(١)
قُضي الأمر وانتهت رحلة الهلال في دوري أبطال إفريقيا بحصيلة (جيدة) إذا ما قيست بمستوى اللاعبين وقدراتهم الفنية والذهنية والنفسية، وماينبغي لنا نشُق عليهم ونكلّفهم ما لا يطيقون واضعين في الحسبان أن قدرتهم على المحافظة على فرصة التأهل حتى الرمق الأخير من المنافسة يعد انجازاً لفريق متوسطي دفاعه بوي وعمار الدمازين ومهاجمة الأول شعلة تتوهج محلياً وتخبو إفريقياً، أما إذا كان المقياس هو (طموح) الأهلّة و(أحلامهم) البعيدة عن (قدراتهم) الحقيقية أو المتاحة حالياً على الأقل فإن ختم الجودة سيكون بمنأى عن المشاركة طالما أنها انتهت دون العبور إلى دور الثمانية .
(٢)
حقق الهلال ثلاثة انتصارات دون أن يقدم مستوى مقنعاً وعندما حضر المستوى أمام النجم في الخرطوم غاب الفوز، انتصر الهلال في المواجهة الصعبة وخسر السهلة ليؤكّد أن الأمر برمته لم يكن إلاّ ضرباً من ضروب جنون الكرة الذي تمارسه أحياناً فيبتسم الحظ مرة ويدير ظهره مرات خاصة إذا ما كانت إدارة النادي تتعامل مع المدربين كما يتعامل الفنان مع الملابس في تصوير الفيديو كليب(كل لقطة بلبسة) .
(٣)
وإذا ما تحدثنا عن مباراة الأهلي فإن عوامل ثلاثة كانت السبب في خسارة الهلال أولها يتعلق بالفريق نفسه والشحن الزائد والضغط الإعلامي والجماهيري الذي صوّر الأمر كمعركة حربية يمكن أن نكسبها بسلاح الإرهاب والتخويف بمجرد حشد الجماهير واجترار الماضي في حين أن الواقع يقول باختصار يتأهل الهلال (فقط) إذا فاز وهذا ما لم يحدث ولا يحدث بالخطب الرنانة والوعود البراقة والعنتريات التي ما قتلت ذبابة… والعامل الثاني وثيق الصلة بالأول ويتمثّل في التعبئة السلبية تجاه الحكم المغربي رضوان جيد ولا شك أن العقدة النفسية التاريخية تجاه الحكام المغاربة تحديداً بسبب ما فعله (لارش) والذي حفر اسمه في ذاكرة الأهلة قد كان لها أثرها فضلاً عن سابقة ركلات الجزاء الثلاث التي احتسبها جيد في مباراة سابقة بين الهلال والنجم وفي مباراة الأمس استغربت كحال الكثيرين وثائرة الجماهير تثور لا بسبب حالة طرد أو ركلة جزاء لكن بسبب ركنية … مما يدل على أن (جيد) لن يكون له نصيب من اسمه مهما ارتفعت درجة جودة إدارته للمباراة … وإن كنت أرى أنه حرم الهلال من ركلة جزاء مستحقة لكنه حرمان يدخل في جملة الأخطاء التي تقع من مجمل عناصر المباراة على غرار خطأ تمركز اللاعبين الذي جاء بسببه هدف الأهلي الأول في شباك الهلال على امتداد زياراته لأمدرمان.
(٤)
يبقى بعد ذلك العامل الثالث المتمثّل في المنافس … الأهلي هذا الفريق الكبير بخبراته وبطولاته وإدراك إدارته ولاعبيه ليس فقط لما يريدون لكن لكيفية تحقيق ما يريدون كذلك … انظروا إلى رئيس النادي محمود الخطيب باسمه وتاريخه وموهبته النادرة وستدركون أن (فرقاً شتى بين) … وإن كان من نقطة ضوء في نفق الخروج الإفريقي فهي أن هذا الخروج جاء على يد فريق بحجم وتاريخ الأهلي يظهر معدنه في الأوقات الصعبة حيث نجح في تسيير المباراة كما يريد وتعامل مدربه معها بذكاء كبير موظفاً عناصره المطلوبة لتحقيق غايته على النحو المطلوب (والياكلو الأسد خير من البتاكلو الضبعة).
(٥)
أخيراً لا ينبغي لنا أن نغادر الحديث دون التعليق على سلوك الجمهور الذي يتكرر للمرة الثانية بعد ما حدث في مباراة الوصل بالبطولة العربية … لقد كان منظر الكراسي المتطايرة والقوات النظامية التي اقتحمت الملعب منظراً ينم عن انحراف كبير لجماهير (يتأرجح) سلوكها كما يتأرجح فريقها فشهدناها تصفق للنجم وهي خاسرة ثم تعود وتحصب الملعب بسبب ركنية غير محتسبة… لقد ظلّت جماهير الهلال مصدراً من مصادر قوته وستعود يوم يعود الهلال من غربته وهذا أمر يتطلب التفافاً أكبر .. أما الكاردينال وزمرته فهم زبد سيذهب ويعود لنا هلالنا الذي نحب إن شاء الله .