صَابِنّها
محمد عبد الماجد
فلوراااااااان (دَعّامي مُندس)!!
من بين مدارس النقد الفني، شكى أحد الفنانين من أنّ أحدهم كان ينتقده بقوله: (والله هو غنّاي، وصوته ما فيه كلمة، لكن عندو ود خالتو جنو لحمة)!!
الفنان ذنبو شنو؟
واللحمة الدخّلها في النقد الفني شنو؟!!
عندما كُنّا نلعب في الروابط، كان عندنا مدرب بطلِّع ألعب واحد فينا برّه التشكيلة وبقول ليه: (والله إنت عشان خالك كلامو كتير ما بتلعب).
ومن بين الانتقادات التي كُنّا نسمعها في الأعراس، قول أحدهم (والله العروسة سمحة، لكن صحن الكوكتيل بتاع العشاء ما كبير).
او العريس عندو (صلعة).
الصلعة دخلها شنو؟
ومن محسنات بيوت الإيجار، أن يقال لك البيت كبير وشرعي وفيه (4) حَمّامات و(8) مُكيِّفات وقرّاش وفاتح على الزلط وجيرانكم من الناحيتين هلالاب!!
هسع المدير الفني للهلال الكونغولي فلوران ما فاضل ليهم إلّا يقولوا ليكم عنو (هو مدرب كويس بس هو دعّامِي مُندس).
أو يقولوا ليكم فلوران (مرتزقة) دخل البلاد عبر الحدود من تشاد!!
ونحن لا نبعد عن ذلك، على لسان الراوي في (موسم الهجرة إلى الشمال) لعبقري الرواية العربية الطيب صالح حديث يصف فيه الراوي أدب مصطفى سعيد بطل الرواية حين يحكي الراوي عنه: (فقال: لعلك الوحيد من أهل البلد، الذي لم أسعد بالتعرف عليه من قبل.. لماذا لا يترك هذا الأدب؟ ونحن في بلدٍ إذا غضب فيها الرجال، قال بعضهم لبعض: يا ابن الكلب!!).
عبارة يا ابن الكلب في النقاشات السودانية يمكن أن تتصدّر الموقف، في الأسواق والمركبات العامّة والحفلات وميادين الكرة وتقاطعات الشوارع.
المُشكلة الأكبر أنّ العبارات التي كان يُمكن أن تسمعها في الصف أو في التقاطعات، أصبحنا نجدها في مَنَصّات التواصل الاجتماعي.
نحن أكثر ما يضرنا (التنظير) مع أنّ التنظير جزءٌ أساسي من عملنا في الإعلام. وكلامي ليكم دا برضو لا يخرج من التنظير، لكن تنظير (حميد) طالما كان يدعو للوحدة والاتفاق والسلام.
في السُّودان إذا كنت مع جماعة تُريد أن تركِّب ليها (صيوان) لمُناسبة ما، سوف تصطدم بمجموعة كبيرة من المنظراتية.. أيِّ زول بعطيك وجهة نظر تختلف عن الآخر.. الصاح في حياتنا هو أن تكون نظريتك مُختلفة عن نظرية الآخر.
لو عاوز تركّب ليك كشّافة أو لمبة في مُناسبة، ح تسمع نظريات لا حصر لها ولا عدد وآراءً مختلفة، وممكن يجيبوا ليك سيبويه وابن كثير وابن المقفع وأبو الأسود الدؤلي وعابدين درمة ذاتو ، عشان تقتنع، وكل زول بكون متعصب لوجهة نظره حتى لو كان عارف أنها ما صحيحة.. ما مُهم، المُهم هو أن يختلف معك.
وإن شاء الله الدنيا تطير.
مع إيماني التام أنّ العبقرية هي في أن تتّفق مع الآخر وليس في أن تختلف معه.
لو مشيتوا المقابر عشان تحفروا ليكم قبر، ومع أنّ الناس في حالة من الحُزن والوجوم، والدنيا ليل ومطر ، إلّا أنّك سوف تجد ألف واحد ينظِّر ليك.. حتى عم عباس الذي لا يرى نهاراً بقعد ينظِّر ليك في (ود اللحد) في أنصاص الليالي.
