صحيفة كورة سودانية الإلكترونية

“مشروع التكديس”… عندما يتحوّل الهلال إلى نادٍ بلا هوية!

17

لعمود الحر

عبدالعزيز المازري

“مشروع التكديس”… عندما يتحوّل الهلال إلى نادٍ بلا هوية!

*في الهلال – النادي، الكيان، والهوية – هناك شيء ما يُذبح على نار هادئة، اسمه “الروح”، واسمه الآخر “الهوية السودانية”. منذ سنوات ونحن نُمنّى النفس بمشروع احترافي يصنع من الهلال نادٍ يُحسب له ألف حساب في القارة، لكنّ الذي يحدث اليوم لا يشبه الحلم، بل يشبه “خطة إفناء جماعي للاعب السوداني”.
*الهلال الذي كان يُبهر، صار يُبهت… لا لأن النتائج سيئة، بل لأن الملامح ضاعت، وأصبح الشعار وحده سودانيًا، أما بقية التكوين فهو قادم من كل جنسيات الكرة… عدا السودان!
ا*ليوم، في كشف الهلال تجد **12 لاعبًا أجنبيًا**، أي فريقٌ كامل تقريبًا من المستوردين! وخلال ثلاث سنوات فقط من هذا المشروع، دخل وخرج على النادي أكثر من 25 لاعبًا أجنبيًا، في مشهد أقرب لسوق المواشي منه إلى نادٍ كبير ببصمة كروية واضحة. استقدام بالجملة، ثم تسريح جماعي. ما هكذا تُبنى الفرق!
*والمفارقة الساخرة… أن الهلال لعب بالأمس وحقق الانتصار بثلاثية نظيفة **بوجود خمسة أجانب فقط!** وبأقدام وطنية حفرت في الأرض عزيمة، وأبانت الغُرّة، والحماس، والصلابة. شعرنا – ولو للحظة – أن هذا الهلال الذي نحب، يزهو بروحه، لا بجوازات سفر لاعبيه. هذا الانتصار الصادق يعيد التأكيد على أن “تصويب اللاعب الوطني” ليس خيارًا ثانيًا، بل ركيزة يجب أن تُصان، لا أن تُوأد تحت ركام التكديس الأجنبي الذي بات سمة مشروع العليقي.
*مشروع “الهلال العالمي” الذي بُني على عقود مالية ثقيلة وأبرام صفقات مع محترفين مغمورين، نسي أساس المشروع: جمهور الهلال لا يريد فريق “باريس سان جيرمان فرع الخرطوم”، بل يريد هلالًا يشبهه، ينتمي له، ويراه في الغربال، وصلاح عادل، وفارس، وبوغبا، وعبدالرزاق. هؤلاء خلال عامين – بالكثير – سيكونون إما في الدكة، أو خارج الأسوار، ليُستبدلوا بأسماء لا تحفظ السلام الجمهوري.
*قُل لي بربّك: هل رأيت فريقًا اعتمد على 8 أجانب كأساسيين واستمر؟ مازيمبي الكونغولي جرب، وحصد بعض المجد المؤقت، ثم تهاوى فجأة… لماذا؟ لأن المال لا يشتري “الهوية”، ولا يصنع “ولاءً”، ولا يبني “تاريخًا”. مازيمبي دفع الملايين، جلب نجوماً من غرب ووسط إفريقيا، حصد بطولات… ثم فجأة اختفى، لأنه لم يصنع مدرسة، لم يُخرج نجوماً يحملون اسمه، بل كان مجرد محطة ترانزيت للمحترفين.
*والأمثلة تتوالى: فرق كبيرة أفريقية تعتمد على 3 أو 4 محترفين بجودة عالية، وتُكمّل البقية بلاعبين محليين صُقلت موهبتهم. النجم الساحلي، الوداد، سيمبا التنزاني… كلها تعتمد على محترف نوعي، لا كَمّي، بينما نحن نكدّس ونُصفّي.
*وهنا، يجدر بنا أن نُحيي البروف كمال شداد، الرئيس السابق للاتحاد، حين كان يُصر على أن لا يزيد عدد الأجانب عن اثنان – وربما ثلاثة بشروط – على أن يكون اللاعب من منتخب بلاده، صغير السن، ومؤهل فنيًا. وقتها، اُتهم الرجل بالتخلف، لكن الأيام أثبتت أنه كان سابقًا لزمنه. فها هو المريخ يُهزم بلاعبيه الأجانب، وها هو الهلال يُعاني من كثرة التبديل والتغيير.
*والمؤلم أن الهلال كان يملك بوابة حقيقية للمستقبل، متمثلة في **فريق الشباب** الذي كان يُشرف عليه **عوض طارة**، عضو المجلس الحالي، *قبل أن يُنسى المشروع تمامًا، ويُهمل الجيل الذي كان يمكن أن يكون نواة “عظم الهلال”. ألم يكن من الأجدى أن يُرسل أولئك الشباب لأكاديميات خارجية – وقد وقّع الهلال عقودًا فعلًا مع بعض تلك الأكاديميات – بدل أن نكدّس اللاعبين الأجانب؟ كان يمكننا صناعة فارس الطيب جديد، لا أن نبحث عن “فارس” غيني أو نيجيري.
*أما المدرب الكونغولي **فلوران إيبينغي**، الذي يقود الهلال منذ أكثر من عامين، فالسؤال الجوهري هو: ما الذي قدّمه حتى الآن؟ هل بنى فريقًا مستقرًا؟ هل أوجد أسلوبًا ثابتًا؟ هل دفع بمواهب؟ للأسف، معظم ما نراه هو تبديل مراكز، وتحكّم في غرفة الملابس، وتدوير أجانب. فحتى في موسم الاستقرار، الهلال يبدو وكأنه يبدأ من الصفر كل شهر.
*المشكلة ليست في الأجانب، بل في “الإدمان الإداري عليهم”. والمصيبة الأكبر: أننا نقتل المواهب، نغتال الطموح الوطني، ونكسر السقف فوق رؤوس أبنائنا… كل هذا تحت لافتة “الاحتراف”، وهو في حقيقته “استيراد عشوائي”.

# رصاصات الرحمة في جسد المشروع الوهمي!
**(خاتمة لا تقبل التجميل):**
1. **الهلال ليس “مركز إعادة تدوير” للاعبين أجانب بلا بصمة… بل نادٍ صنع نجومه من ترابه.**
2. **فلوران لم يقدّم في عامين سوى التبديل والتدوير… فهل ننتظر منه فجأة أن يبني هوية؟**
3. **مشروع الشباب الذي أدارَه “طارة” ضاع بين الرفوف… بينما تذاكر الأجانب تُحجز يوميًا على حساب الموهبة المحلية.**
4. **شداد – الذي سُخِر منه يومًا – كان محقًا حين رفض انفلات ملف الأجانب… والتجربة الآن تُدين كل من هاجمه.**
5. **الهلال لا يُبنى بالشحن الجوي… بل بالتخطيط، والصبر، وصناعة أقدامٍ سودانية تُغنّي النشيد بفخر.**

قد يعجبك أيضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد