صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

مذكرات من الحرب اللعينة (٨)

363

مخازي الوطن في أبناءه..!

أبوعاقله أماسا
* المواقف السياسية السالبة للنخب السياسية السودانية إن أردنا حصرها فهي عصية ومريبة ولا تخرج في معظمها عن (الخيانة).. خاصة عندما يكون الأمر متعلقاً بقيم ثابتة ومفاهيم رفيعة مثل الأمن القومي وبعض القضايا الوجودية التي لا تحتمل أكثر من لونين (أبيض _ أسود).. وفي سبيل ذلك كان من الواضح أن صناعة الدعم السريع كان خطأ تأريخياً يوازي خطأ رجل يستضيف رجلاً آخر في غرفة نومه، فما من دولة محترمة تنشد السلامة والأمن والإستقرار لأرضها ومواطنيها تقدم على هذا الفعل.. ونحن لا نريد أن نستغرق في هذا الأمر ونبدأ في المحاسبة.. فوقتها لم يحن بعد، ولكننا نريد أن نثبت أنه كان خطأ خصم كثيراً من قيمة الأمن والإستقرار..!
* خطأ إرتكبه العسكر، ولكن السياسيون جميعاً بلا استثناء زحفوا إلى مكاتب وقيادات الدعم السريع وقدموا فروض الخضوع والخنوع ونالوا من العطايا والهبات في ذات الوقت الذي كانت فيه قواعدهم تهتف في الشارع (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل).. وقتها كانوا يقيمون الشراكات السياسية ويتخذون قوات حميدتي ظهراً واقياً لهم، وكأنهم لا يعرفون خطورة الإعتماد على المليشيات في بناء دولة تتطلع لأن تنهض بنظام مدني على دستور دائم، وأي مليشيا يا سادة؟.. مليشيا مبنية من الأساس على أفكار عنصرية وقبلية وإقضائية مهزوزة لم تطبخ وتسبك جيداً من حيث إطارها النظري، فتارة هي مشروع عروبي إنتقائي وعنصري، وتارة أخرى هي مشروع جهوي يتحدث المؤمنون به بمنطق جهوي يضع ضرورة أن يحكم أبناء الغرب.. وكلما مرت شهور وانتفخت خزائن الدعم السريع بالذهب والمال، شطح قادته في استحداث نظريات جديدة في السياسة السودانية حتى أصبحت هذه الربكة مؤثرة في شخصية السودان الإعتبارية بين الدول.. في علاقاته وسياساته الخارجية، وبدلاً أن كان السودان هو صاحب اليد العليا على الدول الخليجية بحكم أنه تقدم عليها في الحضارة والمدنية وساهم بقدر كبير في بناءها وتأسيسها.. أصبحنا في عهد حميدتي والدعم السريع مجرد عبيد في بلاد دولة صغيرة ومراهقة مثل الإمارات العربية المتحدة تنازلت عن دورها الحكيم الذي أكسبها الإحترام في حياة مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.. إلى دولة مراهقة تعبث بأمن الدول وتزرع فيها الفتن والمؤامرات…!!
* قبل هذه الحرب كان الحديث عن سلام جوبا وكيف تحول من حلم جميل يزينه البعض من أجل مكاسب سياسية رخيصة إلى كابوس مرعب لسكان الخرطوم.. ففجأة استيقظت الخرطوم على مشهد عظيم ومريع.. آلاف الجنود غير النظاميين يجوبون العاصمة التي كانت آمنة في يوم من الأيام بسيارات بدون لوحات وتصرفات همجية لا سقف لها ولا رادع قانوني لها.. شاهدنا الحركات المسلحة تعتدي على الشرطة وتقتحم المحاكم وتطلق سراح مجرمين منتسبين لها إرتكبوا مخالفات قانونية.. وشاهدنا السرقات والجرائم والسيولة الأمنية.. والإنهيار الإقتصادي.. ومع ذلك كانت النخبة السياسية المتآمرة يستمتعون بتحالفاتهم السرية مع قيادات الدعم السريع ويسهمون في تنامي الخطأ الأول الذي أوجد هذا النبت ليكون الناتج ما نحن فيه اليوم.. ومن العجيب أن يصرخ بعض القادة وسياسيي الغفلة بعبارة (لا للحرب) بينما تمتليء أفواههم بخيرات الدعم السريع وأفضال حميدتي عليهم… فكيف يستقيم الأمر وأنت تتصالح مع كل أسباب الحرب وتسوق هذه الأسباب وعندما تبلغ (صيرورتها) ترتد إلى الموقف الذي كنا ننتظره من الأول.. قبل خمس سنوات..!!؟
* بعض الساسة وقيادات الأحزاب رفعوا وتيرة أستعداء القوات المسلحة وأوغلوا في نظرية المؤامرة التي تعمل على ربطه بالأسلاميين واجتهدوا في ذلك أكثر من اجتهادهم في تقديم رؤية وطنية إصلاحية تنافس الإسلاميين في الميدان السياسي.. لذلك أضعنا الكثير من الوقت في إتباع تخيلات وتهيؤات قادة الأحزاب وبعض السياسيين من أصحاب المواقف المائعة التي لا تخدم أي مشروع وطني يدعو بالفعل إلى الإستقرار والتنمية..!!
* أما الحركات المسلحة الدارفورية التي تخطي عددها الثمانين حركة مسلحة فنحن نطالبها بحل نفسها وتسريح منتسبيها لأن ما يحدث اليوم في أغنى ولايات السودان دليل على فشلها الذريع في تقديم شيء لأهلهم هناك… أقلها حمايتهم من بطش الجنجويد.. فقد أكدت منظمات الأمم المتحدة أنها أنفقت مايزيد عن أحد عشر مليار دولار في سبيل تحقيق الإستقرار في هذا الإقليم الملتهب، وبعد عشرين سنة من ظهور أزمتها هاهي دارفور تبدو أسوأ بكثير من ذي قبل.. وحركاتها المسلحة تبدو بلافائدة.. فلا هي ساهمت في تنمية الإقليم… ولاكانت لها بصمة في بسط الأمن عليها… بالعكس وظفت أموال التنمية والإستقرار في التسليح وشراء آلات الموت الزؤام.. فأصبح كل مافي دارفور يحمل أخبار الموت والنزوح والتشريد والجوع.. بينما نشأت مخططات ومدن وقرى وبنيت قصور وتضخمت أرصدة أفراد وأسماء في البنوك من قضية دارفور..!!

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد