توقعنا ردة فعل قوية ومناسبة علي خلفية نشر صحيفة المجهر خبرا مغلوطا عن إستياء الجيش السوداني للزي الذي ظهر به رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك خلال زيارته لمعسكرات النازحين وهو يتفقد لطابور الحرس الذي اقيم علي شرفه ، غير أن الجيش اكتفي بنفي الخبر علي لسان الناطق الرسمي باسمه ، ثم علي لسان والي شمال دارفور والذي كان حاضرا للطابور ليكون علي ذلك الأحق والاولي بالاستياء ، لكنه قال نصا ( ده كلام شنو مافي كلام زي ده ومافي استياء ) . ليكون التساؤل حاضرا في الاذهان عن مصدر الخبر الذي نشرته الصحيفة سيئة الذكر والمثيرة للجدل ، ولن تخرج الاجابة عن احتمالين لا ثالث لهما :
الاحتمال الثاني أن هناك ازدواجية في المؤسسة العسكرية العريقة – حيث يوجد من يمثلها ويتحدث بلسانها ويوزع التصريات علي الصحف كما يوزع الاستياء من ملابس المسؤلين – دون علم الناطق الرسمي الذي يعود لينفي ما يصرح به ذلك المصدر المجهول .
أما الاحتمال الاول – وهو الاقرب الي التصديق – أن ناشر تلك الصحيفة يكذب ويتحري الكذب ويعتمد في خبره علي إحساس يتمناه بأن يستاء الجيش والشعب – ليس من لبس رئيس الوزرءا فقط – بل من كل الحكومة مجتمعة ، ثم يتخطي حاجز امنياته كل ذلك وتراوده أحلامه بعودة حكومته القديمة وحزبه الفاسد وكل اللصوص ليواصلوا ما انقطع بفعل الثورة من مسيرة دمار البلاد .
أيا كان الاحتمال الصحيح – فعلي الجيش أن يقوم بما هو أكثر من نفي الخبر ويتحقق مما نشر سواء بواسطة أجهزته الامنية الخاصة ، أو عبر رفع قضية علي الصحيفة التي نسبت اليه مالم يقله ، أو شكوي الي مجلس الصحافة والمطبوعات علي أقل تقدير .
الجيش مؤسسة قومية شديدة الحساسية في التعامل معها ، أو هكذا ينبغي أن تكون ، وكل الاخوة بالوسط الصحفي يعلمون أن المؤسسة العسكرية كانت علي الدوام ضمن خمس محاذير في التناول الاعلامي ونشر الاخبار ، ومثل هذه التجاوزات تشير بوضوح الي خلل كبير في السياسات لا يجبره الاعتماد علي حرية النشر وتسامح الدولة المدنية ، فالحرية لاتعني الفوضي بحال ، والمدنية لا تعني الانتقاص من قدور الاخرين ، الفرق كبير بين الكذب وحرية النشر ، الجيش يجب أن يكون خطا أحمرا حتي في ظل الحكم المدني ، يلي ذلك مكانة الوظائف الدستورية والتي لابد أن تحظي بالاحترام المطلوب – دون تقديس – ولكن دون تجريح ، والحديث هنا لا يقتصر فقط علي ( المجهر ) وصاحبها ، فمن قبل وصف أحدهم وزير الصحة ب ( ديك العدة ) ، وتطاول غيره علي وزيرة التعليم العالي ، وطالب ثالث بالضحك علي وزير المالية ، و كثير من الصحف السياسية اتخذت من انتقاد الوزراء شغلا لها وتطاولت عليهم بما لم تكن تستطيع نصفه أبّان حكم اللصوص وقد كانوا الأحق بالانتقاد والتقريع ، لكنه الخوف وعدم الحياء .