مذاق الحروف
عماد الدين عمر الحسن
عندما كانت الفينا مشهودة..
من منا كان يستشعر النعمة التي يعيشها عندما يعود الي منزله مساء كل يوم بعد قضاء اعماله وفراغه من شغله ، من منا كان يعرف ان مجرد وجود هذا الظل الذي سيأوي اليه والسرير الذي سيضع عليه رأسه هو اكبر نعمة وفضل من الله يستحق الشكر عليه ، الواقع اننا كنا نفعل ذلك بشكل تقليدي وروتيني ، نفتح الباب وندخل فنتمدد وننوم ثم نستيقظ غير مدركين لحجم العطاء الذي نلناه بوجود ذلك الامان الذي يوفره البيت . وكل البيوت في ذلك سواء ، القصر والبيت العادي بل وحتي العشة الصغيرة ، كلها قادرة علي توفير ذلك الامان ، وهذا الحديث قد عرفه تماما اهل الخرطوم الذين تفرقوا علي الولايات بحثا عن هذا الامان ، خاصة من نزح منهم عند اقارب او معارف لأنه لم يستطع الي الايجار سبيلا .
كثيرة هي القصص التي يرويها بعض النازحين عن تذمر اصحاب البيوت منهم وعدم القبول بوجودهم ، وتتفاوت حالات عدم القبول هذه فتمتد من مرحلة ( لوي البوز ) الي المطاعنة في الكلام ، بل وقد تصل الي درجة الطرد من المنزل .
أما الايجارات فحدث ولا حرج ، فقد بالغ اصحاب العقارات ورفعوا الاسعار الي مبالغ خرافية لايستطيعها الانسان حتي في ظروفه العاديه فكيف بمن فقد كل ماله ومصدر دخله بسبب الحرب .
من يصدق أن قضاء ليلة واحدة في فندق اكثر من عادي في مدينة عطبرة يكلف اربعين الفا من الجنيهات ، وان منزلا يتكون من غرفة واحدة وحمام بدون مطبخ يؤجر بمليون جنيه لمن استطاع اليه سبيلا .
لا اجد اسبابا لذلك غير الجشع واستغلال الغير ، فنفس هذا الفندق قبل الحرب كانت الغرفة فيه توجر بعشرة الاف لليلة ، وكان صاحبه يحقق ارباحا من تلك القيمة ، وإلا لما استمر في العمل ، ولا زيادة حدثت في تكاليف التشغيل ، فما الذي حدث غير الجشع والاستغلال .
من كل ما سبق نخلص الي نتيجتين ، الثانية ان الانسان لا يعرف قدر النعمة التي يعيشها الا اذا فقدها ، أما الاولي ان تغيرات كبيرة قد ضربت ابناء هذا البلد في صفاتهم وأخلاقهم فتحولوا من درجة ( الفينا مشهوده وعارفانا المكارم ) الي تجار أزمات من الدرجة الاولي والله المستعان …