صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

كيف تصبح (شاعراً) بعد تسع نقاط؟

66

صَابِنَّها
محمد عبد الماجد

كيف تصبح (شاعراً) بعد تسع نقاط؟

فتشت في (ألف ليلة وليلة) عسى ولعل أجد في ذلك التراث ليلة تشبه تلك الليلة بدهشتها وسحرها وجنونها.
ليلة تمتمد حلاوتها ألف ليلة وليلة.. ليلة عُمرها سوف يكون طويلاً في المستقبل.
عندما يدخل التاريخ الى المستقبل، ويصبح التاريخ نفسه جزءاً من المستقبل، تحدث مثل هذه (الغلوطية).
حاجة زي نقر الأصابع عند هاشم صديق وجان كلود.
عندما يواجه أي مدافع جان كلود يفقد أعصابه وأسنانه ومرارته وكليته ولغاليغو وأولاده.
هل قصد الهلال في تلك الليلة أن يكتمل بدراً ليوافق هلال الأرض هلال السماء في الاكتمال.
واكتمل الهلال بدراً في السماء والأرض.
حمد والديبة حاجة عجيبة.. ما عارف قلت كدا ليه؟
لا أشك لحظة في أن عسل النحل يخرج من هدف فوفانا، وأن القهوة تستمد نكهتها من اقوان أداما كوليبالي.
فوفانا بالع ليه جهاز تحكم في الكورة من على بُعد.
تشعر بذلك ـ تحس بأنه مسيطر على الكورة حتى وهي بعيدة عنه.
في هذا الانتصار قصدت امرؤ القيس وعمرو بن كلثوم، باحثاً عن مفردات تليق بالمقام.
ليس في ذخيرتي ذلك المد، فقد عايشت فيضانات النيل سنين عدداً أبحث عن (صيحة جروف النيل).. لقد كان عمر الطيب الدوش يوقد شمعاتنا بدون ثقاب، بل بدون نار.
وكان النيل يفيض إبداعاً وسحراً.
هل لي أن استلف من العصر الأموي (جريرهم) أو (فرزدقهم) أعطر بكلماتهم تلك الأمسية، ام أقفز إلى العصر العباسي فأخلط لغتنا بالبحتري والمتني وأبوتمام.
مازال الليل طفلاً يحبو، عفواً، لقد صار الليل شاباً يتغنى (الهلال هلا).
وعبد الله عمر البنا يقول عن الهلال:
يا ذا الهلال، عن الدنيا أو الدّين
حدث.. فإن حديثاً منك يشفيني
إني استلف أماني صلاح أحمد إبراهيم عندما جلس يغازل مريه:
يا مريّه:
ليت لي ازميل (فدياس) وروحا عبقرية
وأمامي تلّ مرمر
لنحتّ الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك – تمثالاً مكبّر
نعم وأنا في هذا الموقف احتاج الى لسان صلاح أحمد إبراهيم.. فقد شاهدت هدف فوفانا عشر مرات وفي كل مرة كنت أعتقد أن الكورة في الإعادة سوف تخرج برّه وتضل طريقها من الشباك.
أحتاج الى إبداعات عثمان حسين وهو بحنكة يلحن شجن وعشرة الأيام ولا وحبك لن تكون أبداً نهاية.
من أين أخرج عثمان حسين لحن (إنت يا نيل سليل الفراديس)، هذا اللحن يجعل موية النيل أكثر عذوبةً، بل يجعلها مطعمة ويحولها إلى (شربات).
كيف (قمزها) الغربال، وكيف أوصلها لفوفانا وكيف سجل ذلك الموريتاني النبيل، إنه شئ يشبه (لحن الحياة) وحتى لا تختلط عليك العثامين فهذا عثمان الشفيع الذي غنى لوطن الجدود والبان جديد وشندي ـ شندي التي تلكزني ذكراها (يا حليل ربوع شندي، بلد الجمال عندي)، ومن المتمة دائماً يأتي الأمان.
وكذا الحال بالنسبة لكسلا والقضارف والفاشر والأبيض وعطبرة والجنينة ومدني.
إنه السودان.
إنه الهلال يجمعنا هكذا في حب لا ينتهي وذكريات لا تنقطع.
عفواً الى الآن أنا مصاب بهوس الدوش وسحره ـ كلما شعرت بفرحة تفقدت قدمي لقيتها كبرت (كبرت كراعي من الفرح)، لمن بقيت أعقّد (النعال).
في هذا المقام. أذكر محجوب سراج وإبراهيم عوض يغني له (ليه بتسأل عني تانى)، عايز مني تاني شنو؟ ـ هكذا بدون مناسبة قفز في رأسي هذا السؤال، مثلما يقفز شافع مسلط في حافلة مليانة ركاب.
أو مثلما يفج عمك كل الناس بصحنه وهو يكورك في بتاع الفول أن يصلحه ويعمل زيت زيادة.
كانت جل تجلياتنا تتمثل في (زيت زيادة)، نظن أننا بهذه الزيادة نكسر عين الزيت.
لا تسألوني كيف انتصر الهلال فأنا في اليوم الأول أكون بين شذى زهر ولا زهر.. وبي سكر تملكني بلا خمر.
بكون زي خليل اسماعيل عندما غنى لتاج السر عباس (أغالط نفسي بين إصرار وأقول امكن أنا الما جيت)، بفتش عن نفسي وعن شالي والنضارة، رغم إني ما بلبس نضارة.
الإصرار على شنو؟
عندما ينتصر الهلال شفع العرب الفتارى دمهم برتاح، بشوف حمّيد شايل ليه شمعة.
عندما ينتصر الهلال فولنا براهو منو وليه بتصلح والراديو حقنا بجيب أم درمان (صورة وصوت) بعد أن كانت الموجة طاشة ليها أسبوع.
عندما ينتصر الهلال بلبس جلابية العيد، بحوم في الشارع وبشم ريحة الكعك والخبيز وبسمع أبوعركي يغني (اضحكي)، لمن تصحى كهاربنا في الشوارع ولمباتنا تولع من غير تيار.
عندما ينتصر الهلال بقعد في صينية الغداء، بأكل جنس أكل، تقول ما أكلت لي سنين، وبقول للناس عشان ما أتعقد (والله أنا الليلة ما فاطر)، أهرس ليك الصينية هرس وانتظر الزيادة (ملاح)، وكل مرة أقول: والله أنا الليلة ما فاطر.
عندما ينتصر الهلال، شُفّع حلتنا كلهم برجعوا من المدارس مبسوطين، ينططوا متل الهمزة على السطر.
الأبواب بتكون مفتوحة، والناس مطمئنة والكوبري ما فيه زحمة.
أي حاجة بتكون تمام ـ ننسى الحرب ونقعد نتفرج في التلفزيون زي كأننا بنشاهد عن أحداث ما بتخصنا ولا مننا.
الضحك عند الطيب صالح في (عرس الزين) والطيب أديب متخصص في التفاصيل السودانية بهذه اللونية: (وضحكوا كلهم: كل واحد منهم على طريقته: أحمد إسماعيل يكركر بضحك يزمجر بين بطنه وصدره، ومحجوب يضحك في فمه ويحدث طقطقة بلسانه، وعبد الحفيظ يضحك كالطفل، وحمد ود الريس يضحك بجسمه كله، وخاصة رجليه، والطاهر الرواسي يمسك رأسه بجماع يديه حين يضحك، وكان سعيد في دكانه، فضحك ضحكته الخشنة التي تشبه صوت المنشار في الخشب).
وقت ينتصر الهلال بنقعد نضحك بكل هذه الألوان.
التميتلي الضحك بشقو وقت الهلال ينتصر، بتخج متل الروب.
والأديب علي المك (السرور) عنده على هذا النحو: (كان أكثر ما يسر عبد الكريم هو أن يؤم الجلسات خلق كثيرون، حتى ينظروا في همته ونشاطه وتفانيه وفي ذلك ما يملأ نفسه زهواً واختيالاً (سبعة عشر عاماً في الكاكي، اعتبر نفسي سعيداً، لأني دخلت المدرسة الوسطى يوماً واحداً ثم خرجت لفسحة الفطور ولم أعد حتى الآن).
في ناس كدا ـ شاعرين بي روحهم، وعاوزين يعملوا ليهم قيمة حتي لو متعلقين ليهم في باب حافلة.
نحن شفوت، وعارفين كل شئ، مرات بنعمل حاجات ما مفهومة ولا عندها تفسير وقت (الريموت) ما يشتغل بنطلّع الحجارة، ما بنعضّيها، بنعض صباعنا، الحجارة ذنبها شنو؟ لكن وقت الهلال ينتصر، لا بنعض الحجارة ولا صباعنا، الريموت بشتغل من غير حجار.
وقت الهلال ينتصر بنرجع بيوتتا، أنا عارف عندكم مشكلة في الحتة دي .. ح ترجعوا.
أصبروا بس.
ح ترجعوا تفتحوا المراوح تاني ـ في البرد دا؟
ترقدوا في الحوش وتخلوا الباب فاتح، ووقت الشمس تشرق تخلوا لحافاتكم برّه وما تدخِّلوها لي نص النهار.