يبدأ التنطير من موقع القبر ومساحته ويستمر إلى (ود اللحد)، وحتى الموية التي ترش على القبر بعد دفن الميت والمُغادرة من المقابر، في ناس مُتخصِّصة تنظير في (رش الموية) على القبر. أول ما نصل مرحلة (رش الموية) بشيلوا مِنّك الجركانة.
والله نحن حافظنكم حفظ.
وأيِّ حاجة نحن عندنا بي نظام.
لمن يجيبوا (صينية العشاء) أيِّ زول بقوم وبقول ليك جيبوها بي جاي.
وأيِّ زول بصر على رأيه، وبرسم ليك خارطة طريق لصينية العشاء.
إذا كُنّـا نحن ما بنتّفق في مثل هذه الأشياء، وفي أمور لا يتجاوز المشاركين فيها (20) شخصاً، هل يُمكن أن نتّفق في مباريات كرة القدم التي يشاهدها العالم كلها في فضاء مفتوح؟
في مباريات الهلال، عندما يخسر الأزرق في ناس اتعوّدت تهاجم الطيب عبد الرازق، وفي ناس بتهاجم بوغبا.
دي ثوابت.
الحاجات دي ثابتة بعد أيِّ هزيمة حتى لو كان الطيب عبد الرازق غير مُشارك في المباراة.
أنا بعتبر الطيب عبد الرازق أشجع لاعب سوداني، فهو مع كل الانتقادات والهجوم الذي يتعرّض له أساسي في تشكيلة الهلال ويختار بصورة مُستمرّة للمنتخب.
أنا أيِّ زول بلاقيه بعرف كورة بقول أحسن لاعب بطلع كورة صاح من كراعو هو والي الدين خضر.
الزميل علي عصام في احصائية عن مشاركات اللاعبين ، ذكر ان الطيب وبوجبا وحدهما من شاركا كل دقائق مباريات الهلال في البطولة الافريقية الجارية.
بعد أيِّ خسارة للهلال بيسألوا ليه عبد الرؤوف ما شارك؟ والغرض من السؤال ليس روفا وإنّما انتقاد المدرب، ومع إيماني التام بموهبة عبد الرؤوف وبضرورة مُشاركته أساسياً في مباريات الهلال، إلّا أنّ مُشاركة اللاعب في المباراة كلاعب أساسي مسؤوليته هو وليس مسؤولية المدرب.
أيِّ لاعب عليه أن يقنع مدربه أولاً وهذا أمرٌ لا يتحقّق بالإعلام أو الجمهور.
اللاعب حتى ولو كان موهوباً وإمكانياته كبيرة يجب أن يمتلك موهبة إقناع مدربه، أيِّ مدرب في العالم بيشرك اللاعب في المباراة بحسب قناعاته هو، إنت كلاعب يجب أن تملك القُدرة على إقناع مُدرِّبك.
في العالم كله بعد أيِّ خسارة تتم مُهاجمة المدرب.. الذين يهاجمون فلوران الآن هم أنفسهم الذين هاجموا ريكاردو عندما كان مُدرِّباً للهلال، وهم أنفسهم الذين هاجموا غارزيتو والحيدوسي والكوكي والفاتح النقر ولامين انداي وجواوا موتا. نحن ضد أيِّ مدرب، فهو الشماعة الأمثل للهزيمة، وهو الطريق الأقصر.
نحن دائماً ضد المدرب الحالي ومع المدرب السابق، أو مع المدرب الجديد.. رغم أنّ أهم عُنصر في كرة القدم هو الاستقرار والاستمرارية.
الأشياء التي يُمكن أن نتّفق عليها كلنا هي أن نهاجم المدرب بعد الخسارة.
قبل الإطاحة بالمدرب البرتغالي جواوا موتا كنت من ضمن الذين يُدافعون عنه ويُطالبون باستمراره، وكنت ضد استقدام المدرب فلوران، وقد أشرت إلى أنّني كنت مُخطئاً في ذلك، بعد أن شاهدت المدرب واستمرارية فلوران ودعمه الآن أفضل وأنفع للهلال.
من الناحية الأخلاقية، يبقى فلوران من أفضل المدربين على مُستوى العالم وليس على مُستوى الهلال فقط، إن لم يكن الأفضل مُطلقاً في هذا الجانب، كفى إنّه يعمل في هذه الظروف ويقود الهلال رغم أنّ مدربين كثراً قد رفضوا الاستمرار مع الهلال بسبب احتجاجات عادية، وآخر أولئك البرتغالي ريكاردو فورموسينيو الذي غادر الهلال ورفض العودة بسبب الاحتجاجات الشعبية، رغم إنّه لبس (الجلابية) في أبو حمد، وركب (الحصان) في النهود، وشال (السيف) في أحد المُنتجعات الزرقاء في ام درمان.
قبل أولئك، كان قد هرب من الهلال في ظروف صعبة مدربون آخرون، من بينهم مصطفى يونس الذي هاجم السودان بعد خسارة فريقه الذي يقوده أمام بلدية المحلة بسيناريو غريب، وكانت اتهامات مصطفى يونس وهجومه على الهلال سبباً أن يصدر الدكتور كمال شداد قراراً يمنعه فيه من العمل في مجال كرة القدم بالسودان.
بعد مصطفى يونس، تَكَرّرَ السيناريو مع طارق العشري، الذي قاد الهلال لفترة قصيرة ورفض الاستمرار وهرب والبلاد مستقرة، وفعل من بعد ذلك المصري حمادة صدقي كارثة وغادر الهلال قبل مواجهة الأهلي المصري بعد أن كان الهلال قريباً من التأهُّل.
أتحدّث عن هذا الجانب الأخلاقي لأثبت أنّ أهم عُنصر في المدرب يتمثل في أخلاقياته، حتى لا يقول أحدٌ أو يُعلِّق (نحن أخلاقو عاوزين بيها شنو؟).. وكان برانكو قد هرب أيضاً من الهلال، وكذلك نبيل الكوكي.
الحديث عن أخلاقيات فلوران لا يعني فقره فنيّاً، فهو مُدرِّبٌ حقّق بطولات وأرقاماً ممتازة في مسيرته، وقد عرف المدرب بنادٍ صغير هو نهضة بركان المغربي، أن يُحقِّق البطولة الكونفدرالية وبطولة السوبر المغربي من أمام خصوم شرسة وخبيرة ومعروفة في القارة.
فلوران مع الهلال يلعب في ظروفٍ صعبةٍ وقاسيةٍ، وقد صنع فلوران من الهلال في الموسم السابق فريقاً مهاباً في أفريقيا، وحقّق نتائج جيدة في مجموعة يلعب فيها صن داونز والأهلي المصري، وقدّم مُستوىً رفيعاً، وكان الهلال قد تأهّــل لمرحلة المجموعات بعد أن تجاوز سانت جورج الإثيوبي والشباب التنزاني المُرشّح ضمن أفضل أندية القارة في الموسم الماضي، رغم أنّ الهلال في الموسم الماضي كان يلعب بدون جمهور!!
في هذا الموسم، يلعب الهلال بعيداً عن أرضه وجمهوره، بل إنّ الهلال يلعب بدون منافسات ويشارك في بطولة تلعب أنديتها في (7) بطولات.
فريق بترو أتلتيكو الذي فاز على الهلال في لواندا بهدف دون ردٍّ، جاء للمباراة بعد أن لعب (5) جولات في البطولة المحلية، ولعب (4) جولات في البطولة الأفريقية، ولعب في بطولة السوبر الأفريقي أمام صن داونز مباراتين، وتعادل معه في جنوب أفريقيا، ويلعب لبترو أتلتيكو محترفون من البرازيل والبرتغال.
الهلال جاء لمباراة بترو أتلتيكو وآخر مباراة رسمية لعبها أمام أول أغسطس كانت في أول أكتوبر الماضي أيِّ قبل حوالي شهرين من مباراة بترو أتلتيكو.
الهلال خلال (7) أشهر لعب (5) مباريات رسمية، (2) مع الصفاقسي في البطولة العربية، و(2) مع أول أغسطس في البطولة الأفريقية بعد انسحاب ممثل جنوب السودان، وواحدة أمام بترو أتلتيكو في مرحلة المجموعات، يلعب الهلال أمام أندية لعبت في هذه الفترة ما يقرب من (40) مباراة.
البعض يحسب على فلوران وجود (12) محترفاً في صفوف الهلال، وهو أمرٌ يُحسب لفلوران وليس ضده، لأنّ هذه العناصر لم تشارك مع بعضها البعض في (5) مباريات وهي تلعب بدون أن يحدث تجانسٌ وتفاهمٌ، وتلك الأمور تكسب عبر المباريات الرسمية والتنافس الرسمي ولا تكسب عن طريق المباريات الودية والمعسكرات الطويلة، حتى المعسكرات بهذه المدة يمكن أن تُورث الضجر والملل، واللاعب السوداني والمحترف الأجنبي أيضاً لا يحتمل كل هذه الفترات في معسكراتٍ مُغلقةٍ.
انضم للهلال في هذا الموسم (8) محترفين إلى جانب فوفانا وديوف وباغنا وايبولا، ولم تلعب هذه العناصر سوياً أكثر من مباراتين رسميتين.
حتى الوطنيين انضموا للهلال قبل (72) من مباراة بترو أتلتيكو بعد رحلة جابت (4) مطارات واستمرّت (48) ساعة.
تحقيق نتائج جيدة في مثل هذه الظروف يبقى غاية من الصُّعوبة، مع ذلك نراهن على قدرة الهلال للتأهل إن شاء الله تعالى، ونقاتل من أجل ذلك بدعم المُدرِّب ومُساندته، لأنّ الانتصارات لا تتحقّق إلّا من خلال الاستقرار والدعم.
السودان فَقدَ الاستقرار فلا تجعلوا الهلال يفقد مدربه.
صورة جمعت في أنغولا بين فلوران ومدافع الهلال السابق فيكتور نانكي، كان فيها مودة ومحبة كبيرة من محترف الهلال السابق لمدربه، رغم أنّ فلوران لم يكن يشرك فيكتور وهو الذي أوصى بإنهاء التعاقد معه، مع ذلك كان فيكتور يحمل لفلوران كل هذا الحُب والتّقدير.
مدرب يصنع هذه العلاقة مع لاعب أطاح به من كشف الفريق، جديرٌ بالاحترام والتقدير، وجديرٌ بأن نرفع له القبعات، لأنّ المدرب الناجح هو الذي يُدير اللاعبين بهذه الصورة والدبلوماسية التي أضحت سِمَـةً بين لاعبي الهلال.
الروح الموجودة بين لاعبي الهلال أهم عندي من المردود الفني.
الهجوم على خالد بخيت أيضاً غير مُبرّر، لأنّه يأتي على سياق النقد الفني الذي لا يجد شيئاً ينتقد به الفنان فيقوم بانتقاد قميصه.
خالد بخيت يقوم بواجبه كما ينبغي، وأيِّ تدخل منه أكثر من ذلك يعتبر تدخُّلاً مرفوضاً ويلغي دور المدرب.
….
متاريس
الزميل الاعلامي علي عصام عبر صفحته الشخصية يقدم احصائيات رائعة ودقيقة ومفيدة ، وهذا الجانب نفتقده في اعلامنا الرياضي. مزيد من الاحصائيات يا ابو عصام.
وبما اني تحدثت عن الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي فاني اقف عند سخرية عبداللطيف صفاري الممتعة ومهنية مصطفى عيدروس العالية وانفرادية شمس الدين الامين الحصرية.
أحلى ما في الهلال الآن هو استمرار الجهاز الفني لأكثر من موسمين.
هذه هي مِيزة الهلال.
المِيزة الأجمل من ذلك، هو الاتفاق على فلوران رغم الأصوات التي انتقدته أخيراً بعد الخسارة من بترو أتلتيكو.
لا تفسدوا أهم ما يُميِّز الهلال.
في الهلال الآن استقرارٌ فنيٌّ رغم عدم الاستقرار الذي تُعاني منه البلاد.
…..
ترس أخير: أبقوا راكــزِين.