صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

عندما تصبح أقصى طموحاتنا أن تكون بطارية الموبايل فوق الـ50%

408

صَـابِنَّهَا
محمد عبد الماجد

عندما تصبح أقصى طموحاتنا أن تكون بطارية الموبايل فوق الـ50%

في الظروف غير الطبيعيّة، لا يُمكن أن تصل إلى وضع طبيعي، والوضع المثالي يتحقّق في الظرف المثالي، قد تكسر القاعدة في حالات استثنائية، ولكن حتى ذلك يتحقّق في ظرف استثنائي.
تختلف الرؤية من شخص إلى شخص، ويختلف النجاح من نجاح إلى آخر، حتى (النصر) كل طرف يُفسِّره بطريقته، خاصةً في الحروب وهي معارك لا يوجد فيها خاسرٌ، أو لا يعترف فيها من يخسر..كلهم يدّعون أنهم انتصروا، حتى في ظل كل هذه الخسائر.
مرة كان عباس محمود العقاد يحكي بفلسفته عن صورة واحدة تثبت تباين الرؤى.
يقول العقاد:
قال أستاذٌ يدعي النشاط: إنّ العصفور المبكر يلتقط الدودة قبل إخوانه..؟
فأجابه تلميذٌ قليل الادّعاء: ولكن الدودة المبكرة هي التي تموت في منقار العصفور.
هذا التلميذ تَفَـوّق على أستاذه وأثبت أنّ (البكور) يمكن أن ينتفع منه طرفٌ، ويمكن أن يتضرّر منه طرفٌ آخر، لهذا لا تنظر إلى الأشياء من منطلق واحد.
أتعجّب من الذين يُطالبون من الهلال الآن الإجادة والإتقان ونحن في هذه الظروف، وينتظرون اللقب وهم كانوا لا عشم لهم فيه والبلاد مستقرة وآمنة.
قد يكون من الغرابة أنّ الهلال حقّق هذه المرة في مرحلة المجموعات والبلاد في حالة حرب ما لم يُحقِّقه والبلاد في حالة سلم وأمن وأمان.
بل إنّ الهلال مع كل معاناته كان هو أول المُتأهِّلين، وقد حقّق ذلك قبل أندية تعيش ظروفاً مثالية، وتنعم بالسلام والاستقرار.
لم أكن أتوقّع ولا كنت أحلم أن يصل الهلال إلى مرحلة من القوة تجعل الأزرق حتى إن خسر مباراة في البطولة الأفريقية، يقولون إنّ الهلال فَـوّت المباراة..!
خسر المريخ قبل نهاية الدورة الأولى في الدوري الموريتاني (4) مباريات، وخسر الهلال مباراة واحدة في كُبرى البطولات الأفريقية، فاتُّهم الهلال بالتفويت..!
هل المعاناة تولد الإبداع؟ هل هذا الذي وصل إليه الهلال هو الإبداع الذي تولده المعاناة؟
مُهمٌ أن أُفسِّر هذا القول الشائع (المعاناة تولد الإبداع)، وأقول إنّ الإبداع أمر (فني)، أو (فكري)، وربما يكون (وهمي)، أو (معنوي)، أو (حسي) غير عيني، يبعد عن الحقيقة والأرقام والنتائج.
صحيحٌ أنّ الكثير من الاختراعات والأعمال العظيمة في مجالات مختلفة بدأت من نقطة (الإبداع)، وخرجت من رحم (المعاناة)، ولكن في النهاية هذه الأمور تحقّقت بعد أن زالت المعاناة، وبعد أن توافرت لها الظروف المثالية للخروج والظهور والنمو.
يقول العقاد عن الأديب الفرنسي المعروف بلزاك وهو أبو القصة الحديثة:
بلزاك.. سلخ أيام شبابه وهو يحاول ويعيد المحاولة، فلا ينتقل من خيبة إلا إلى خيبة في جميع مُحاولاته، ومنها التأليف.. ومن طرائف المفارقات في هذه المحاولات أنّ عضواً من أعضاء المجمع الفرنسي الملقبين بالخالدين قال له، وقد اطلع على بعض مُحاولاته الباكرة: جرِّب يا بني حظّك في كل صناعة.. إلا صناعة القلم، فلا حظٌ لك منها ولا حظٌ لك فيها.
أراد أن يكون ناشراً فأفلس، وأراد أن يكون طابعاً فأفلس، وأراد أو أُريد له أن يشتغل بالتسجيل فأخطأه التوفيق، فلما أصاب النجاح كان في زمانه مثالاً منقطع النظير بين الناجحين من الأدباء.
لم يكن معدوداً من طلاب العلم المُفلحين وكان ينتابه شرود الذهن وهو يستمع إلى مُعلِّميه، وينتابه السأم كلما راجع دروسهم في داره.
هذا ما كتبه العقاد عن بلزاك.. الزول دا الواجب المدرسي كان عنده فيه مشكلة.. نحن هسع لو عندنا طالب أخل بالواجب الدراسي نسمِّعه مليون كلمة فارغة، نُحطِّمه ونُدمِّره ونقضي عليه..!
بلزاك هذا عاش في المعاناة حقاً، ولكن إبداعه خرج به من المعاناة، لو استمرت المعاناة معه كانت سوف تقضي على إبداعه وعليه هو.
لذلك نقول إنّ ما يُحقِّقه الهلال الآن هو نتائج وأرقامٌ، وهو ليس مجرد (إبداع)، والنتائج والأرقام تقتلها المعاناة ولا تولدها كما تفعل مع الإبداع.
علينا أن نفهم ذلك جيداً.
صحيحٌ يُمكن أن يؤدي الإبداع إلى نتائج وأرقام وبطولات، ولكن لكي يتحقّق ذلك لا بد من أن تكون هناك ظروفٌ مثالية، وأن لا تكون هناك معاناةٌ دائمةٌ.
المعاناة الدائمة قاتلة، فلا تُروِّجوا لها ولا تحللوا لها باسم الإبداع.
قبل سنوات، صُدمنا بكاتب ومُبدع سُوداني قتله البرد في أرصفة القاهرة.. هذا المُبدع قتلته المعاناة أم قتله الإبداع؟ على مَن نُقيِّد الاتّهام في تحريات القضية؟
إذاً، علينا أن ننتصر أولاً على المعاناة وأن نتغلّب عليها إن لم يكن بالقضاء عليها فليكن ذلك بالصبر والجَلد والإيمان، وهي أمورٌ صعبٌ أن تتوافر في عالم كرة القدم.
علينا أن نتغلّب أولاً على المعاناة حتى نبدع بعد ذلك.
الشعب السوداني يعاني الآن وهو لا يُبدع، لأنّ الحياة متوقفة، الإبداع سوف يأتي بعد أن تنتهي المعاناة وتقف الحرب.
الإبداع في هذه الحرب يتمثل بأن تموت واقفاً، وأن لا تنكسر.. أبقى مُتمسِّكاً بمواقفك ومبادئك.
الجميع هنا يطالب بالانتصارات، ينسون كل شئ وفي الوقت الذي نخسر فيه كل شئ ويخسر الوطن. نُطالب من الهلال أن ينتصر.
علينا أن لا نجعل طلباتنا وطموحاتنا للهلال مُعيقةً له.
كثيرون قالوا إنّ الهلال في هذا الموسم أبدع وحقّق هذه النتائج، لأنه كان بعيداً عن جماهيره وإعلامه، وكان خالياً من الضغوط التي كان الجمهور والإعلام يضعانها على الهلال.
صديقي المُبدع التاج محمد الحسن كلما يُقابلني يقول لي السبب في تألق الهلال إنه ابتعد عن الجمهور والإعلام، والتاج لا يرميني بذلك وينسل، باعتباره هو من جمهور الهلال إذا كنت أنا من إعلامه.. أنا لا اتّفق مع هذا الرأي، ليس لأنه يرمي اللوم علينا كإعلام وجمهور، حيث أرى أن أي فريق يعجز من أن يتعامل مع الضغوط والإعلام والجمهور لن يُحقِّق بطولة، مطلوب من أي فريق إذا أراد أن يُحقِّق بطولة أن يكون قادراً على التعامل مع الضغوط، ليس مطلوباً منّا كإعلام وجمهور أن نرفع عن الهلال الضغوط بشكل كامل، ولكن مطلوبٌ من الهلال أن يعرف كيف يتعامل مع تلك الضغوط، وكل الأندية التي تُحقِّق البطولات تعيش تحت هذه الضغوط التي يُسبِّبها الإعلام والجمهور، لذلك مَن يُحقِّق البطولات هي الأندية التي تملك إعلاماً وجمهوراً، وهي الأندية التي تعيش تحت الضغط وتعرف كيف تتعامل معه، وهذا ردي للصديق الفاضل التاج.
قد تكون ظروف الحرب هي التي رفعت الضغوط عن الهلال، لأنّ جمهور الهلال وإعلامه حاضران بقوة الآن على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الميديا والفضاء بصورة أكبر حتى وإن كان الهلال يلعب خارج أم درمان.
علينا فقط أن نضبط طموحاتنا وأحلامنا، وأن نتعامل مع الهلال كما هو وليس كما نحلم.
لا تحلموا بهلال بدون خسارة وبدون أخطاء، هذا أمرٌ لا يتحقّق لأندية في حجم برشلونة والريال وميلان وليفربول وسيتي والارسنال وهي تعيش في ظروف طابعها الرفاهية، وتمتلك مقوّمات أكبر وأعظم من مقوّمات الهلال.. حتى بالنسبة لأندية أفريقية منافسة للهلال في هذا الموسم نقول إنّها تمتلك مقوّمات وظروفاً أفضل من الهلال.. علينا أن لا ننسى ذلك، وأن لا نطلق العنان لأحلامنا لنطلب من الهلال فوق طاقته.
علينا أن نعلم إن حقّق الهلال البطولة أو تقدّم فيها، إنّ ذلك يحدث من باب الاستثناء والاحتمال وليس من باب القاعدة والوجوب.
أنا أحلم باللقب الأفريقي مثلكم تماماً وربما أكثر وأتمناه، والهلال لا شك يلعب من أجل ذلك، لكن إذا فشل الهلال في هدفه هذا لا يعني أن نشنق الهلال في ميدان عام.
لو خرج الهلال من مرحلة المجموعات كما ظل يخرج في المواسم السابقة فلن ألوم الهلال، إذا قبلنا من الهلال ذلك وهو يلعب في أم درمان والبلاد مستقرة، ألّا نقبل بذلك والبلاد في حالة الحرب والهلال يلعب خارج دياره؟!
اضبطوا ضغوطكم على الهلال، وسيطروا على أحلامكم حتى لا تخدعكم، واعلموا أنّ الهلال وصل لدور ربع النهائي في كُبرى البطولات القارية، في الوقت الذي نعيش فيه نحن في منطقة الوصول فيها للسوق غير ممكن وغير مُتاحٍ.
إذا خسر الهلال مباراة فهذا أمرٌ يبقى أكثر من طبيعي، والغالبية من أبناء بلادي فقدوا سيّاراتهم، بل فقدوا أرواحهم وأبناءهم، علينا أن لا ننسى تلك المواجع، وأن نضع العذر للهلال في حالة الخسارة، وأن نمنح الهلال القبول في كل خطوة يخطوها.
مطلوبٌ منّا أن نتماسك في حالة الخسارة أكثر من تماسكنا في حالة الفوز، علينا أن نفعل ذلك مع الوطن ومع الهلال ومع كل الصِّعاب التي تُواجهنا.
إذا جعلتنا هذه الحرب أكثر تماسكاً وأكثر وحدةً، فإنّنا لم نخسر شيئاً.
انتصارنا الحقيقي في هذه الحرب في وحدتنا وتماسكنا.
خرج المواطنون في العاصمة والجزيرة والفاشر ونيالا من بيوتهم، فكيف لنا أن نتعجّب أو أن نسخر إذا خرج الهلال من البطولة الأفريقية التي يلعب فيها بعيداً عن الوطن وبعيداً عن الجمهور؟!
إنّنا نحلم بلقب الأميرة السمراء، في الوقت الذي تكون فيه أقصى أمانينا وأحلامنا هي أن نشحن الموبايل وأن تكون البطارية فوق الـ50%، طموحاتنا لا تتجاوز هذه النسبة حتى في بطارية الموبايل.
هذا واقعٌ نعيشه الآن، علينا أن نُغيِّر واقعنا هذا إذا أردنا أن نُحقِّق طموحاتنا.
علينا أن نشكر الهلال ونجلّه، لأنه فرض علينا أن نتحدّث عن الأمل والطموح والفرح حتى ونحن في هذه الحرب التي فقدنا بسببها الكثير.
شُكراً للهلال، لأنه كان حديثنا في الوقت الذي صار الحديث فيه بالرصاصة والبندقية والدبّابة والمليشيا.
إنّنا نتحدّث عن الخراب، وعن الدمار، وعن الألم والوجع والحُزن والموت ولا نتحدّث عن الفرح إلّا عندما نتحدّث عن الهلال.
شُكراً للهلال، لأنّنا في هذه الظروف التي تمر بها البلاد نطالبه باللقب الأفريقي، بل إنّ البعض أصبح يرشحه لذلك.
شُكراً للهلال، لأنّه جعلنا لأوّل مرة في تاريخنا ندخل الجولة الخامسة في المجموعات بعد أن حسم أمر تأهُّـله.. الهلال الآن يبحث عن رفاهية صدارة مجموعته.
وصلنا حدّاً من الرفاهية، حدّاً يجعل الهلال يتصدّر مجموعته حتى في حال خسارته لا قدر الله أمام مازيمبي إذا فاز يانغا أفريكانز على مولودية.
عندما نكتب عن الهلال نكتب عن الوطن، نكتب عن السودان، فما كان هلالنا هذا إلّا للسودان وما قام إلّا من أجله، كفى أنّه يقدم رسالته الآن ليثبت إنّ السودان باقٍ، وإنّ السودان عظيمٌ ومنتصرٌ بإذن الله.
سيظل السودان شامخاً كما نريد له، إن لم يكن اليوم ففي الغد القادم بإذن الله.
وسينتصر الهلال ويتصدّر بعرق جبينه دون أن ينتظر هدية من يانغا أفريكانز كما انتظرت المولودية هدية من الهلال.
بيدنا لا بيد يانغا.
وعشت يا سُودان.

