحت الجماهير الموريتانية اللاعبون كما لو أنهم أبناءها، وهتفت بحب لا يصطنع ولا يُشترى… فهل تُقاس البطولة بعدد المباريات، أم بعدد القلوب التي فتحت لك أبوابها؟!
من نواكشوط، نبع النداء: شكراً موريتانيا… حكومةً وشعبًا، اتحادًا وجماهير. شكراً لهذا التقدير الذي لم يُمنح من قبل لفريق آخر. شكراً لأنكم كرّمتم الهلال، لا لأنه جاء، بل لأنه كان كما هو دائمًا… كبيرًا، وافيًا، نزيهًا، ومختلفًا.
من هنا، من على متن هذا الشكر، أقترح –وأنا على يقين أن الفكرة تجد صداها– أن ينظّم الهلال دورة كروية سنوية في نواكشوط تحت اسم “بطولة النيل والصحراء”، تضم الفرق الثلاثة الأولى من الدوري الموريتاني، ويكون الهلال هو الفريق الرابع، البطل الدائم، وصاحب الدعوة. دورة لا تكون مجرد مباريات، بل لقاء قارات، واحتفاء بروح كرة القدم، وتأكيد على أن الهلال ظل وما زال حامل الرسالة قبل الكأس.
في الوقت الذي يمر فيه وطني السودان بظروف قاسية، فإن ما فعلته موريتانيا كان بلسمًا لجراحنا، وكان الردَّ الجميل على أن الرياضة يمكن أن تكون وطنًا آخر حين يضيق بك وطنك، ويمكن أن تكون سارية علم حين يُطوى علمك قسرًا.
الهلال خرج من البطولة بلا هزيمة… لأنه دخلها بالتاريخ، وخرج منها بالتكريم.
**كلمة حرة أخيرة:**
هذا هو الهلال… لا ينتظر الاعتراف من خصم، ولا يفتش عن المدح من إعلام. هو النجم حين يغيب الجميع، وهو الضوء حين تعم العتمة. وإن كانت الكرة تُلعب على أرض، فإن الهلال يعلبها في السماء.
شكراً موريتانيا، لأنكم عرفتم قدر الهلال قبل أن يُعلنه البعض من أهله.