وكت الطبنجة .. مرقت الكمنجة .. وهذبت المكان رحل محمدية
كورة سودانية:أيمن عبد الله.
سكتت الاسبوع الماضي بعد مداومة إستمرت لأكثر من نصف قرن “كمنجة” الموسيقار محمد عبد الله محمدية وتوقفت عن العزف إثر وفاة العازف الشهير في السادسة من فجر الاربعاء بعد معاناة مع المرض إمتدت لعام كامل تنقل فيها صاحب الانامل المدهشة مستشفياً بين الخرطوم والعاصمة الاردنية عمان.
وكانت جموع غفيرة من الموسيقين والفنانيين واهل الثقافة والإعلام قد توجهت ظهر الاربعاء صوب مقابر حمد النيل بمدينة ام درمان حيث شاركت وشهدت تشييع الموسيقار السوداني محمدية بعد ان تناقلت وسائل الإعلام خبر وفاته التي حدثت فجراً.
هذا وقد شهد التشييع حضوراً رسمياً كبيراً تمثل في قيادة محلية أم درمان ومعتمدها وعدد من قادة العمل السياسي والثقافي بالولاية ومندوبين من وزارة الثقافة الإتحادية وجمهور غفير من المشييعين ومحبي الراحل واصدقائه واقاربه.
وكان الراحل قد رقد طريح الفراش الابيض منذ نهايات شهر مايو العام 2013م بعدوعكة صحية ألمت به، وعجز الاطباء السودانيون عن تشخيص حالته حيث جاءت كل الفحوصات نظيفة مما إستدعي سفره للاردن التي شخصت حالته بالإصابة بـ(سرطان الغدد الليمفاوية) في مراحل متأخرة من المرض ليبدا علاجه ومن ثم عاد للسودان بعد شهرين قضاها هناك ولزم منزله حتى وفاته فجر 16/7/2014م.
• شروق الأوتار
الأستاذ محمد عبد الله محمد أبكر الشهير بـ «محمدية» من أعرق العازفين على آلة الكمان في السودان وأميزهم ، ولد محمدية بمدينة بورتسودان حي ديم جابر ونشأة فيها وأطلقت عليه (حبوبته) إسم محمدية هذا ،بدأ كعازف بالعزف الصفارة عندما كان صغيراً وسط اصدقائه ومن ثم تحول للعزف على آلة العود قبل أن يتحول كعازف للكمان وتميز فيها حيث كان معجباً بعازف الكمان المصري الشهير (أحمد الحفناوي) وعن حكايته مع الكمان يقول محمدية في حوار اجري معه في صحيفة الصحافة في العام: (كنت عاشقاً للموسيقى العربية ومعجباً جداً بعازف الكمان الشهير احمد الحفناوي، فكان لا بد من وجود آلة كالتي يعزف بها الحفناوي، فوجدت صعوبة شديدة في الحصول عليها، فكتبت خطابا للفنان الكبير محمد عبد الوهاب شارحاً اعجابي باعماله الفنية غنائية او تلحيناً للآخرين، ولكني لم اجد رداً على الرسالة .. وكنت محظوظاً ان اتى احد الموظفين الى مدينة بورتسودان ليعمل في بنك الخرطوم «باركليز سابقا»، ووقتها كانت معظم الاندية وتجمعات الموظفين من مظاهرها ان يكون هناك عود ومطرب لتلك الجوقة، فكنت اتردد على تلك التجمعات، وتعرفت على الاخ مدني محمد طاهر، وهو بالاضافة لهواية الموسيقى أيضاً لاعب كورة قدم ماهر، انا كنت عاشقاً لكرة القدم ولاعباً بالدرجة الاولى لفريق (مريخ بورتسودان).. واهداني الاخ مدني آلة كمان كانت هي ضربة البداية، وكان ذلك سبب تحيزي للموسيقى على حساب كرة القدم، واعتقد انني اخترت الطريق الصحيح.. وفي تلك الايام لم يكن هناك من يعلم الآلات الموسيقية على الاسس السليمة، بل هي مجرد اجتهادات شخصية، ولكن زيارة الإخوة الفنانين احمد المصطفى وعثمان حسين المتكررة لبورتسودان باعتبارها مدينة منافسة للعاصمة في مجال الحركة التجارية والفنية والاجتماعية وبارتيادنا لحفلاتهم استفدنا كثيرا منهم، وكان يصحبهم كبار العازفين عبد الفتاح الله جابو وعبد الله عربي وموسى محمد ابراهيم وآخرون).
وهكذا تبرز عصامية محمدية وقدرته الهائلة على التعلم والرغبة القوية التي ابداها لتعلم الموسيقى ويواصل محمدية في حديثه مستذكراً سيرته الأولى مع العزف حين يقول عن أول مرة عزف فيها خلف فنان كبير:(اول تجربة اكسبتني الشجاعة والمواجهة وتحمل المسؤولية كانت في احتفال أُقيم في النادي القبطي بمدينة بورتسودان بمناسبة شم النسيم. وطلب مني ان اصاحب احد المطربين سيتغنى بالاغنية الشهيرة «بنادي عليك» للفنان فريد الاطرش، وخضت التجربة رغم صعوبة العمل).
• كيف تبدو الأوتار
إشتهر العازف الراحل محمدية بصفات كثيرة جميلة ونبيلة جعلته يكون في مقدمة العازفين المحبوبين واكثرهم شعبية وسط الفنانيين الشباب والذين تباروا للذهاب إليه أثناء فترة مرضه وكانوا في قائمة اول المشيعين له بعد وفاته وكانوا حضوراً في المقابر.
الفنان الشاب محمد حسن حاج الخضر قال :(فقدنا في هذا اليوم المبارك من هذا الشهر المبارك، احد اهرامات الفن والموسيقي السودانيه الهرم الفني الموسيقار الكبير محمد عبدالله محمديه، بعد حياة حافلة من العطاء زامل خلالها اجيالا مختلفه وكان نعم المعلم والقائد، وانا احد الشباب المحظوظين بان ترعرعنا فنيا قرب الموسيقار محمديه فكان نعم المعلم والمربي، ولكن عزاءنا بما تركه من سيرة طيبة عطره تخلده مدي الازمان. انا لله وانا اليه راجعون).
اما الشابة “أفراح عصام” فقد خاطبناها وتحدثت بعد ألحاح وإصرار كبيرين منا وهي التي ما توقفت عن البكاء منذ لحظة سماعها النبأ قالت : (أولاً رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً .. كان لي الشرف أن اغني بصحبة العازف محمدية وذلك خلال ثلاث مواسم في برنامج (أغاني وأغاني) .. وهو رجل بجانب أنه كان من امهر العازفين فهو طيب وحنون وتعاملوا حلو مع المجموعة والناس كلهم .. ونحن من سمعنا خبر مرضو مشينا ليهو وكنا عايشين نفسيات كبيرة وبندعوا ربنا كل يوم غنو يقومو بالسلامة .. لكنه القدر ومشيئة الله .. رحم الله محمدية رحمة واسعة .. وإنا لله وإنا إليه راجعون).