صَابِنَّهَا
محمد عبد الماجد
عِشْـنَا الحَـرب بدون حرف الـراء
كان أبو القصة الفرنسية بلزاك يقول إنّه كثيراً ما كان يُصادف وقائع في الحياة تتعارض مع أفكاره، فكان لا يتردّد عن التضخية بأفكاره وإثبات هذه الوقائع. هذا الكلام أعيده لكم لقيمته.
أحياناً أنت ككاتب ملزم بنقل الواقع حتى لو كان لا يتوافق مع أفكارك وقناعاتك، إلى هذا أشار بلزاك، مع ذلك علينا أن نجمِّل واقعنا ولو كان مترعاً بالأحزان ـ ليس أمامنا خيارٌ لحياة أخرى في هذه الدنيا، لذلك نعيش حياتنا كما نريد، لا كما يريدون لنا.
في هذه الحياة، اللحظة التي تفوت لن تعود مرة أخرى، فاحرص أن تكون جميلة أو على الأقل سعيدة، والسعادة شعورٌ ذاتي تستطيع أن تحققه حتى وإن كنت بين الركام والحطام.
الطفل السوري الذي انتشلوه جثة هامدة من مياه المحيط بعد أن لفظته كان مبتسماً ـ ابتسامته تلك هزم بها الظروف والمعاناة والخصوم.
لعله كان يسخر من الجميع ويقول لهم ها أنا راحل إلى من لا يُظلم عنده عبد. ذهبت إلى دار البقاء والخلود والعدل، بعيداً عن إبداء القلق أو إظهار الانزعاج أو الدعوة للحيطة والحذر للأمريكان الذين يتواجدون في مناطق النزاع والكوارث.
وكأن الأمم المتحدة لا يعنيها في الأرض غير سلامة الأمريكان واليهود.
لا تعطي عدوّك فرصة أن يسيطر على مزاجك وشعورك ـ يمكن أن يسيطر بحكم القوة على أرضك ـ مالك ـ سيارتك ـ وظيفتك ـ حريتك ـ يمكن، ولكن لا تدعه يسيطر على مزاجك، حتى لا ينتصر عليك، الانتصار الحقيقي هو أن تحافظ على أخلاقياتك وقيمك ومُثلك، حتى وإن داسوا على كرامتك.
إذا أجبرك خصمك على أن ترد الإساءة بالإساءة فهو بذلك انتصر عليك، وهو بهذا نجح في مرماه، ومخططه، لأنّك حينها سوف تكون بتلعب في ملعبه.
في هذه الحرب، تعلمنا أنّ كل الأشياء قد تموت، بما في ذلك الآمال والأحلام، عندما يصبح حلم الإنسان (لقمة عيش)، حتى وإن كانت لقمة جافّة وحافّة تعافها الفيران، يبقى لا قيمة للأحلام.. أبوحنيفة قال لا يستشار من لا في بيته دقيق.
يُقال صوت المعدة أقوى من صوت العقل. هؤلاء الذين التقي بهم، ماتت في نفوسهم كل الأشياء، إلّا عشق الهلال، حتى أصوات معدتهم تنطق بالهلال، تكورك به.
أشهد الله أنه في إحدى الأيام المحتشدة بالوجع والقراحات، جاءني في داري، رجلٌ سبعينيٌّ، أو ربما كان ستينياً ولكن الحرب أضافت لعمره عشر سنوات أخرى، كان يمشي على مهل، جاء من أقصى المدينة يسعى، لا يسأل مالاً ولا خبزاً ولا دواءً، مع أنه يفتقد خمسة أدوية حافظة للحياة، ويعاني من فقدها وهو مهدد بأن يفقد حياته إن لم يجدها، كان يشكو من القلب ومن الضغط والحركة ويعاني في صمتٍ، هذا الرجل في يوم دامٍ تتصاعد فيه ألسنة الدخان في السماء جاء يسألني عن نتيجة مباراة الهلال.
الهلال كيف؟ وكأنه كان يسألني عن صحتي أو أولادي.
قلت له مثلك ينبغي أن يسأل عن الأدوية التي يفقدها ولا يعيش بدونها، فقال لي أو كأنه قال إنّ دوائي في الهلال وإنّ انتصارات الهلال هي التي تمنحنا القُـوة والصُّمُـود والخُبز والسُّكّر والدواء.
ولا شك أنّ انتصارات الوطن أعظم.