تلفونك يضرب ما ترد ـ وعشان ما تثير استياء الآخرين بتعاين في شاشة التلفون وتهمهم بجملة (رقم غريب)، مع امتعاض واضح في الوجه وصرّة بنشاهدها في حالة الفلس.
ح ترجعوا بيوتكم وتتفقدوا جيرانكم وصحن الحلبة من الجيران بصلك قبل ما تشم ريحة الحلبة.
بجيبوا ليك الصحن قبل ريحتو، (خادمتو القعدها هي بتدرش قالت قضى) دي حالة كرم لا توجد إلا في السودان.
عندما ينتصر الهلال أي حاجة بتكون تمام، وأي زول بتسألو عن الصحة بقول ليك مية المية حتى لو كان جسمه مستودع أمراض.
في ناس بشكوا من الركب والضهر والشوف وارتفاع ضغط الدم ونزول السكر وعدم النوم والرطوبة والنقرس.. في ناس بشكوا من الفلس والمرا وسيد البيت والمدرسة والمواصلات والكهرباء.
في زول وقت ما يلقى ليه شئ يشكي منو، بشكي من الطقس والكديسة التي تأتي في كل ليلة وتشيل ليها جوز حمام.
وقت الهلال ينتصر ـ الشكاوى دي ما بتسمع عنها ـ أي حاجة بتكون تمام، البلد والأولاد والصحة والجو.
حتى الجو بتصلح.
زي عبد الماجد وقت أسأله عن الأحوال بقول: (نحن كويسين.. وما عندنا أي عوجة).. (وأي زول بيسألك مننا قول ليه بسلموا عليكم).
ولا بتلقى ليك زول مفلس. أي زول بتلاقيه بحلف عليك.
تشرب حاجة.
تدخل.
تقيِّل.
تتغدى.
الدنيا بخير والمراوح شغّالة.
مالي الليلة مركز كدا في (المرواح) والدنيا برد، يا ربي أكون قاصد شنو؟
وقت الهلال ينتصر بنغني (شفتك وابتهجت) حتى لو ما شفت حاجة، لمحتك وقلت بر آمن.. (واشوف في شخصك أحلامي).
وقت ينتصر الهلال بنغني للعنبة الرامية فوق بيتنا وإن كانت (نيمة)، لمن النيمة هي ذاتها تصدق. بنغني لي بيتنا وشارع بيتنا.. بنغني لي (رمال حلتنا) والقمري فوق النخل وحمام الوادي يا راحل.. بنغني للنسيم والقمر والهلال والنيل والطير المهاجر.
نحن (مطاميس)، القطر ذاتو بنغني ليه (قطار الشوق) وبنغني للبص (يا ظبية البص السريع) وبابور قندتي وبنطون شندي.
يا ريت الموضوع لو وقف على عنبة إسحاق الحلنقي وعصافير خريفه.
وقت الهلال ينتصر أتوقع مننا أي حاجة، لأننا ممكن نعمل أي شئ.
نأكل باسطة ونشرب لبن وندخل سينما.
ونكتب جواب.
نشرح فيه كل شئ وما نخلي لينا حاجة.
انتصار الهلال عاوز ليه شاعر ـ دي تسع نقاط من ثلاث مباريات.
تسعة من تسعة.
الموضوع دا عاوز جرير، أو البحتري أو المتنبي.
الانتصار دا عاوز وليم شكسبير.
عاوز بتهوفن.
عاوز محمدية.
عاوز ليه (كمان).
أنا فترت من الكلام الكتير، مرات بفتح الشباك عشان أعمل شوية تغيير.
ومرة أقفل الشباك.
مرة الغربال.
ومرة ياسر مويس.
ومرة كوليبالي.
ومرة جان كلود.
ومرة فوفانا.
كتر علينا.
الشئ دا عاوز ليه (شاعر).
….
متاريس
فنياً إن شاء الله سوف أعود للمباراة، لمن نأخذ لينا نفس.
فوفونا.. واحد سدّاها وواحد قدّاها.
تلخبطوا الزول.
الترتيب للانتصار على مولودية في مباراة الذهاب يجب أن يبدأ من الآن.
موضوع الانتصارات دا تاني ما يقيف.
في هذه المرحلة يهمّنا في الوقت الحالي أن يتصدر الهلال مجموعته.
الهدف الحالي هو تصدر المجموعة.
نمشي خطوة خطوة.
ومرحلة مرحلة.
ربنا يحفظ الهلال.
قولوا ما شاء الله.
أي زول يقول ما شاء الله.

ترس أخير: افتحوا قوس كبير وانتظروا.

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد