للعطر افتضاح
د. مزمل أبو القاسم
عسكوري مالو زعلان ؟
* في البدء لابد لنا أن نُحيي السلطة الانتقالية، ممثلةً في أعضاء مجلسي السيادة والوزراء، والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، ونشيد بتعاملهم المسئول والراقي مع السلطة الرابعة في ملف صفقات (الفاخر)، بالاستجابة لما كتبناه، وتكوين لجنة للتقصي في ملابسات القضية.
* تلك لعمري نقلةٌ رائعةٌ، ولفتةٌ بارعةٌ، تليق بإرث الثورة، وتحسب لحكومتها، وتشبه تضحيات شبابها، الذين قدموا أرواحهم فداءً للتغيير، ونذروا أنفسهم حرباً على الفساد، وشدخوا عنان السماء بهتافهم الخالد.. (سلمية سلمية ضد الحرامية).
* أشعرنا القرار بالفرق بين ما كان وما هو حادثٌ الآن، حينما كانت الصحافة تدفع الثمن غالياً بالمصادرات والاعتقالات والاستدعاءات والحظر من الكتابة وإغلاق الصحف بقراراتٍ أمنيةٍ جائرةٍ، لم تمنع السلطة الرابعة من مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين، مثلما فعلت هذه الصحيفة في قضايا عديدة، كتحقيق الزلزال الأشهر، وفساد منظمة مجذوب الخليفة، وتجاوزات صندوق إعمار الشرق وغيرها، ومثلما فعل زملاء أعزاء لنا، فضحوا فساد الاتصالات وشركة الأقطان وسواها.
* لذلك يحقّ لنا أن نمدح القرار، ونهلل له، ونحتفي به، ونشيد بمن تبنوه، لأنهم لبّوا به بعض أشواق الثورة وشبابها الأماجد، واحترموا به دماء وتضحيات من نذروا أنفسهم فداءً لمستقبلٍ أفضل، يصبح فيه التعدي على المال العام من كبائر الذنوب التي تستوجب الشجب والرفض والمحاسبة.
* حوى القرار تقديراً خاصاً، وتعظيماً واضحاً لدور الصحافة كسلطةٍ رابعةٍ، باتت تُمارس دورها في مراقبة الشأن العام بكل أريحية، لكشف التجاوزات وضبط الأداء الحكومي ومراقبته، من دون أن تخشى على نفسها من القمع والعقاب.
* نثبت هنا بكل فخرٍ وسرورٍ أننا لم نتعرض لأي مضايقاتٍ إلا من بعض المتشنجين الذين يمارسون الإرهاب الفكري في وسائل التواصل الاجتماعي لكل من ينتقد السلطة الجديدة، توهماً منهم بأن الصمت على أخطائها يحميها.
* أولئك لا اعتبار لهم لدينا، لأنهم أخطر على الثورة من خصومها، لأنهم يمثلون الصديق الجاهل، ونحن لا نخشاهم، ولا نعبأ بأسلحة التخوين الصدئة التالفة التي يستخدمونها، ونتوقع لها أن ترتد عليهم، لأننا محصنون ضدها بحمد الله.
* أرشيفنا يشهد لنا أننا لم نتصالح مع الفساد مطلقاً، ولم نكف عن محاربته وفضح الوالغين فيه حتى على أيام الكبت والإرهاب، فكيف نتردد وننكص عن ممارسة واجبنا تجاه الوطن وأهله بعد أن أشرقت علينا شمس الحرية بأمر شباب الثورة وشهدائها الأماجد؟
* القرار مفرح لأنه مسئول، ويدل على أننا ودعنا عهداً كان فيه الحق العام مستباحاً ولا بواكي له، واستشرفنا صبحاً جديداً لا يصح فيه أن يبقى مال الشعب بلا حراسةٍ من السلطة الرابعة.
* رد القرار بأبلغ لسان على السيد علي عسكوري، مدير السلع الإستراتيجية في وزارة المالية، الذي انتفخ وهاجم الصحافة وعاب عليها عدم الحضور إليه للحصول على المعلومات المتعلقة بصفقات شركة الفاخر بفسادها الظاهر، مدعياً أنها تكتب بلا معلومات، ويحركها الغرض.
* ماذا سنستفيد نحن على الصعيد الشخصي لو استمرت تجاوزات وزارتكم لصالح الفاخر، وماذا سنخسر لو أخرجت منها بالباب بعد أن دخلتها بالنوافذ؟
* كيف يريد منا أن نسأله عن تفاصيل التجاوزات المثبتة بعد أن أحطنا بها علماً، ووثقناها بمستنداتٍ لا تقبل الدحض ولا النقض؟
* بل كيف نسأل عسكوري تحديداً عنها وهو الذي أتى إلى منصبه الحالي قبل أقل من ثلاثة أسابيع، وبالتحديد في السادس عشر من أبريل الماضي، علماً أن خطاب الوزير الذي أعلن فيه صفقة الفاخر المريبة المعيبة صدر في التاسع من شهر ديسمبر المنصرم، أي قبل تعيين عسكوري الزعلان بأكثر من شهرين!
* ثم.. ألم نسأله مع غيره في هذه الصحيفة عشرات المرات؟
* ذكرني موقفه بنكتة بطلها أحد أهلنا الرباطاب، عندما أصيب ابنه في حفلٍ آخر الليل، فأخذه إلى الطبيب في داره فانزعج المُعالج من قدومهما إليه، وقال للأب (الوقت مزعج.. كان تجيبو بدري)، فرد عليه الأب ساخراً (بدرياً متين.. قبُال يتفلق)؟
* نسأل السيد عسكوري (نجيك متين.. قُبّال تتعين)؟
* كيف يدعي صاحبنا أن المالية لا تمتلك أي اتفاقٍ يربطها بالفاخر بعد أن أقرَّ وزيرها به وأثبته بخطابٍ رسمي وجهه إلى البنك المركزي، ونشرناه في هذه الصحيفة، وابتدره بعبارة: بهذا فقد تقرر وفق آليةٍ تم “الاتفاق عليها” بين وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وشركة الفاخر؟
* أيهما نصدق.. البدوي أم عسكوري؟
* ما علينا.. لأننا سننتظر نتائج التحقيق، وسنحسب للجنة عُدتها، ونرجو لها مصيراً مختلفاً عن ما حاق بلجانٍ مماثلةٍ، بلغ تعدادها العشرات، ولم تنتج سوى السراب.
* إنا لمنتظرون.