*أكثر من ثمانية أشهر مرت على الثورة المجيدة التي انطلقت في التاسع عشر من ديسمبر العام الماضي باحتجاجات سلمية في بعض المدن بعد أن تفشى الجوع وارتفعت الأسعار بشكل جنوني، نتاج فساد الكيزان الذي عمَّ القرى والحضر وتحت شعار “تسقط بس” كانت بداية أعظم الثورات من الدمازين مرورا بعطبرة وبورتسودان وصولا للعاصمة الخرطوم التي شهدت سقوط الطاغية الحرامي القاتل.
* في تلك الفترة قوبلت الاحتجاجات السلمية بقمع عنيف من قِبل الأجهزة الأمنية التي استعملت مختلف الأساليب (القتل والخطف والاعتقال والاغتصاب واستخدام الذخيرة الحية) لتفريقِ المتظاهرين وتسبب القمع في سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين العزَّل.
* ورغم القتل العلني في وضح النهار لم يستسلم الثوار الأحرار والكنداكات ورفعوا شعار “الطلقة ما بتكتل بكتل سكات الزول”، واصلوا نضالهم وأرهقوا كلاب السلطان وكانوا يستقبلون الرصاص بصدور عارية، إلى أن جاء اليوم المشهود مليونية القيادة العامة التي سرعان ما تحوَّلت لاعتصام تاريخي شارك فيه كل الشعب بمختلف سحناته، قاوموا غدر “الكلاب” في الأيام الأولى وفقدوا أرواح طاهرة وصمدوا ثم ذرفوا الدموع بعد اقتلاع نظام الكيزان.
*لم يتوقف النضال الشعبي باقتلاع مجرم الحرب، بل استمر حتى تنحَّى عوض بن عوف لتعم الفرحة كل الشوارع، لم يستمر الفرح طويلا وبدأ مسلسل المماطة في تكوين الحكومة المدنية من قبل المجلس العسكري الانتقالى الذي ظل يزعم أنه انحاز للثورة وأنه جزء من التغيير وشريك فيه وسرعان ما انكشف بعملية الغدر التي تمت في فض اعتصام القيادة، لينتفض الشارع السوداني -الذي لا يخون- من جديد “مترِّسا” شوارعه وداعما قيادته ومنتصرا ويكفي أن الأطفال كانوا يقودون المليونية.
* نجح الإضراب والعصيان المدني وكل المواكب المليونية التي شكَّلت فصلا جديدا من فصول الثورة المباركة، كتبتها الأسر السودانية الثائرة الكادحة، ثورة الشرفاء التي أرادت لها المليشات أن تموت بعد أن ضحى من أجلها خيرة الشباب، فضلوا الموت على الحياة الكسيحة، مواكب علَّمت العالم درسا جديدا من دروس الثورات سلمية سيذكِّرها العالم.
* وانطفأت شموع وسط الصمود، قتل الطفل عمرو أنس أصغر شهداء الثورة في فض الاعتصام ونقول لقاتله “إلى جهنَّم وبئس المهاد، ولحق به أقرانه الأطفال في الأبيِّض، الكنداكات تعرَّضن للاغتصاب صباح رمضان، قتل الرجال والنساء وكبار السن وبصور بشعة ولم نسمع بتحقيق نزيه أجري لمعرفة من الذي قتل ويكفي أنه ومنذ اندلاع التظاهرات، لم يحاكم مجرم نظامي واحد.
* يفرح أهل السودان اليوم بعد أن أطفأت شموع وفقدنا الكثير من الأحبة، فقدت أماني عينها في إحدى المواكب ودهس الطفل “مؤيد” بتاتشر نظام القاتل داخل حوش بيتهم الصغير، قتل الطبيب محجوب جراء تعذيب كلاب الأمن، احتفلت عروس الثورة “وفاق محمد قرشي” بعقد قرانها من داخل معتقلات نظام القمع، مات أستاذ أحمد بأبشع طرق القتل وقائمة من فقدناهم من ديسمبر تطول.
* ثورة البحث عن المفقودين مستمرة إلى أن يعودوا لذويهم سالمين والتوقيع على الاتفاق النهائي اليوم لن ينسيَنا دماء الشهداء وسنظل نقاتل لنيل قصاص الأستاذ المربي أحمد الخير الذي قبل أن يقتلوه انتهكوا جسده الطاهر وعذبوه شر تعذيب حتى مات.
* لابد للحكومة الجديدة من محاكمة كل من مارس الانتهاكات في الفترة الماضية، علما بأنهم الآن أحرار يمشون بين الناس كأنهم لم يفعلوا شيئا، أسر الشهداء وأقاربهم وجيرانهم وكل الثوار من أبناء الشعب السوداني ينتظرون معاقبة هؤلاء المجرمين، وإلا فانتظروا مواكب القصاص.
*أخيرا.. فرح بعد ما انطفأت شموع..!