أين ذهبت المعونات الإنسانية..؟!
أبوعاقله أماسا
* سنتنازل عن كل ما بشرت به وزارة المالية في عهود ما قبل تولي دكتور جبريل إبراهيم مسؤوليتها، وسنغض الطرف عن عجزها الكامل في التعامل مع تحديات الحاضر وعدم محاولتها إنقاذ ماتبقى.. أو على الأقل الكف عن التصريحات التي تستفز المواطن وتثبت عجز الوزارة في وضع سياسات ومعالجات لدرء آثار الكارثة الإقتصادية المصنوعة.. فالرجل الأول بوزارة المالية يبدو أنه لا يأبه لمعاناة الناس، بل يتعامل مع عظائم الأمور بذات الإستخفاف الذي تعامل به في قضية إستثناءات السيارات عندما ظهر إسم قريب له ضمن المستفيدين.. نتجاوز كل ذلك في الوقت الراهن لنوجه سؤالنا المباشر للحكومة والمسؤولين عن إدارة الملفات والوزراء المدنيين والولاة المتواجدين ببورتسودان: أين ذهبت المعونات الإنسانية التي تتدفق على الميناء وأين ضاعت كل الجسور الجوية والبواخر التي هبطت ورست بمدينة بورتسودان منذ بداية الحرب وحتى الآن؟
* كنا سنتقبل كل المبررات الساذجة والمقنعة قبل أن نشاهد مقاطع الفيديو لشاحنات تحمل تلك المعونات إلى الأسواق، ومن ثم تظهر جزء منها على أرفف البقالات والمتاجر لتباع لمن إستحقها مجاناً في ظلم متكرر للشعب السوداني يظهر كيف استمرأ مصاصو الدماء حقه، وهذه لعمري جريمة كبرى توازي جريمة الحرب نفسها، وكنا ننتظر أداءً حكومياً يستفيد من التجارب السابقة والمخجلة عندما كانت المعونات الإنسانية الموجهة للشعب السوداني تذهب إلى فائدة المسؤولين وتجار المعونات الذين شكلوا مافيا حقيقية تلتهم المساعدات وتوجهها إلى الأسواق.. المعونات الموجهة للمتضررين من الكوارث الطبيعية مثل السيول والأمطار والفيضانات، وكنا نعتقد أن الفضائح والمسكوت عنه في هذا الملف سيجعل المسؤولين أكثر حرصاً على الفعل الصحيح هذه المرة لأن الكارثة أكبر وآثارها ستظل قائمة على المدى الطويل..!!
* المسؤولية تقع مباشرة على عاتق الحكومة متمثلة في كل اللجان المفوضة لإستلام مئات الآلاف من أطنان المساعدات التي رست بها السفن وهبطت بها الطائرات ببورتسودان والوزراء المتواجدين هناك وكذا الحال والي ولاية البحر الأحمر لأن الجريمة ترتكب على أرض ولايته وهو بحكم منصبه يشغل رئيساً للجنة الأمن بها، والمعلومات المؤكدة أنها لم توزع على المستهدفين والمستحقين ولو بنسبة ١٠٪ حتى الآن، ليس بسبب إنعدام الأمن وغياب وسائل النقل والترحيل، فهنالك مناطق إيواء وأحياء يسيطر عليها الجيش ولا تشهد أية معارك.. ومع ذلك لم يصلها ولو (كيلو عدس).. وهو ما يكشف حقائق مهمة جداً، أولها أن هنالك تساهل وتراخي من قبل المسؤولين عن هذه الإعانات وتوزيعها بصورة عادلة في التوقيت المناسب لتغطي ولو جزء من الحاجة الأساسية للمتضررين، فضلاً عن مئات الأطنان كانت عبارة عن مساعدات طبية وجزء منها أدوية منقذة للحياة تخص ذوي الأمراض المزمنة كلها قابلة لأن تتسرب من قوافل المعونات المجانية إلى السوق السوداء لتكون في متناول المستطيعين فقط، كما أنها قابلة للإهمال وسوء التخزين كما أثبتت التجارب السابقة، فكم من مساعدات مهمة تعرضت للإتلاف في الميناء؟.. وكم من أجهزة باهظة الأثمان فقدت قيمتها وصلاحيتها بسبب سوء التخزين؟.. ونحن في هذا المقام لن نتحدث عن العدل والمساواة فنحن الآن أقرب لأن نكون في غابة يسودها قانون القوي فقط..!
* من خلال ثلاثة أشهر مضت منذ اندلاع هذه الحرب الملعونة ظهرت مقدرات الدولة وعجزها في مجابهة آثارها الإقتصادية والصحية، والآن تسير الأوضاع نحو مجاعة حقيقية، مع كارثة بيئية تخنق العاصمة بطوق من الأمراض والأوبئة.. وما لم يحدث جديد من الآن وحتى حلول شهر أغسطس الماطر فإن ضحايا الجوع والأوبئة سيكونوا أضعاف ضحايا الحرب..!!