صَابِنَّهَا
محمد عبد الماجد
مُوسيقى عبد الرحمن عبد الرسول
في السُّودان، هنالك أشياء بتلمّنا كلّنا وبنجتمع عليها وهناك اتفاقٌ عامٌ حولها، (زي يوم الوقفة).. القواسم المُشتركة بيننا كبيرة وأصيلة وعظيمة، وضاربة في جذور هذه البلد، رغم اختلافاتنا الكبيرة وخلافاتنا الأكبر، بعض هذه الأشياء تَسَاقَط وقضى نحبه بسبب التطوُّر والثورة التي حصلت في التكنولوجيا، وبعضها ينتظر، وبعضها مازال صامداً وشامخاً يُكافح عوامل الزمن والشيخوخة والزوال.. أما ما قضى نحبه فهو النفاج والمسلسلات الإذاعية، ونشرة (3)، وبرنامج ما يطلبه المستمعون، والجوابات العاطفية والاجتماعية، وإهداء الصورة والتذكار الذي يُكتب على خلفيتها، والقلب الذي يشقه سهمٌ إلى نصفين، والتلفون الثابت، وصينية الغداء، وشاي المغرب، وشليل وين راح، وشديّد، وفاصل للبنات وفاصل للأولاد، (ويا جماعة نحن الأولاد لو ما طلعوا من الدارة الحفلة دي بنوقِّفها). وأمّا من ينتظر فهي الصحافة الورقية، وهذه مُجاملةٌ مني للصحافة الورقية، لأنّ ظروف الحرب قضت عليها، وآخر محطة وكرسي على الشُّباك، والفطير باللبن، وأما الذي مازال ثابتاً وشامخاً فهي الجلابية والعِمّة والثوب السوداني وعلاقاتنا الاجتماعية بصورة عامة، والهلال والمريخ، ووردي وعثمان حسين وشارع بيتنا، وكنت أتمنى أن أقول الموردة والحفلة الصبّاحي وعدم قوة رأس ولاد الجيران.
شفع الزمن دا رأسهم بقى متل الحجر.
هذه الحرب إذا كانت فيها مزايا ـ علماً أنّ الله سبحانه وتعالى جعل في كل البلاوي فوائد ومكاسب، بعضها نشعر بها، وبعضها لا نشعر، أعظم هذه الفوائد الصبر على الابتلاء والرضاء بالمقسوم والمقدر.. هذه الحرب إذا كانت فيها مزايا وفوائد وهو أمرٌ لا بُـدّ منه، فهي قد أعادتنا إلى تقاليدنا القديمة (مجبر أخاك لا بطل) ـ خاصةً في مناطق الصراع، رجعنا للزير ومويه الصينية والاستماع للإذاعة والمُلاح البايت والنوايا الطيبة، حتى إيماننا بالقضاء والقدر أصبح أعلى.
هذه الحرب رجّعتنا تاني للشُّلة والقعدة في ضل المقيل، رجّعتنا للبلد والبيت الكبير والجذور وخلّتنا نعرف قيمة الأهل وطعم الأمن والسلام والقرقوش.
أنا قلت القرقوش؟ (ما تشتغلوا بالموضوع كتير ـ لكن القرقرش ليه عوزة).
رجعنا لمكوة الفحم ومكوة تحت اللحاف لمن لا يستطيع سبيلاً لمكوة الكهرباء أو حتى الفحم، رجعنا لشاي الحطب ونقّـاع القُلة، وجوابات اليد والشوق للبحر، وبقينا ننتظر (الجدادة) تبيض، والمويه تبرد والدكان يفتح والشبكة ترجع.. بقينا نكرد حلة الحلبة ونلحس جُمادة اللبن.
في ناس لا بعرفوا لي نكرد ولا بعرفوا لي الجُمادة.. قاعدين ساكت بس.
الليلة مالي مُركِّز شديد كدا على اللبن ـ في شنو؟
هسع الجُمادة الدّخّلها شنو في الموضوع؟
الحرب خلّتنا ننوم من سبعة ونقوم مع النّـبّـاه الأول.
والله أول مرة نحس بالبرد، لينا زمن من برد زي دا.
ما عاوز أتحدّث عن مساوئ الحرب لأنّها كثيرة وهي لا تغيب على أحدٍ ـ نحاول أن نتحدّث عن الإشراقات عسى ولعل نستطيع أن نُواجه هذه الظروف الصعبة بثقة وإيمان وثبات ـ عاوزين نشيل معانا من هذه الحرب الإيجابيات وندفن السلبيات قبلها، يمكن أن نعود ونتحدّث عن السلبيات في ظروف أحسن من هذه الظروف، عشان نتعلّم ونشرح الواقع وما نقع تاني في نفس الأخطاء.
لكن الأكيد نحن كسودانيين عندنا سلبيات كتيرة ولا بُـدّ من مُعالجتها.
في هذه الحرب رجعنا إلى برنامج (عالم الرياضة) في إذاعة أم درمان الفتية، في كثير من الأوقات كان برنامج (عالم الرياضة) هو وسيلتنا الوحيدة لمعرفة الأخبار الرياضيّة، حتى وإن كانت هنالك وسائل أخرى للحصول على الأخبار، تبقى المنابر العامة ذات قيمة كُبرى، لأنها تجمعنا كلنا حولها، ولأنها تجعل بيننا شراكة، وقرابة وصِلة وإلفَة، ومن هنا تأتي أهميتها، ولهذا نُطالب دائماً الاعتناء بالمنابر العامّـة ودعمها وتطويرها، لأنّها تخلق روابط الوحدة، وتُقوِّي أواصر الوطنية والانتماء للوطن.
الوطن عبارة عن منابر مُختلفة، كلها تعمل له ومن أجل قوميته ووحدته وترابطه الاجتماعي وتعايشه السَّلمي، في حالة الحروب تتغيّر اللغة بعض الشئ وهذا أمرٌ يبقى طبيعيّاً.
أواصر الوطنية دي ما بتلقوها في حِتّة تانية ـ ألبدوا بيها ساكت في البرد دا، ما عندنا منها كتير.
برنامج عالم الرياضة الساعة اتنين ونص ـ إذاعة جمهورية السودان من أم درمان تُقدِّم:
عااااااالم الرياضة.
الساعة اتنين ونص عندنا حدث.
ننتظر الساعة اتنين ونص من سبعة.
جَرُّوا الزمن، رجّعوه تاني، الساعة اتنين ونص عندنا ثابتة.
زمان الواحد تلاقيه في الشارع، تقول ليه جاري كدا مالك ؟ يقول ليك لاحق عالم الرياضة، تقوم إنت ذاتك تجري معاه.
وزمان اللاعب وقت يزعل من شطبه بقول ليك سمعت خبر شطبي في عالم الرياضة.
المصدر الوحيد كان عالم الرياضة.
شعار البرنامج الموسيقي زي كأنّه بقول ليك خلِّي أيِّ حاجة وتعال أقعد أسمع.. بفج ليك حِتّة خاصّة، شعار البرنامج بخلِّيك تثبِّت الموجة على أم درمان وتوجِّه الراديو على اتّجاه مُعيّن، عشان الصوت يكون واضح.
الغريبة حتى الذين لا يهتمون بالرياضة ولا يتابعونها، برنامج عالم الرياضة فرض نفسه عليهم، أيِّ زول رياضي أو غير مُهتم بالرياضة الساعة اتنين ونص بتلقاه فاتح الراديو.
المركبات العامة، الكافتيريات، المطاعم والطبليات والبيوت والدكاكين، كلها الساعة اتنين ونص بتلتقي في عالم الرياضة.. نحن كان ما عندنا قضية بالساعة، كنا بنعرف الساعة اتنين ونص بعالم الرياضة.
الإنترنت كتل الأخبار ـ زمان التسجيلات والأخبار كلها بنعرفها من عالم الرياضة، حتى نتائج المباريات كنا نعرفها تاني يوم من برنامج عالم الرياضة.
هسع في صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي الخبر يجيبوا ليك قبل تلاتة أيّام.
نتيجة المباراة يجيبوها ليك قبل المباراة.
برنامج عالم الرياضة وبرنامج ربوع السودان الاتنين بعتبرهما واحد ـ لأنهما برنامجان قوميان ويربطان السودان كله، والشعب السوداني كله يستمع لهما.
ولا ننسى برنامج دكان ود البصير وبرنامج ما يطلبه المستمعون وركن الأطفال.
نكتة!!