متاريس
تاني عاوز أقول شنو؟
الكلام طَــار من رأسِــي.
الكثير من الأفاضل والجميل من قصاصات القراء الكرام ورسائلهم، من بينهم الأخ الأصغر المريخابي عبد الله أحمد سوف أعود إليهم لاحقاً، وهم قد أكرموني بتعليقاتهم ورسائلهم.
بيننا وبينكم عُشرة وعمود.
الأهلي المصري اختزل وجوده كله وانتصاراته في امام عاشور.
أين حسين الشحات ومحمد مجدي أفشــة؟
برشلونة يا تفوز بالخمسة يا تخسر المباراة.
هل ينتظر الهلال نهاية مبارياته في مرحلة المجموعات حتى يعلن عن صفقاته الجديدة؟
أعتقد ذلك.
في الهلال لا يوجد بدلاء للأطراف غير فارس عبد الله.
ياسر جوباك إذا لعب في الوسط سوف يقضي على تحرُّكات المنافسين في الوسط.
الهلال يحتاج للاعب في الوسط بهذه الحيوية والنشاط والحركة.
أين اختفى اللاعب أحمد عصمت كنن؟
سيرجي بوكو كان لاعباً رائعاً، لكنه لم يقدم ما كان يُنتظر منه.
على الهلال أن يعطي مبارياته في الدوري الموريتاني أهمية زيادة، وغير مقبول أن يفقد الهلال نقطة أخرى في الدوري الموريتاني.

ترس أخير: للأذكياء فقط، وغير الأذكياء أيضاً العامل المُساعد، والحل يتمثل في حذف إجابتين، (الكلام دا مفهوم والّلا نرجع ليه بعد الحرب؟)، ذكِّروني برجع ليه بعد نهاية الحرب.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد