على أيام النظام السابق، دعت إدارة الإعلام بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، قادة الصحف من رؤساء التحرير والمديرين وكتاب الرأي، على مائدة إفطار رمضاني، وهي دعوة راتبة درجت عليها هذه الادارة التي كانت تصفع الإعلاميين على خدهم الأيمن ثم تربت على الخد الأيسر بفعل يشبه الاعتذار.
عقب ذلك الإفطار أقيم ركن نقاش قصير دار فيه الحديث عن “حال البلد” ومستقبلها الموحش، وانتهز احد الصحفيين الكبار الفرصة وأراد أن يشكر إدارة الإعلام بالجهاز على الدعوة التي تنم عن تقدير كبير لقادة الرأي في البلد ثم قال بايجاز: “ناس كتار مفتكرين العمل في الصحافة ده حاجة ساهلة وكتابة العمود دي زي شراب الموية.. لكن علي الإيمان لو اديتونا البلد دي شهر واحد نديرها ليكم زي ما قال الكتاب.. ونمشيها زي الساعة.. يا اخوانا البلد دي فيها وزراء، خليكم من كتابة العمود، الواحد لو كتب ليك درافت بتاع خطاب تخجل من صياغتو وعربيهو المجهجه بالأخطاء وتستغرب ده بقوهو وزير كيف”..
انتهى الاستاذ الجليل من حديثه المتحدي.. وضج الحاضرون بالضحك.. ولكن لم يكن الأستاذ الكبير يدري بأن الايام ستكشف له خطل تلك المزاعم التي تقول بأن “الصحفيين بيعرفو في كل حاجة” دون أدنى التفاتة لمن يقول.. “المية بتكضب الغطاس”.. لم يخطئ واضع أسس الإدارة عندما قال بأن التدريب عملية مستمرة لذلك “الما بيعرف ما نديهو يغرف”.
مناسبة هذا الاجترار هو ذلك الخطأ الفاضح الذي وقع فيه السيد وزير الاعلام، الأستاذ فيصل محمد صالح الذي أورد خبرا عن “جائحة الساعة” ثم جاء بما يجئ به ذلك الناشئ المتدرب في قسم الاخبار: “اود ان اعتذر عن الخبر الذى نشر منذ قليل عن تأكيد الحاله رقم ١٥ التي أصيبت بفيروس كورونا المستجد. ولكن حسب المعلومات اللتي وردت من الجهات المختصه من وزارة الصحة الاتحادية فإن عدد الحالات المؤكدة ما زالت حتى الآن ١٤ حاله فقط.
هذا مالزم ونرجو لشعبنا الكريم دوام الصحة وشكرا.”
لم يحصل استاذ فيصل محمد صالح على كرسي هذه الوزارة الناطقة باسم الحكومة والمتمتعة بعضوية كل اللجان الحركية في البلد، الا لانه صحافي من صحفيي الصف الأول في السودان، حيث المصداقية والدقة والمصادر التي “لا تخرها المية”.. فكيف له أن يخطئ في أمر لا ينبغي أن يشغله عنه شاغل.. وليس لوزارته من عمل يومي أجل وأهم من عملية نقل المعلومة الصحيحة وتمليكها للمواطن بكل الوسائل المتاحة، ثم ماذا يفعل المواطن هذا، بعد أن ضُرب في مصدر معلوماته الأول الذي بدأ انه ينقل اخباره من الواتساب والفيس بوك.. ولا يكلف نفسه مشقة الرجوع إلى مركز المعلومات الرئيسي في وزارة الصحة الاتحادية أو نقابة الأطباء المركزية.
من الطبيعي أن يخطئ الإنسان في أي عمل ويجد له الآخرون أكثر من مبرر لهذا الخطأ، ولكن تتفاوت درجات الأخطاء من مهنة إلى أخرى.. وحسبنا أن أهل “الجلد والجتة والرأس” من العاملين في الحقل الصحي لم تسجل لهم حتى الآن أي واقعة مشينة تخصم من حجم مجهودهم، أو تشكك في مصداقيتهم.. فما بال وزير الاعلام الذي يجلس في كرسيه بعيدا عن دائرة الخطر ولا يجتهد ولا يستوثق، ولا غرو فهو قد فارق درب الخبر اليقين منذ حادثة “برهان.. حمدوك.. نتنياهو”.
اخيرا اقول ان مصححي الصحف يتحملون عنا اغلب بلاوينا الإملائية لذلك عندما ندفع بهاشتاق للشارع العام على نسق “غرد كأنك فيصل محمد صالح” لا نستحي مطلقا من كتابة “الحالة” كأنها مطلوقة وحاله وفاكه لا مربوطة.. و”اللتي” التي أصبحت “ألتي” جوار المسعودية.. هاله صعبة يا استاذ فيصل.