في هذه الحرب، ننتظر مباريات الهلال خِلسةً لنمارس سعادتنا كما نشتهي.
نضحك ـ نتونّس ـ ننسى الحرب أو لا نبالي بها تمنعاً لا امتناعاً.
لا أنقل لكم صورة خيالية، أنا أتحدّث عن رجل اسمه (الزبير)، مازال هذا الرجل كلما التقاني يقول لي: أهـا الهلال عمل شنو في التسجيلات؟
لا تهمه في كل هذه الأخبار الرائجة غير الهلال.
هل يعلم السوباط والعليقي وفلوران ولاعبو الهلال بهذا العشق؟
إنّه الهلال.
بهذا قصدت أن أرد على كثيرين يحملون الهَـمّ على الذين مازالوا عالقين بإرادتهم أو بغير إرادتهم في مناطق الحرب والنزاع، الأخبار التي أسمعها عن مناطقنا، أخبارٌ مزعجة جداً، تجعلني أتفقّد قبري، أنا لا أنفيها ولكن أقول للذين يتابعونها من الخارج، إنّها تزعجكم أكثر منّا، وإنّ خوفنا من تلك الأحداث ناتجٌ عن خوفنا عليكم، لأنكم تحملون همّنا أكثر منّا، وهذا رد للذين قلّلوا من الذين هاجروا وغادروا مناطق الحرب، يشهد الله أنّنا نجدهم في خوفهم على الذين هم في مناطق الحرب، أكثر من خوفهم على أنفسهم عندما كانوا في مناطق النزاع. ونشهد لهم مواقفهم ودعمهم لأهليهم، من لم يفعل ذلك بالمال، فعلها بالدعاء وقيام الليل، فعلها مع ركعتي الفجر وصيام الاثنين والخميس يسأل الله أن يحفظ الله السودان ليس من أعدائه فقط، بل من أهله أيضاً.
إنّنا نطمئن الجميع، إنّ الجميع هنا بخير، (ونحن كويسين الحمد لله وما عندنا أي عوجة). بقدر أنّ عوجتنا ناتجة من أن خوفكم علينا أكثر مما يجب.
الذين غادروا، عاشوا في هم على هذا البلد قلقاً وتوتراً وخوفاً، وهذه أمورٌ وجعها أكبر من قلة الخبز والسكر وتصدُّع في الأمن يعاني منه القاطنون في مناطق النزاع.
في إحدى مسرحيات شكسبير قال المهرج للملك يا أحمق.
فقال الملك غاضباً.
يا ولد تقول لي أحمق وأنا الملك؟
فقال المهرج:
لأنك أضعت الألقاب التي ولدت بها جميعاً، ولم يبق لك إلّا هذا اللقب.
يقول نقاد شكسبير إنّ عقدة هذه المسرحية هي (الحمق) وإذا شئت قلت (الجهالة).
والحمق وربما الجهالة أيضاً، نُعاني منهما كلنا ـ كلنا شركاء في ذلك، ومن هنا يجب أن نبدأ.
يمكن أن ينعم الله عليك بالخير الوفير ـ ايّاً كانت نظرتك إليه، صحة، عافية، مال، بنين، بيوت وعربات، هذه الأشياء كلها نعمٌ تستوجب الشكر والحمد، لكن إذا أنعم الله عليك باليقين والإيمان والصبر والقناعة، وهي كلها أشياءٌ (معنوية) فإنّ نعمته عليك هنا أكبر من نعمته عليك بالأشياء المادية والعينية.
لا قيمة للمال بلا صحة، ولا للثروات بدون عافية، ولا للنعم من غير راحة البال، ولا للحياة من غير أمان وسلام.
من حكمة الله عز وجل، انه جعل الأخلاق الحميدة والعظيمة تكتشف بعد الابتلاء، العفو أمــرٌ يأتي بعد أن يقع عليك ظلمٌ، وهو يكون عظيماً وجميلاً عندما يكون عند المقدرة، مع أنّه يمكن أن يكون بينك وبين نفسك وفي جنح الله أن أعفو عن من ظلمني لا أريد حتى من الله أن ينتقم لي، يقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشوري (40).
عندما تعفو فإنّ الحساب والجميل يرده الله، فماذا تريد أكثر من ذلك، يمكن أن ترد السيئة بالسيئة، هذا حقك، إن فعلتها فلن تُلام عليها ولكن (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله).
