صَـابِنَّهَـا
محمد عبد الماجد
كَواســي أهْــــوَاهُ
كلّمَا تمكّن منّا نعاس المَلل، وتسرّب إلى النُّفوس الإحباط، وجدنا في أقصى الروح، هنالك رجلاً يتسكّع في الدواخل ببشرته السّمراء، وابتسامته البيضاء، وقلبه الكبير، رجلاً يحمل اسم السودان وهمّه وينتصر له في زمن الغُـربة والارتحال.
ذلك الرجل الذي رتّب فينا إحساساً بالإلفة على طريقة عصفور عاطف خيري، هو المدرب الغاني كواسي أبياه.. أو كواسي أهواه.. إنّـه لا يترك لك غير أن تهــواه ـ مدربٌ هادئٌ ومُتّزنٌ ورزينٌ، لا ينفعل، ولا يدخل مع الحكام في جدالٍ، لا يُصرِّح، ولا يبحث عن اللقطة ولا الصورة، ولا سيلفي له، ولا تعليق.. حتى في المباريات يظل بعيداً عن المنطقة الفنية، زاهدٌ في الأضواء، ومُقِــلٌ في الكلام.. رجلٌ يحقق نجاحاته بدون ضجيج.
كواسي أهـواه، مدربٌ يتحدّث أرقاماً، ويتكلم “كورة”، لم نرصد له في يوم من الأيام شكوى من حال البلاد ولا ضجراً من حرب السودان.
مع أنّ الحرب أعاقت عمله لكنه لا يشكو.
لم يضع الحرب، شماعةً ولا مُبرّراً، وهو يلعب خارج الأرض وبعيداً عن جماهيره.
يتجمّع للمباريات المُهمّة قبل 72 ساعة، في بلاد غاب عنها الدوري المُنتظم وتحوّلت ملاعبها إلى ثكنات عسكرية، وأصبحت الاستادات مخازن للذخيرة والأسلحة.
بلاد مطاراتها مغلقة، وملاعبها مفقرة، ومستشفياتها جدباء، وعاصمتها تفتقد الكهرباء والماء، ومواطنها ينازع الحياة ويجابد من أجل لقمة العيش، مع ذلك منتخبها ينتصر وهلالها يتقدّم ومريخيها يعيش.
غريب في هذه الحرب، أن نشاهد من حسبنا فيهم (السودانية)، ينهبون ويسلبون ويقتلون، في الوقت الذي نشاهد فيه رجلاً غريباً علينا يعمل ويجتهد ويبني.. رجلاً يمنحنا الفرح الذي غاب عنا، ويعطينا الأمل في بلاد يتوقّف فيها العمل، وتصبح فيها الحياة لماما!!
غريب أن يمنحنا بعض أبناء الوطن الخارجين عليه، الوجع والحُزن والخذلان، ويمنحنا كواسي أهـواه الفَـرح!!
لماذا لا يتعلّمون من هذا الرجل؟ ـ لماذا لم يعرفوا أن الانتصارات يمكن أن تتحقّق بدون أن تسيل نقطة دم واحدة؟ وأن الفرح الذي افتقدناه تمنحنا له كرة القدم، وأنّ الحياة ممكنة بدون ضجر وغش ونفاق.
هذا الشعب يستحق أن يعيش ويفرح، وأنتم تحرمونه من الكهرباء والماء، والأمن والاستقرار، فهل تريدون أن تحرمونا حتى من الحلم؟!
كواسي أهـواه، أثبت أنّ البناء والتعمير والفرح والانتصارات لا تحتاج إلى إمكانيات كما ظللتم تُـردِّدون ذلك لكي تحرمونا من أدنى حقوقنا.
أحياناً نشعر أنّ هذه الحرب أشعلوها من أجل أن يجعلونها مبرّرات لهم، من أجل أن يزيدوا على الناس الضيق والتقشف.
لقد أثبتت لنا مباريات كرة القدم، إنّنا يمكن أن نفرح، يمكن أن نحلم، يمكن أن نعيش بدون ضجر، بدون هلع أو خوف، يمكن أن نضحك مع كل هذه الأوجاع.
المنتخب الوطني أثبت لنا أن الوطن جميلٌ، بعد أن كدنا ننسى الجمال.
نحن لا نستطيع أن نتجاوز كواسي أهـواه في كل الإنجازات التي يُحقِّقها المنتخب السوداني، وهي إنجازاتٌ ليست في منافسة واحدة أو في بطولة محددة، هي إنجازاتٌ في كل المنافسات التي يشارك فيها المنتخب، وهي من غير شك تُحسب لكواسي أهـواه، بفضله ينتصر المنتخب ويتقدّم.
المنتخب يُحقِّق إنجازات في البطولات كافّـة.
عندما تأهّل المنتخب السوداني إلى نهائيات “الشان”، قلنا الموضوع صدفة، والحكاية مشت معانا ساكت، لكن نفس المنتخب كان قد تأهّل لنهائيات “الكان”.
معقولة صدفة في تصفياتين؟
في تصفيات “الكان”، أقصى السودان، المنتخب الغاني، كواسي أهـواه أبعد منتخب بلاده من النهائيات ومنح السودان ذلك الشرف، وهو لا يملك ربع إمكانيات غانا.
دعكم من التصفيات المؤهلة لـ”الشان والكان”، انظروا إلى ما يفعله السودان في نهائيات “الشان”، فقد تصدّر السودان مجموعته، ومثلما أبعد المنتخب الغاني من نهائيات “الكان”، ها هو في نهائيات “الشان” يبعد المنتخب النيجيري ويحرمه من التأهل بعد أن فاز السودان على نيجيريا 4 / 0.
السودان أحرج حامل اللقب السنغال وحرمنا (الفَـأر) من ضربة جزاء مستحقة لنا.
كواسي أهـواه يُحقِّق مع المنتخب السوداني ما يشبه المعجزات، يفعل ذلك في كل المنافسات التي يشارك فيها السودان.
يفعل ذلك بكل هدوء وبدون ضجيج، وبأقل الإمكانيات، التي جعلتنا نفتقد الملاعب، بل نفتقد الوطن كله.
حتى التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم، كان المنتخب السوداني يتصدّر فيها مجموعته، في وجود السنغال، ومازالت فرصة السودان قائمة للتأهل لأول مرة في تاريخنا إلى نهائيات “كأس العالم”.
يمكن أن نشاهد السودان في نهائيات “كأس العالم”، نلعب أمام البرازيل أو الأرجنتين أو إسبانيا.
ما فارقة معانا في حاجة ـ الحرب خلت جلدنا تخين.
يمكن أن يحدث ذلك ونرى جوباك وطبنجة طرفي المنتخب السوداني في “كأس العالم”.
قد ينشر روفا إبداعاته في “كأس العالم”، وقد يسجل الغربال، وينتقل كانتي إلى الدوري الإنجليزي بعد “كأس العالم”، تشيلسي أو ليفربول، مع كواسي أهـواه كل شئ جائز، حتى روية طبنجة وكبه في الدوري الإسباني ممكنة.
يمكن أن نشاهد مازن فضل في ميلان، ونشاهد مازن سيمبو في باريس سان جيرمان.
أهو كله مازن في مازن.
سوف تمطر.. ستمطر فرحـاً وحُـباً.
من حقنا أن نحلم، أم أننا حتى في الأحلام مهددون بمُصادرة الحلم وإيقاف الطموح؟
هل سلبوا أحلامنا، كما سلبوا ممتلكاتنا وثرواتنا وأرواحنا؟ هل صادروا منّا حق أن نحلم كما صادروا منَا حياتنا؟
إنّ الحلم قد يبدو بعيداً، وقد يكون غير منطقي، لكن في وجود كواسي أهـواه، أصبحنا نشعر أنّ الأحلام مُمكنة، وأنّ المسافات قريبة، يمكن أن نفوز بـ”الشان”، ويمكن نصل لنهائيات “كأس العالم”، مع كواسي أهـواه، الأحلام في المتناول والمعجزات متاحة.
إنه رجلٌ كما يغني وردي من كلمات الفيتوري يعيد لنا الظلال في زمن الغربة والارتحال.
رجل يعيد لنا (عرس السودان) كما كتب الفيتوري، في وقت تفترش فيه أراضي الوطن (المأتم).
سعيدٌ وأنا أرى الجميع ينصف هذا المدرب ويتغزّل فيه، نحن نرد إليه بعض جمائله علينا.
كواسى أهـواه، استطاع أن يؤسس واقعاً جديداً في المنتخب وفي كرة القدم في السودان بصورة عامة.
كواسى أهـواه، يصنع جيلاً جديداً للمنتخب، من مازن سيمبو وياسر جوباك وطبنجة وكانتي ومازن فضل وكبه.
كنا نظن أنّ المنتخب بعد جيل هيثم مصطفى وفيصل العجب لن تقوم ليه قائمة، كنا نعتقد أنّ رمضان عجب آخر العنقود، لكن وجدنا أنّ هنالك جيلاً جديداً يظهر، جيل أكثر جرأة وأكثر طموحاً، وأقوى عزيمةً وإرادةً.
في المنتخب، ظهر قائدٌ جديدٌ، والي الدين خضر بوغبا، لاعب كافح وصبر وتحمّل الكثير من الضغوط إلى أن أصبح كابتناً للمنتخب السوداني.
بوغبا ينجح في صمتٍ، يتألق في صمتٍ، يسجل في صمتٍ، كل شئ يفعله في صمتٍ، فهو النجم الصامت.
روفا أشرق بصورة خيالية، فاز بنجومية مباراتين، وحقق أكبر المعدلات، وسجّل حتى أصبح هدافاً للمنتخب، يسجل ويصنع، هذه مزايا لا تجتمع إلا في روفا.
صلاح عادل الذي كان يتعرّض لحملات من النقد والتنمُّر، أصبح هو نجم المنتخب الأول.
صلاح عادل كان عندما يضعه كواسي في التشكيلة يتعرّض بسببه للنقد والهجوم، ليثبت كواسي أنّه صاح وأنّ صلاح نجمٌ، وأن ما يقوم به صلاح عادل لا يقوم به إلا صلاح عادل.
صلاح عادل مثل السكة حديد، لا بديل لصلاح عادل إلا صلاح عادل.
لقد منح كواسي أهـواه، الثقة لعدد كبير من اللاعبين، محمد النور أبوجا والطيب عبد الرازق فعادا أكثر قوةً.
أشياءٌ كثيرةٌ يقدمها كواسي أهـواه، قد لا نشعر بها، وقد نجهلها، لكنها تبقى عظيمة.
النجاحات والانتصارات والتوفيق لا يخرج من فراغٍ، لا بد أنّ هنالك عملاً وتخطيطاً وجهداً، لذلك يتقدم المنتخب الوطني ويحقق تلك النتائج المُذهلة.
كذلك لا بد أن نقول إننا أصبحنا نمتلك جيلاً محترماً من اللاعبين، ومن حُسن حظ الهلال، إنّ المنتخب يلعب له 8 من لاعبيه كعناصر أساسية في التشكيلة، وعبر التاريخ عندما يتقدّم الهلال يتقدّم المنتخب، وعافية الهلال تنعكس بصورة تلقائية على المنتخب الوطني ـ هذه عاداتٌ وتقاليدٌ، وهي جينات في نادي الحركة الوطنية.
وهنا علينا أن لا ننسى دور فلوران، فهو الذي أعدّ وجهّز ياسر جوباك وكبه وسيمبو بصورة أهّلتهم للمنتخب، كذلك علينا أن نحفظ لكواسي اكتشافاته، فهو من اختار كبه ومازن فضل وهما في حي الوادي، وهو الذي يقدم كانتي في صورة لا يجدها ولا يشهدها المريخاب لكانتي في المريخ.
كواسي كان يراهن على سليمان عز الله، وكان يختاره للمنتخب عندما كان في الهلال، لكن إعارة سليمان خصمت منه، وأبعدته عن الهلال، وهذا شئٌ يؤكد دور الهلال في إعداد عناصر المنتخب بسبب بيئة الهلال الجيدة، حتى أصبح في تشكيلة المنتخب الأساسية ثمانية لاعبين من الهلال.
لقد أصبحنا نمتلك مُنتخباً مُحترماً، مُنتخباً تأهّـل لنهائيات “الكان”، مُنتخباً يبحث عن التأهُّل لنهائيات “كأس العالم”، مُنتخباً يعمل للفوز ببطولة “الشان”.
أصبح المنتخب السوداني يمتلك مؤهلات وإمكانيات قادرة لتحقيق هذه الأحلام، فلماذا لا نحقق أحلامنا؟
من حقنا أن نحلم بالبطولة، فنحنُ نملك مُنتخباً يستحق اللقب.
…
متاريس
تعرّض الطيب عبد الرازق لحملة قوية بسبب خطأ عادي وقع فيه في المباراة الأولى للمنتخب، كواسي لم يبعد الطيب بعد الحملة العنيفة التي تعرّض لها، والطيب لم يخذل كواسي أهواه.
مواقع التواصل الاجتماعي كادت أن تحرمنا من لاعب بقيمة الطيب عبد الرازق.
صلاح عادل هو من نجوم هذا الموسم، إن لم يكن النجم الأول، وصلاح يستحق نجومية الموسم، لأنه تألق مع الهلال والمنتخب.
جان كلود مثلاً تألق فقط مع الهلال.
الغربال أبعدته الإصابة عن مباريات كثيرة مع الهلال والمنتخب.
لذلك، صلاح عادل وروفا وبوغبا يمكن أن يتنافسوا على جائزة أفضل لاعب في الموسم.
كانتي أفضل موهبة صاعدة، ومازن فضل وياسر جوباك ينافسانه على الأفضلية.
مازن سيمبو أحدث اكتشاف لمدافع جديد سوف يكون في القريب العاجل الأفضل.
الإصابة حرمتنا من أحمد عصمت كنن، وهو موهبة قادمة.
الهلال يقدم في عددٍ من المواهب بشكل رائع.
هذه المواهب أتمنى أن تجد فرصة المشاركة مع الهلال، هذه المواهب يجب أن لا تُهمل، ويُفترض أن تجد الاهتمام والرعاية من مجلس الهلال ومن جهازه الفني.
سليمان عز الله وأمجد قلق، موهبتان يجب أن يلحقا بهذا الركب.
…
ترس أخير: مبــــــروووك للسُّـــودان.