صَابِنّهَا
محمد عبد الماجد
عزيزي العليقي.. خُذ حَظّك من (الشَّغف)
يقول الروائي الأوروغوياني كارلوس ليساكنو في روايته (عربة المجانين): (للسجناء البائسين شغفٌ باستثمار الوقت، لا بُـدّ من القيام بشئ إيجابي، شئ يهب الحياة، لئلا يتحجّر المرء ويستسلم لمشيئة الجلاد).
الدعوة هنا دعوةٌ للحركة.. دعوةٌ للعمل والتجريب.
هذا تحدٍّ آخر.. تتحدّى الجلاد بأن تقوم بشئ إيجابي.
التحدي لا يحدث بدون شغفٍ.
الإيجابية لا تحدث من السُّكون، الإيجابية نتاجٌ حركيٌّ.
الجمود يؤدي إلى الملل القاتل.
في اعتقادي (ودي من خارج الصندوق)، أن العنصر المسؤول على تقدمك وعزيمتك وإصرارك ومواصلتك في المشوار وعدم التراجع هو (الشغف).
توقّفت عند رجل تجاوز التسعين، كان يحكي في لقاء تلفزيوني عن حياته.. كان يبدو سعيداً.. أسنانه مازلت بعدتها كاملةً.. عيونه كانت مثل عيون الصقر.. هذا الرجل قال إنّه عاش حياته بشغفٍ.. تعجّبت من (شغفه)، وعرفت لماذا هو سعيدٌ كل هذه السعادة.
إنّه الشغف.
ونحن صغارٌ، يرسِّلونا الدكان والفرن، ونمشي نجيب اللبن، وندك الحصة الأخيرة ونستمع لعثمان حسين.. كنا نظن أنّ (الشغف) مغامرةٌ غير مضمونة العواقب.
كان (الشغف) عندنا نوعاً من الممنوعات ـ بل نوعاً من المحرمات.
الكلام دا مُهم.. ما تمروا فيه ساكت.
عندما تفقد (شغفك)، تفقد الرغبة والإرادة والروح.
القطة الشغوفة لا تعدم الحيلة التي توقع بها الفأر في المصيدة.
والفأر الشغوف لا يقع في المصيدة!!
الليلة يحلّنا الحلّ بلّه.. (الشغف) دا طلعت لينا بيه من وين؟!
للتوضيح أكثر هنالك أشخاصٌ يظلون يُبدعون في مجالهم حتى آخر لحظة في حياتهم وإن بلغوا من الكبر عتيا.
عتيا دي ما بتلقوها في حِتة تانية.
وهنالك أشخاصٌ يبدعون لفترة مُعيّنة أو لسنوات محددة ثم ينزوون بعد ذلك ويبعدون ويصيبهم الملل والقنوع.
الفاصل بين هذا وذاك (الشغف)، عندما تحتفظ بشغفك تظل تتوهّج في كل حينٍ، لا يغيب بريقك ولا يخبو.
لماذا ابتعد صلاح إدريس وجمال الوالي بعد الحِـراك الكبير الذي أحدثاه في الوسط الرياضي وفي المجتمع بصورة عامة.
صلاح إدريس وجمال الوالي فقدا الرغبة في الاستمرار رغم ثقلهما الذي لا يضاهى في الهلال والمريخ.. حدث ذلك لأنهما فقدا (الشغف)، ربما ينظران الآن إلى تاريخهما الرياضي بشئٍ من الفتور، وربما بشئٍ من الملل.
أحياناً تنظر إلى أشياءٍ كنت جُـزءاً منها على أنها (كلام فارغ)، هذه أسوأ نتيجة يُمكن أن تصل إليها.
زعيم أمة الهلال والبابا الطيب عبد الله ظلّ فعّالاً في الهلال ومتحركاً حتى وهو يتحرّك بكرسي متحرك.
البابا عندما فقد كل شئ، باع بيته من أجل أن يدعم الهلال.. هذا شغفٌ لا حدود له.
الموضوع ما عنده علاقة بالعمر.. الموضوع عنده علاقة بالشغف.. وقد تكون العلاقة الوحيدة هي ما يجمع بين العمر والشغف، إذ يبقى من المعتاد أن يقل الشغف ويضعف إلى أن ينتهي كلما تقدّم العمر.
الكاردينال جاء مهووساً بالهلال، وهو من دون شك كان هوساً حميداً.. عندما فقد الكاردينال هوسه فقد شغفه.. فابتعد.. وكذا الحال بالنسبة لحازم مصطفى رئيس نادي المريخ السابق.