العفو لا يأتي عفواً هكذا إنما تسبقه مقدمات:
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران (134).
الصبر من الصفات الجميلة وهي صفة تدل على القوة والثبات وقوة الاحتمال، ولكن أنت لا تعرف (الصبر) إلّا عندما تتعرّض للابتلاء والمصائب وعندها تكون لك البشرى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة/ 155 – 157).
الله يحب الصابرين، قال الله ذلك في أكثر من آية.. والصبر لا يأتي من فراغٍ، إنّه صفة تُعرف وتُكتشف عند المصائب.
الأنبياء والرسل الذين عرفوا بأولي العزم أكرموا وارتفعت درجاتهم لأنهم تعرضوا لابتلاءات أكثر وامتحانات أعظم.
والصبر نفسه نشد الله فيه الجمال. في سورة يوسف جاء على لسان يعقوب عليه الصلاة والسلام عندما فقد ابنه الأول: (وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18)) يوسف.
نعم ـ والله المستعان على ما تصفون.
وبعد ذلك لم ينتكس سيدنا يعقوب وجاء على لسانه في نفس السورة عندما فقد ابنه الثاني بعد يوسف: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (83) يوسف.
نبي الله يعقوب لم يتخل عن الصبر بل لم يتخل عن جمال الصبر والمصائب تتوالى عليه والفقد يتكرر معه مرة ثانية.
هل هنالك ابتلاءٌ أكبر من فقد الابن، بل من فقد الابنين.
يقال إن سيدنا يعقوب عاد له ابنه سيدنا يوسف بعد أن فقده أكثر من 40 عاماً.
سيدنا يعقوب لم يتخل عن الصبر الجميل حتى وهو يفقد بصره حزناً على فقد ابنه يوسف: (وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ (84) قَالُواْ تَٱللَّهِ تَفۡتَؤُاْ تَذۡكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوۡ تَكُونَ مِنَ ٱلۡهَٰلِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (86))
لقد اقترب يعقوب عليه الصلاة والسلام أن يكون حرضاً أو أن يكون من الهالكين ولكن مع ذلك لم يتخل عن صبره، ولم يتخل عن ثقته في لقاء يوسف وأخيه، لذلك كان صبره جميلا.
وهنا لا بد من الإشارة إلى احتمال الوجع وكتم الغيظ فقد كان يعقوب مع كل أحزانه (كظيم)، وفي سورة آل عمران إشارة إلى هذا الفضل (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (134)
وكظم الغيظ مرحلة بعيدة في الاحتمال وهي دلالة لظلم كبير.
أين نحن مع هؤلاء الذين يتاجرون بغيظهم ويزيدون عليه.
ندرك ما تعرّض له الكثيرون من الضيم والعذاب والظلم ـ ولكن كلما كان الظلم الذي وقع عليك كبيراً، كلما كان عفوك أعظم إذا حدث.
ولأن الله جميل يحب الجمال فقد قال في سورة المعارج: (فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا) (5).
إذن الجمال مطلوبٌ حتى في الصبر، بل إنّ الجمال مطلوبٌ مع ما هو أعلى من ذلك.. مطلوبٌ كذلك في الصفح: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [ الحجر: 85].
أنت مع الصبر ـ مطالبٌ بالصفح ـ ما أعظم هذا الدين.
والجمال مطلوبٌ كذلك في الهجر: (وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (10) المزمل.
الدعوة هنا للصبر على ما يقولون.
وأكثر ما يمكن أن يضيق فيه صدر المرؤ هو الطلاق عندما يقع بين الأزواج ـ لكن الله حتى في ذلك طالب بالجمال ـ يا الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)) الأحزاب. انه السراح الجميل. ماذا بعد ذلك؟
هذه أمور نحن نفعلها بضيق وضجر، زينوا حسناتكم بالجمال فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.. حتى ضيقكم زينوه بالجمال.
ويقول سبحانه وتعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ…… الآية) (229)
ويقول تعالى في نفس السورة: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ……) (231).
إذن الابتلاء والمصائب يمكن أن تؤدي إلى فضائل عظيمة، بل فضائل جميلة.. يمكن أن تؤدي المصائب إلى الصبر وإلى العفو والصفح والمعروف، وتؤدي إلى الإيمان واليقين.
في هذه الحرب يمكن أن نفقد حياتنا ويمكن أن نفقد حرياتنا التي فقدنا منها الكثير، لكن كل هذه الأشياء وإن فُقدت لن تجعلنا نفقد مواقفنا وقيمنا وأخلاقياتنا ودعوتنا للحب والسلام والسودان الموحد الذي يسع الجميع.
كل هذه الأشياء، لن تجعلنا نفقد شغفنا بالهلال ـ نحن مازلنا نلاحق أخباره وننتظر نتائج مبارياته على أعصابنا، ونترقّب تسجيلاته وسط صوت الرصاص ومجازر دموية تحدث هنا وهناك، لا نغفلها ولكن نحتملها صبراً ورضاءً. نحتسبها في عشق هذا الوطن ـ هؤلاء الضحايا لا نجهل تضحيتهم، ندرك عظيم ما قدّموه ونعرف أنهم منّا، إنا قد نكون منهم اليوم أو غداً ـ نحن على استعدادٍ لذلك من أجل وطن واحد.
الطريق شاقٌ وصعبٌ، ولا بد من المزيد من التضحيات.
لا تدعو للتضحية دون أن تكون أنت جزءاً من ذلك.
سنعود أقوى وأعظم، نحمل الحب وننثره، والأوطان تُبنى بالسلام لا بالحرب، تُبنى بالحب لا تُبنى بالكراهية، تُبنى بالوحدة لا بالتفرقة، تُبنى بالفكر لا بالبندقية، تُبنى بالبناء لا بالهدم، هذه هي قناعاتنا لن نتزحزح منها ولا عنها وإن ذهبنا في سبيلها.
مشكلة هذا الوطن أنّ المزارع ترك طوريته، والراعي ترك عصاه، والطبيب ترك سمّاعته، والصحفي ترك قلمه، والمهندس ترك مسطرته، والمعلم ترك طبشيرته، والمحامي خلع روبه، والقاضي ميزانه، والتاجر بضاعته والعامل معواله.. تركوا كل هذه الأشياء وحملوا البندقية، وللأسف هنالك من حملها ضد الوطن والمواطن.
إنّهم لم يكتفوا بكل ما فعلوه ـ يريدون أن تكون هناك حكومة مُوازية.. لتسلب وتنهب وتقتل وتُشرِّد المواطنين باسم الحكومة الموازية، يريدون أن يشرعنوا القتل والنهب والسلب ويجعلوا له حكومة..!!
هذا الأمر وتلك الدعوات الانتصار عليها لن يكون بالبندقية، هذه الدعوات الانتصار عليها سوف يكون بالمنطق والدبلوماسية والحب والسلام.
يجب أن يكون هذا الوطن مُوحّداً بحكومة واحدة وشعب واحد وجيش واحد، وهذا أمرٌ لن يتم إلّا بالبناء والعمل والحكمة.
لقد انتهينا من الجهاد الأصغر ـ ودخلنا إلى الجهاد الأكبر. والجهاد الأكبر هو مرحلة العودة والبناء والإعمار والسلم الاجتماعي والنضج السياسي.
دافعوا عن الوطن بالكلمة الطيبة ، بالزراعة والصناعة والتجارة والبناء والعلم والفكر.
بعض النباتات المتسلقة لا تنبت ولا تقوم إلّا في المياه الآسنة والراكدة والمتعفنة، خوفي على الوطن من النباتات التي لا تنبت إلّا في الغل والغبن والكراهية.
قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (55) الأعراف.
(ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ).
…
متاريس
في انتظار القُـرعة في هذه الحرب.
إن شاء الله قُـرعة تأتي برداً وسلاماً على الهلال.
أتمنى مواجهة الأهلي للترجي، عشان نتخلّص من أحد الكبار ونحن بنتفرج.
وأتمنى مواجهة الهلال لبيراميدز لسبب واحد، عشان مباراة الإياب التي سوف يلعبها الهلال على ملعبه الافتراضي، يلعبها بعيداً عن جمهوره، وإذا واجه الهلال فريق بيراميدز سوف تكون مواجهة الذهاب بدون جمهور، لأنّ بيراميدز فريقٌ غير جماهيري.
عاوزين الكفة تتعادل في الجمهور.
برجع ليكم بعد القُـرعة.
ومرحب بأي فريق في أم درمان أو خارج أم دومان.
كونوا بخير وصحة جيدة.
..
ترس أخير: الله موجود.