ارتبط برنامج عالم الرياضة بالرشيد بدوي عبيد وعبد الرحمن عبد الرسول وعثمان حسن مكي وصلاح أحمد محمد ومعتز الهادي ويوسف محمد يوسف، ومن الأصوات النسائية المُميّزة ريم عبد الجليل، ولا ننسى الراحل عصام الدين الدرديري رحمة الله عليه وكل مراسلي البرنامج في العاصمة والولايات والذين كانوا يمدُّونا بكل الأحداث وبالتفاصيل المُفيدة والمُختصرة.
مراسلو عالم الرياضة في الولايات كانوا أشهر من ناس عصام الشوالي وحفيظ دراجي والكعبي ورؤوف خليف.
حافظين مراسل أي منطقة حفظ.
كتبت مرة عن الأستاذ الرشيد بدوي عبيد وأتحدّث اليوم عن عبد الرحمن عبد الرسول، والذي سبق أن انتقدته مرة ولم يمنعني انتقادي له وقتها أن أشهد له بإبداعاته وتميُّزه وتقاريره الرائعة، ولا يمنعني انتقادي له سابقاً أن أكتب عنه اليوم مادحاً ومُشيداً وليس في ذلك خلطٌ أو تباينٌ، لأنّنا لا نكتب عن أشخاص، وإنّما نكتب عن منتوجهم وما يقدمونـه، وليس لنا مشكلة شخصية مع أحد، وإنما مشاكلنا مع (المنتوج) وفي ذلك قد نختلف ونتّفق وقد نُخطئ ونُصيب، نحاول بقدر الإمكان الاجتهاد والالتزام بالمهنية فيما نطرح، وأظن أنه مع الوعي الذي حدث ومع وجود الوسائل والوسائط التي تُصحّح وتصوّب وتكفل حَـق الـرَّد للجميع بما في ذلك القارئ الكريم، يبقى من الصَّعب أن تكتب قادحاً أو حتى مادحاً إن لم تكن تمتلك مُقوِّمات منطقية لطرحك ورأيك، حتى وإن كان رأياً شخصيّاً ووجهة نظر خاصّـة بك.
وأيِّ حاجة بتكتبها انت مسؤول عنها، وعندك مُبرّراتك المُقنعة ومنطقك القوي لطرحها وإقناع الناس بها.
مشكلة إذا انتقدت ليك شخص من أجل غرض شخصي، والمشكلة تبقى أكبر إذا مدحت ليك شخص لغرض شخصي.
الصحابة الكرام كانت حقوقهم عندما تدخل فيها الغرض الشخصي وما يتبعه من هوى وتشفٍ بتنازلوا عنها.. عندما تكتب من أجل مراراتك الشخصية وتبحث عن انتصار الذات تفقد كثيراً وتخسر أكثر حتى وإن زُيِّن لك أنّ ما تقوم به فيه انتصارٌ لنفسك وعزة لها.
القضايا الشخصية لا تهمّنا كثيراً، أو هكذا يجب أن تكون.. الانتصار الشخصي هو هزيمةٌ في حقيقة الأمر، لكن ربما تكون أحياناً تحتاج لانتصارٍ خاصٍ من أجل انتصارٍ عامٍ، وأحياناً لا تستطيع أن تثبت الحق العام إلا عن طريق الحق الخاص، لذلك قد يكون اللجوء إلى (شخصنة) الموضوع أحياناً مجازاً أو مستحباً ومطلوباً. فقط على القراء الكرام أن لا يخلطوا بين هذا وذاك.
نحن أنصار أيِّ مُبدع، وعبد الرحمن عبد الرسول مُبدعٌ يستحق أن نكتب عنه بغض النظر عن لونيته وطريقته.. كثيرون لا يجدون التقدير الذي يستحقونه، وكثيرون نخجل ونختشي من أن نقول لهم شُـكراً وهم يستحقون منا ذلك.. أحياناً نبخل عليهم بالإشادة وهي حقٌ مكفولٌ لهم.
معروف عبد الرحمن عبد الرسول بمريخيته الصارخة وبتعصُّبه الكبير للأحمر ـ لكن هذا لا ينقص منه شيئاً، لأنّـه ظلّ يقف على الحِيَاد وهو يقف على مسافة واحدة مع جميع الفرق.
مريخية عبد الرحمن عبد الرسول وتعصُّبه للمريخ، تغلّب عليها بمهنيته العالية، وقد كان عبد الرحمن عبد الرسول مُنصفاً للهلال في برنامج عالم الرياضة أكثر من الهلالاب أنفسهم.
يمكن نحن الهلالاب مرات يكون عندنا رأي في عبدالرحمن عبدالرسول.
الهلالاب قد يتواضعوا وقد يجدوا الحرج في التّغَـزُّل في الهلال والإفراط في الإشادة به، عبد الرحمن لا يتحرّج من الغَزل في الهلال ـ لذلك الهلالاب كَـافّـة ينتظرون تقاريره عندما يبدع الهلال وينتصر.
إذا كان لبرنامج عالم الرياضة شعارٌ موسيقيٌّ معروفٌ، فإنّ لعبد الرحمن عبد الرسول موسيقاه الخاصّة التي تفوّق بها على موسيقى البرنامج عندما يكتب تقاريره، وعندما ينتصر المنتخب أو الهلال أو المريخ.
نعم الجميع ينتظر تقاريره بصوت معتز الهادي الذي يأتي بالألوان الكاملة.
أنصف عبد الرحمن عبد الرسول، الهلال وأعطاه ما لم يعطه له أهله، ولا عجب في ذلك، لأنّ عبد الرحمن ينفعل مع كل ما هو جميل وكل ما هو سوداني وكل ما يرفع من قيمة الوطن ويعلي هامته.
عندما تكتب بصدقٍ تصل للناس، قد تنفعل ولكنه انفعالٌ جميلٌ، لأنه ناتجٌ عن صدقك.
وصل عبد الرحمن عبد الرسول إلى معادلة، وهو أنّ أيِّ نصر للسودان هو انتصارٌ لنا جميعاً، بغض النظر عن الألوان والأهواء.
أطلق عبد الرحمن عبد الرسول، على الهلال (الفرقة المَاسِية)، وهو لقب نتمنى أن يتحلّى به الهلال، وأن يعرف به حتى نبلغ الأماني ونُحقِّق المراد.. إنّه أمرٌ لا بُـدّ منه وإن طال السفر.
لتقارير عبد الرحمن عبد الرسول، وآراء الرشيد بدوي عبيد قيمةٌ، لأنّها مبنية على نظرة فنية صائبة، وخبرات عبد الرحمن والرشيد وعلمهما بالأمور الفنية، وعملهما السابق في مجال التدريب والتحليل الفني، أكسب تقاريرهما وآراءهما نبوءات صادقة، عندما تحدث منهما الإشادة تكون الإشادة في مكانها، وعندما يحدث انتقادٌ، على الجميع أن ينتبهوا.
عبد الرحمن عبد الرسول والرشيد بدوي عبيد دخلا قاموس السودان الذي يحفظ ملامحه وطعمه ونكهته.
مثل هذه الأشياء يجب الحفاظ عليها، ويجب كذلك أن تجد التقدير والتكريم الذي تستحق، مع التنبيه إلى أنّ انتقاداتنا يوماً قد تطال منتوجهما وليس شخصيتهما التي يكن لهما الجميع فائق التقدير والاحترام.
يُمكن أن نختلف مع عبد الرحمن عبد الرسول، ولكن لا نختلف عليه.
دُمتم بخير وصحة وعافية عبد الرحمن عبد الرسول والرشيد بدوي عبيد وكل أسرة برنامج عالم الرياضة الذي بنى نجاحه على قوائم (الأسرة الواحدة)، لذلك نجح البرنامج، لأنّك تحس فيه بالإلفة والتفاهُم والتّجانُس، ليس بين أفراد طاقم البرنامج ومُراسليه وحدهم، ولكن بين البرنامج والمُستمعين، وهذا سِـر نجاح البرنامج وصموده كل هذه السنوات ومحافظته على مُستواه ومُحتواه طِـوال فترة بثِّه على أثير إذاعة أم درمان.
…
متاريس
بالمُناسبة نحنُ في الإعلام، انتقاد شخص أسهل لينا من الإشادة به.
من أصعب الكتابات هي كتابات المدح والثناء.
المنتخب والهلال وعودة الدوري الممتاز وكثير من الأشياء سوف نعُـود لها لاحقاً.
الحمد لله مع هذه الظروف، أصبح هنالك نشاطٌ رياضيٌّ جديرٌ بالاحتفاء والوقوف عليه.
عودة الدوري الممتاز أمرٌ مُفرحٌ وشئٌ يستحق عليه اتحاد الكرة التحية والتقدير.
التّسجيلات وما أدراك ما التّسجيلات؟
ماذا يحتاج الهلال؟
…
ترس أخير: أعرش على كدا.