سوداكال ظلّ يلهث ويعمل من أجل أن يبقى رئيساً للمريخ.. وظلّ يقاتل من أجل ذلك داخلياً وخارجياً، لأنه لم يفقد شغفه.
ستنتهي الظاهرة السوداكالية في المريخ عندما ينتهي شغف سوداكال.. الموضوع ما عنده علاقة بالفيفا واللوائح والجمعية العمومية.
أضرب هذه الأمثلة لأوضِّح أهمية (الشغف)، لا تنظروا إليه كشئٍ هامشي أو ثانوي الشغف أكسيد الحياة في الاستمرار والإبداع، هو ضرورة لا بُـدّ منه لتحقيق النجاح.
البعض يعتبره شيئاً من الجنون.. فليكن لأنّ الجنون من صفات العباقرة والعظماء.
الأمثلة على ذلك يمكن أن نضربها في مجالات أخرى.. في السياسة وفي الصحافة وفي الفن وفي الطب وفي أيِّ مجال.
مَارِس عملك بشغفٍ.. سوف تستمتع بذلك كثيراً.
من أقوال الشاعر ملتون: (إنه من الإهانة للطبيعة في موسمها الأخضر، ألّا تخرج إليها لتنعم بذخائر غناها وتحتفل معها بأفراحه).
وقد كان ملتون ضريراً لا يرى.
هنالك فنانٌ يحتفظ بنجوميته إلى آخر لحظة في حياته.. مثل وردي وعبد العزيز محمد داؤود وترباس متّعه الله بالصحة والعافية مازال هو نجم الغناء الأول.. وهنالك نجومٌ تنتهي سريعاً.. يبقوا في النجومية عاماً أو بعض عام، ثم ينقضي أثرهم.
في نجومية مثل اللبن، أو مثل (الزبادي) مدة صلاحيتها مُحدّدة، نجومية (مصنوعة) يجب أن تُحفظ في درجة حرارة مُعيّنة، كما يجب أن تكون بعيدة عن مُتناول الأطفال.
نجومية زي (البيض).
يحدث ذلك كله بسبب (الشغف).
لذلك وصيتي للعليقي نائب رئيس الهلال أن لا يتخلّى عن شغفه.. أن يحتفظ بنصيبه من الشّغف.. عيش شغفك كاملاً، هذا سر المهنة، إذا فَقدَ العليقي شغفه، فَقدَ القدرة على العطاء والاستمرار والبقاء.
الوسط الرياضي وسطٌ صعبٌ.. البقاء فيه بدون شغف أمرٌ قاتلٌ.
الشّغف ليس معنياً به العليقي وحده.. بل هو أمرٌ وشئٌ لا بُـدّ منه لكلِّ شخصٍ يُريد أن ينجح ويستمر.
الشّغف هو الجنوح للتحدي والمُغامرة.. الشّغف هو أن تعمل بحب، وأن تستمتع بما تعمل وتسعد بما تقوم به. الشّغف هو أن تعيش السعادة والإثارة في كل خطوة تقوم بها.
كدا إن شاء الله (الشّغف) يكون وقع ليكم.. نَفَسِي قام متل دافوري يوم الخميس يوم السبت العصر.
أو متل (البوش) الذي تعمله بإحساس (السمك).
حقّق صلاح إدريس في الهلال نجاحات كبيرة، وسجّل في الهلال مهند الطاهر وبشه وبكري المدينة وعلاء الدين فييرا وداريو كان وكلتشي وقودوين ويوسف محمد وإمبيلي وديمبا وسادومبا، وجميعهم حقّقوا نجاحاً منقطع النظير في الهلال، ولكن جمهور الهلال لم ينسَ للأرباب أنه أضاع على الهلال هيثم طمبل.
وسجّل الكاردينال عبد الرؤوف وأبو عاقلة، وسجّل عنوةً من المريخ جمال سالم وشيبوب (والله تسجيل شيبوب دا لغاية الآن ما عارف الكاردينال عملو كيف)؟ المريخاب لغاية الآن ما فاهمين شئ، وعمل الكاردينال الجوهرة الزرقاء من ثلاثة طوابق، مع ذلك جمهور الهلال لم يغفر له أنّه كان السّبب في انتقال بكري المدينة ومحمد عبد الرحمن للمريخ.
سجّل البرير نزار حامد في صفقة تاريخية للهلال وسجّل سانى وكانغا وتعاقد مع المدرب الكبير غارزيتو.. لكن لا ننسى خطأ البرير في شطب البرنس وفييرا.
وكل نجاحات العليقي في الهلال لن تُغفر له إذا فرّط الهلال في أبو عاقلة ولم ينجح في إعادة قيده للهلال.
إذا رحل أبو عاقلة لا قدر الله من الهلال سوف يكون رحيله من الهلال نقطة سوداء في تاريخ العليقي الناصع البياض.. وكلما كان الثوب أكثر بياضاً، كانت النقطة السوداء فيه ظاهرة ومُشوّهة له، وقد تفسده كلياً.
عندما تفقد أو يرحل من فريقك لاعبٌ غير منضبط ومشاكله كثيرة، لا تحزن عليه كثيراً حتى لو كان هذا اللاعب (فلتة)، ولكن عندما يكون اللاعب مُلتزماً ومُنضبطاً وصاحب سلوك قويم وسيرة حسنة، تأسف كثيراً وتحزن عليه عندما يرحل، فكيف إذا كان ذلك اللاعب هو أبو عاقلة صاحب السلوك الجميل والإمكانيات الفنية والبدنية الكبيرة.
أبو عاقلة لا يمكن تعويضه.
المُقابل الذي يريده أبو عاقلة لا أعتقد أنه مبالغٌ فيه.. أبو عاقلة يستحق هذا التقييم وأكثر.
لا بُدّ من القول إنّ أيِّ لاعب يُقيِّم نفسه حسب الطلب وحسب العروض المقدمة له.
لا يوجد لاعبٌ يُقيِّم نفسه من فراغٍ.. والعليقي يفهم ذلك جيِّداً.
إذا كان هنالك عرضٌ للاعب بمليون دولار ليس من المنطق أن يقبل بنصف هذا المبلغ من النادي الذي يلعب له.
يُمكن أن تبيع بيتك الذي ولدت ونشأت فيه.. إذا عاد لك بمبلغ كبير.. إذا حدث ذلك يُمكن أن تبيع بيتك وتنتقل لبيت آخر.. تنسى طفولتك وأيّامك فيه.
ويُمكن أن تتخلّى عن سيارتك إذا عادت لك بمبلغ لم تتوقّعه.. مع أن سيارتك مشت معاك كل مشاويرك في الحياة.
الحكاية ما شعارات ساكت.
علماً أنّ ناس الشعارات هم أول من يبيع.
في كرة القدم يحدث ذلك، المصلحة تفرض نفسها.. لا يُمكن أن تتحدّث عن الاحتراف والاحترافية، وعندما يُطبِّق اللاعب مبدأ الاحتراف تكون أنت أول من يقف ضده..!
دفع الهلال مبالغ طائلة في محترفين لم يُقدِّموا شيئاً.. ومازال يدفع وكل الأندية تفعل ذلك.. لماذا لا يدفع الهلال في أبو عاقلة وهو لاعبٌ وطنيٌّ ومُجرّبٌ ومعروفٌ؟!!
لماذا ندفع في اللاعب الأجنبي ونرفض أن ندفع في اللاعب الوطني وهو أفضل من الأجانب؟!!
بتلك العقلية فَقدَ المريخ سيف تيري وكرشوم وطيفور ومحمد المصطفى وكوكو والتش والجزولي وبخيت خميس.. هذه الأسماء لو كانت موجودة في المريخ لكان المريخ الآن في مكان آخر.
رحيل هؤلاء اللاعبين تُسأل منه مجالس الإدارات وليس اللاعبين.
لاعب كرة القدم في السودان يُضحِّي بعمره وأسرته وتعليمه، ويعطي للنادي أجمل وأفضل عشر سنوات في شبابه، ويُريدون منه بعد كل هذا التّضحيات أن يتخلّى عن حقه ولقمة عيشه..!
اللاعب عندما يفقد القدرة على العطاء يستغنى النادي عنه في لحظة، قد يسمع خبر الاستغناء عنه في عالم الرياضة كما كان يحدث في الماضي وكما حدث لمصطفى النقر وتنقا والريح كاريكا وريتشارد، وقد يسمع بخبر الاستغناء عنه في مواقع التواصل الاجتماعي كما يحدث الآن.
المريخ استغنى من نصف لاعبي الفريق، لأنّ المدير الفني رأى أنهم تأخّروا في الحضور لوجبة الفطور.
والهلال استغنى عن حسين الجريف لأنه تسبّب في تسجيل هدف في شباك الهلال أمام الوصل الإماراتي، وتمّ الاستغناء عن أطهر الطاهر كابتن الهلال لأنه أضاع ضربة جزاء أمام صن داونز.
لماذا تحلّل للأندية أن تفعل ما تشاء في اللاعبين تحت مسمى الاحترافية، وترفض من اللاعب نفس المبدأ؟!
المريخ مَنَحَ اللاعب الكولمبي سانتياغو 300 ألف دولار في السنة براتب يصل إلى 20 ألف دولار في الشهر (في الحرب دي)، ولم يُقدِّم اللاعب للمريخ شيئاً ولم يلعب سانتياغو مع المريخ مباراة رسمية واحدة، والمريخ الآن مُلـزمٌ حتى بعد التخلُّص منه أن يدفع له تلك الأموال من حافز “كاف” في مواسم سابقة.. الحافز الذي كان رمضان عجب وكرشوم ومحمد المصطفى سبباً فيه.. يلموه ناس عجب ويأخذه سانتياغو..!
هنالك لاعبٌ ليبيٌّ لم يحضر للسودان (نجل حفتر جاء السودان، هذا اللاعب لم يحضر)، ما أخذه هذا اللاعب من المريخ أظن أنّ فيصل العجب أعظم لاعبي المريخ في الحقبة الأخيرة لم يأخذ نصفه.
المريخ سوف يدفع للمحترفين الأجانب أضعاف ما كان سوف يدفعه لكرشوم وكوكو ومحمد المصطفى والتش والجزولي وبخيت خميس، ولن ينجح مهما دفع في تعويض هذه الأسماء التي تبدع الآن في ليبيا وتنزانيا ومع المنتخب الوطني.
لماذا يُريد أن يُكرِّر الهلال إخفاقات المريخ في التعاقد مع لاعبيه، مع لاعبه أبو عاقلة؟!
إذا كان الهلال يستنكف عن مُحاكاة المريخ وتقليده في نجاحاته، هل نُقلِّدهم في إخفاقاتهم؟!
أين عقلية العليقي ودرايته وشغفه؟!
أين الشغف؟!
نحن لا نلوم المريخ وحده على التفريط في هذه الأسماء، نحن نلوم أيضاً الهلال.
لماذا لم يُسجِّل الهلال كرشوم وهو مُطلق السراح؟!
ولماذا لا يُسجِّل الهلال عبد الرحمن كوكو ومحمد المصطفى والتش والجزولي؟!
ماذا ينتظر العليقي والبطولة ترفرف حول رأسك؟!
إذا ضاع أبو عاقلة من الهلال فإنّ التاريخ لن يرحم العليقي.
الهلال الآن وهو مُقبلٌ على مرحلة مُهمّة في البطولة الأفريقية، وهو مرشحٌ للترقي إلى مراحل مُتقدِّمة في البطولة الأفريقية، هو في أشدّ الحاجة للاعبه الوطني أبو عاقلة عبد الله.
وكرشوم.
والجزولي.
ومحمد المصطفى.
الفرصة مُواتية أمام العليقي.. التاريخ يفتح لك أبوابه.
أبو عاقلة أولاً.
وثانياً.
وثالثاً.
ثم أدخل بعد ذلك على كرشوم ومحمد المصطفى والجزولي نوح.
والله يسهِّل ليك.
عليكم الله ما تكلموا زول.
الكلام دا ما يطلع من العمود دا.
خلوه بيني وبينكم.
…
متاريس
طبنجة بقى عليه برد وجان كلود!!!
طبيعي جداً كرشوم ومحمد المصطفى وصلاح نمر وعبد الرحمن كوكو ما يقعدوا في المريخ بعد ما شافوا أداما كوليبالي.
مزمل أبو القاسم ذاتو تاني ما بقعد ليكم.
يا زول أداما كوليبالي دا ما كوليبالي نصاح.
غايتو أنا البهدلة الشُفتها في طبنجة ومصعب مكين وبابجندا بسبب جان وكوليبالي في الحرب دي ما شُفتها.
مُسيّرات جان كلود ما بتجلي.
قالوا ليك مصعب مكين بفكر بصورة جادة يمرق ليبيا.
والله إنت يا صلاح نمر عرفتها.
الله شَافك.
…
ترس أخير: غايتو يا ناس المريخ الدورة الثانية في الدوري الموريتاني، وقبل لقاء الهلال إلّا تعملوا (هيثم كابو)..!!