ماتوا من أجل الصندوق..

مذاق الحروف

عماد الدين عمر الحسن

من بعض ما تحتفظ به الذاكرة منذ أيام الدراسة الأولي جملة في شكل اغنية قصيرة وردت في  قصة ( جزيرة الكنز ) الشهيرة ، تقول : ( خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل الصندوق ) ، رددناها في حماس شديد وإعجاب ، والقصة كلها كانت ممتعة ومشوقة بالنسبة لنا ، ولكم أطلقنا الخيال خلف القراصنة وهم يطاردون ( جيم ) الصغير وكم انتظرنا ظهور الرجل ذوالساق الخشبية الذي يجلس العصفور دائما علي كتفه لنسافر معه الي تلك الجزيرة البعيدة في رحلة البحث عن الكنز المفقود .

خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل الصندوق ، لم نفكر وقتها في معني العبارة ولا فلسفتها ، ولا في كيف يمكن لخمسة عشر رجل أن يموتوا– فقط –  من أجل صندوق واحد حتي لو كان هذا الصندوق مليئا بالذهب ،لم نلتفت بطبيعة الحال  في تلك المرحلة من العمر الي فكرة الموت مقابل الأشياء – صغرت هذه الاشياء أم كبرت .

خمسة عشر رجلا ماتوا من أجل الصندوق ، تذكرتها صباح اليوم ووجدت نفسي أرددها وأنا اطالع في الاخبار قصة مقتل شابين من منطقة واحدة علي يد شابين اخرين بعد خلاف علي شحنة  ( صندوق ) من الذهب ، وهونوع من الاخبار تستطيع أن تجد منها الكثير متي ما بحثت عنه في الصحف ، فالناس عموما يقتلون بعضهم البعض ،ولكن الذي يختلف هو السبب الذي يذكر بعد كلمة ( من أجل )  .

شاب يقتل رفيقه من أجل عشرة جنيهات ، مقتل خمسة رجال من قرية واحدة بسبب خلاف علي قطعة أرض ، شاب يقتل خطيبته بسبب الغيرة ، إمرأة تقتل زوجها بمساعدة عشيقها لأنه اكتشف علاقتهما  ، هذه نماذج من عناوين تصدرت صفحات الجريمة بالصحف اليومية خلال الفترة السابقة .وخلاف ازهاق الروح نجد العامل المشترك بين ما مضي من عناوين هو تواضع السبب الذي أدّي الي عملية ازهاق الروح ، والحديث ليس عن الكم ، فمعلوم أن العشرة جنيهات قد تعدل في قيمتها  – بالنسبة للقاتل – الذهب الذي قتل من أجله الشابين في الحالة الاولي ، والحب – كما في الحالة الثانية – هو سبب كاف ليقتل أحدهم خطيبته اذا شك في مقدار حبها له – ولكن الحديث هنا عن وضاعة الاسباب المتعلقة بالمادة عموما في مقابل حياة الانسان التي كرمها الله ، وعن قيمتها التي تصل الي درجة أن قتل نفسا واحدة يعدل قتل الناس جميعا ، لا أعرف حقيقة لماذا أصبحنا نقتل بعضنا لأسباب تنافس بعضها في التفاهة وعدم الجدوي وهل ضاقت علينا أنفسنا الي هذه الدرجة ، أم أن اخلاق الرجال تضيق .

أسباب كثيرة قد تجعل الناس يفعلون ذلك ، ولكن المال دون شك هو المتهم الأول المتسبب  في جعل الناس يصلون الي الدرجات التي يقتل فيها بعضهم بعضا ، كما أنه يوصلهم في عدد مرات أكثر الي درجات أقل تجعلهم يقطعون صلاتهم ببعضهم ولو كانت صلات قربي ورحم ، فكم من قاطع لأخيه او بني عمومته بسبب خلافات الارض والميراث ، وتحضرني هنا قصة عائلة كبيرة اختلف ابناؤها علي الورثة وفي أحقية كل منهم في عقار في موقع مميز في واحد من أحياء الخرطوم العريقة ، ليتدخل بينهم عدد من الاقارب والعقلاء بغرض حل هذا النزاع لكنهم لم يفلحوا لتتنتقل الخلافات بعد ذلك الي ساحات المحاكم وتمكث هناك من السنوات عددا مات خلالها بعض اطراف النزاع ليتحول الخلاف من الاباء الي الابناء حتي وصل الي شقيقين مات أولهما في حادث مرور ، ثم توفي الثاني قبل شهور نتيجة جلطة مفاجئة وبقي العقار بدون مالك يحكي لمن يمر به وضاعة هذه الدنيا ويقول أنها لا تستحق القتال عليها ، وكم تمنيت أن يحج  الناس  الي هذا العقار كل عام ليذكرهم وليعتبروا لو كانوا يعتبرون  .

 مـــذاق الحــــروف

                        عــمــاد الدين عـمــر الحسن  

حمل تطبيق كورة سودانية لتصفح أسرع وأسهل

 لزوارنا من السودان متجر موبايل1

http://www.1mobile.com/net.koorasudan.app-2451076.html

3,699 حملو التطبيق

لزوارنا من جميع انحاء العالم من متجر قوقل

https://play.google.com/store/apps/details?id=net.koorasudan.app

13230 حملو التطبيق

على متجر   mobogenie

 http://www.mobogenie.com/download-net.koorasudan.app-3573651.html

5000+ حملوا التطبيق