العمود الحر
عبدالعزيز المازري
قرار كيجالي… بين طموح البطولات وارتباك الحسابات!
الهلال ليس فريقًا يختبر الحظ، بل مؤسسة رياضية تمثل وطنًا وصوتًا وقيمة كروية قارية. لذلك، حين يتخذ النادي قرارًا مصيريًا مثل اختيار ملعب افتراضي لخوض مجموعات الأبطال، فالمسألة ليست جغرافيا ولا لوجستيات فقط؛ بل رؤية، وخيار استراتيجي، وتقدير عميق لميزان المنافسة.
الهلال اختار كيجالي، وقرر الابتعاد عن بنغازي التي كانت خزّان دعم جماهيري، وملاذًا نفسيًا، ومسرحًا صنع فيه الفريق انتصارات وحسم تأهلات. قرار جديد، ورهان جديد. لكن السؤال الجوهري: هل هو رهان مبني على معطيات… أم قفزة بلا شبكة أمان؟
تاريخ قريب يذكّرنا: “بطيخة موريتانيا” لم تكن حمراء بما يكفي، رغم حسن النية. واليوم، نرى ملامح ذات السيناريو تتكرر: تنقلات متتابعة بين تنزانيا، بنغازي، ثم كيجالي. وهذه الرحلات قد تستهلك أكثر مما تبني، وتربك أكثر مما تجهز. فالقارة لا ترحم، والاستقرار فيها ليس رفاهية، بل سلاح.
ثم جاءت تفاصيل الإعداد لتكشف حقيقة الأمر:
مباراة بوجيسيرا — التي كانت محطة انطلاقة رسمية — سقطت قبل 36 ساعة بسبب إرهاق المنافس واعتراضه على البرمجة المتأخرة. لم يكن ذلك مجرد إلغاء مباراة، بل سقوط خطة. والأسوأ أن الدوري الرواندي نفسه سيتوقف في 10 الجاري لأسباب وطنية تخص رواندا، ما يعني مباراة رسمية واحدة فقط قبل مجموعات الأبطال… ثم فراغ!
أي إعداد هذا الذي يبدأ فراغًا وينتهي رهانات؟ كيف نطلب جاهزية ونسقًا وتناغمًا من فريق بلا احتكاك؟ كرة القدم ليست خطابات، بل دقائق لعب، وإيقاع، وإجهاد محسوب لا عشوائية مرهقة.
والقضية ليست ملعبًا فقط؛ بل عقلية إدارة.
نترك ملف ملعب الجزائر مجمّدًا في أدراج الاتحاد… ثم نقفز بحثًا عن حلول في اللحظة الأخيرة. هذه ليست مرونة؛ هذا رد فعل. والهلال أكبر من أن يمارس كرة “الوقت بدل الضائع” خارج الميدان أيضًا.
وفي المشهد الداخلي، وجه آخر يفرض السؤال:
لماذا تُعالج طعون فردية بسرعة خاطفة، بينما ملفات عضوية الخارج — التي تمس جوهر الشرعية والتمثيل — تبقى سبعة أشهر دون حسم، قبل أن نُفاجأ بقرار “عدم الاختصاص”؟ إن لم يكن هذا عبثًا إداريًا… فماذا نسميه؟ وكيف نطالب اللاعبين بالانضباط والدقة ونحن لا نعرف أين تبدأ اختصاصات لجاننا وأين تنتهي؟
الهلال ليس بحاجة إلى مَن يركض خلف الأحداث؛ بل لمَن يسبقها. ليس بحاجة إلى إدارة تتفاعل؛ بل تخطط. البطولة ليست سفرًا وانتقالًا… البطولة منهج وضبط وتفكير مُسبق وإدارة ملفات قبل انفجارها.
كيجالي قد تكون فرصة عظيمة، وقد تكون عقدة جديدة. الفرق هو طريقة الإدارة، دقة القرار، وعمق الرؤية.
**كلمات حرة – نيران هادئة لوعي أكبر**
* الاستقرار في إفريقيا قوة… لا ترف.
* من لا يدير التفاصيل، تُديره الظروف.
* الجمهور ليس ضجيجًا.. بل جهاز إنذار استراتيجي.
* مباراة واحدة لا تصنع جاهزية قارية.
* اللجان التي لا تعرف حدود صلاحياتها لا تحسم نزاعات.
* كرة القدم تُدار قبل أن تُلعب.
* النجاح يحتاج توقيعًا وخطة… لا رحلة وصورة.
* النقد ليس خصومة؛ الصمت هو الخيانة الأكبر.
**كلمة حرة أخيرة**
الهلال اليوم يقف على بوابة فرصة… أو بداية أزمة.
والفرق بينهما ليس في العشب ولا المدرجات… بل في العقل الذي يقرر.
رجاؤنا واحد:
**أن لا يأتي يوم نقول فيه — ليتنا لم نذهب إلى رواندا — فحينها لا ينفع الندم، ولا يعود الزمن.**
**ولنا عودة…**



